استطلاعات وتحقيقاتمقالات

تسريبات بريد هيلاري كلينتون .. أسباب ودواعي النشر !! بقلم / سامي عطا

كتب  / سامي عطا 
لعله من البديهي أن قرار الرئيس ترامب برفع السرية عن مراسلات وزيرة الخارجية السابقة ومنافسته للانتخابات الرئاسية في الدورة السابقة يأتي في سياق حاجة ترامب إليها كحاجة انتخابية ضد المرشح الديمقراطي المنافس له في الانتخابات القادمة خصوصاً أن مؤشرات استطلاعات الرأي أكدت تفوق بايدن عليه بعد المناظرة الأخيرة ، ولهذا فإن رفع السرية عن هذه المراسلات أراد ترامب وإدارته الانتخابية توظيفها كأداة إنتخابية تسهم في إحداث إختراق وقلب تأخر ترامب إلى تقدم وخصوصاً أن الانتخابات باتت قريبة جداً.
ومن ينظر إلى الرسائل التي تم الكشف عنها كلها ذات منحى واحد وقليلة بالمقارنة مع العدد الكلي المعلن عنه (٣٥٥٠٠ رسالة تقريباً) وأنصبت جميعها في إتجاه إظهار دور الحزب الديمقراطي في التعامل مع الربيع العربي ، وتصوير الربيع العربي كمؤامرة نسجت خيوطها بين الحزب الديمقراطي وحركة الأخوان المسلمين ، وبغض النظر عن صحة ذلك ، لكن هذا التصوير يراد من وراءه أمرين :
أولاً/ الانتقاص من الفعل الجماهيري والدفاع عن طريقة المعالجات الفوقية التي تمت في إجهاض التغيير الجماهيري وشرعنة الانقلابات التي حدثت في المنطقة سواء في مصر أو ليبيا أو سوريا وشرعنة الحرب على اليمن باعتبار أن ما جرى من مؤامرة نسج خيوطها الحزب الديمقراطي باتفاق مع حركة الأخوان يعود الفضل في إجهاضها إلى إدارة ترامب مع حلفائه في المنطقة ا”لإمارات والمملكة” ، ويمكن ملاحظة أن إعلام الإمارات والمملكة يشتغل في هذا السياق وهو الهجوم على حركة الأخوان وقطر وتركيا وتصويرهم شياطين الربيع العربي ( كلمة حق يراد بها باطل ) والباطل هنا سلب الجماهير حقها في التغيير وكأن أوضاع ما قبل الربيع العربي كانت زاهية والناس يعيشون في بحبوحة العيش، وأن ما حدث ليس إلا مؤامرة كواليس بين الحزب الديمقراطي وحركة الأخوان ، وهذا سنجده من خلال تسريبات رسائل هيلاري كلينتون وتوكل كرمان ، مع أن ما تضمنته ليس جديداً أو مفاجئاً بخصوص التمويل الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني والشخصيات الفاعلة في المجتمعات العربية ، ومن يتذكر قضية الدكتور سعدالدين إبراهيم رئيس مركز ابن خلدون في جمهورية العربية قبل عقدين من الزمن ومحاكمته المشهورة في عهد مبارك حول التمويل الأمريكي للمركز.
وتريد الولايات المتحدة الأمريكية من وراء سياساتها القائمة إنجاز فوضاها الخلاقة الذي قامت على استراتيجيتين : رفع غطائها عن أنظمة الحكم السابقة للربيع العربي التي وصلت مرحلة الشيخوخة وباتت عاجزة عن فعل شيء مع محور المقاومة الذي أخذ يتنامى منذ ما بعد حرب تموز ٢٠٠٦م، بينما أنظمة الحكم الحليفة لأمريكا باتت عاجزة ومشلولة وتعاني من أزمات داخلية كثيرة لولا الغطاء الخارجي لها ، ومن خلال الفوضى الخلاقة أرادت الولايات المتحدة أن تحدث تغيير لأنظمة الحكم بالجماهير المسحوقة ، ولكنها في نفس الوقت قيدت التغيير بعدم الخروج عن سياقات الترتيبات الفوقية واتفاقات الكواليس خصوصاً أنها قد نسجت خيوطاً مع نخبه منذ وقت مبكر وأفسدتهم بالأموال والعلاقات الشخصية.
ومن يطابق بين الرسائل المسربة ويعود بالذاكرة إلى وقائع إرهاصات ثورة الشباب وخصوصا شهر يناير 2011م يجد أن هيلاري كلينتون إلتقت بتوكل كرمان في 7 يناير 2011م ، ومن ثم نظمت مظاهرة إثر سقوط الرئيس التونسي في 14 يناير 2011م ، وتم اعتقالها مع زوجها في 23 يناير 2011م واودعت سجن النساء وتم أخراجها على مايبدو بضغوط أمريكية ، ولها منشور قبل يومين على صفحتها في الفيس بوك تتحدث عن لقائها بعد خروجها من الاعتقال مع السفير الأمريكي ونائبته (*) ويبدو أن الأمريكيين أرادوا إحتواء الثورة وأن يتم إدارتها من الغرف المغلقة وتوظيفها بحيث لا تتحول إلى ثورة حقيقية ، وفي 25 يناير اندلعت ثورة مصر وواصلت التحشيد بعد ذلك ونصبت لها خيمة أمام بوابة الجامعة بعد أن رفض نظام علي صالح نصبها في التحرير. ومن يتذكر الشعارات المرفوعة قبل (جمعة الكرامة) 21 مارس 20011م كان البارز فيها الشعب يريد إسقاط النظام ، ومنذ ذلك تغير الشعار والهتافات في الساحات إلى ( إرحل إرحل إرحل ) وهذا الشعار إختزال لمشكلة البلد بشخص علي عبدالله صالح وحماية لبقية نظامه الذين انضموا للساحات ، ويبدو أنها كانت تدار من خلف الكواليس وبغرض إفراغ الثورة من محتواها ، وتوظيف الغليان الشعبي في الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة وأعوانهم المحليين، ولقد كانت الولايات المتحدة تتوجس من ثورات (الربيع العربي ) أن تكوّن شعبية جماهيرية على غرار ما حدث في إيران.
ولذا سعت منذ وقت مبكر أن تؤسس لنخب تقود منظمات مجتمع مدني، وقدمت لها الدعم المادي تستبق فيه ثورات وتستطيع من خلالها التحكم والسيطرة ، ومن يلاحظ نعت الغليان الشعبي في البلاد العربية بـ( الربيع العربي ) لم يك بريئاً ، بل كان عملا يصب في خانة احتواء الغليان والسيطرة عليه والحيلولة دون بلوغه مرحلة الثورة وبقائه ضمن استراتيجية الفوضى الخلاقة التي وضعتها منذ وقت مبكر ، فلقد احتاجت الولايات المتحدة إلى تفكيك النظام العربي الذي بات عاجزا أمام محور المقاومة خصوصا بعد حرب تموز 2006 م وذلك من أجل حماية إسرائيل ، واحتواء الثورات بالقدر الذي كان رغبة أمريكية ، فإنها تلاقت مع رغبة أنظمة البترودولار في المنطقة ، وذلك خوفا من إنتقال رياح التغيير إلى داخل هذه الممالك والدول التي تمثل مصالح أمريكا والغرب الاستراتيجية والحيلولة دون قيام أنظمة وطنية وإجراء استباقي كي لا يتكرر مشهد طهران 1979م.
وعليه فإن أسباب النشر واضحة مما أسلفت وفي الأخير هو يكرس أيضاً في وعي الناس قلة الحيلة ويواصل توطيد وهم أن أمريكا عالية القدرة وهي من تدير اللعبة ومافيش فائدة ياصفية دفيني، أي قطع الطريق أمام أي ثورة مستقبلية والتسليم بقضاء أمريكا وقدرها.

أستاذ الفلسفة والمنطق _ جامعة عدن 

……………………………………..

(*) تقول توكل كرمان في منشور لها على الفيس بوك نشرته في تاريخ ٢٠أكتوبر ٢٠٢٠م عن دور الأمريكيين في الثورة اليمنية مايلي
بعد اعتقالي  بأيام من اندلاع مظاهرات الثورة التي كان لي الشرف الدعوة لها والمشاركة فيها مع طلاب جامعة صنعاء وعدد من الناشطين، اضطر المخلوع علي صالح للإفراج عني بسبب المظاهرات الاحتجاجية على الاعتقال، التي عمت اكثر من محافظة، والتي رددت ذات الشعارات التي اطلقتها انا ورفاقي طلاب جامعة صنعاء ، بالاضافة للضغوطات  المختلفة من قبل القوى السياسية والمكونات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني المحلية الدولية، التي ادانت اعتقالي وطالبت بالأفراج عني، وبعد ان تناولت وسائل الاعلام العالمية اخبار الثورة وبدأت بالتعاطي معها بجدية ،  طلبت مني السفارة الأمريكية بصنعاء زيارتهم، ذهبت والتقيت بالسفير ونائبته ، كانت الجلسة طويلة، وكان النقاش حادا جدا ، الأمريكيون متخوفون من المظاهرات الثورية ، التي ادعو لها واشارك فيها مع رفاقي، لم يكونوا موافقين عليها، صحيح كانوا يساندون نشاطي الحقوقي والمدني، ولكن ليس إلى حد اسقاط نظام علي عبدالله صالح ، بالحرف الواحد قالوا: ستتحملين كامل المسؤولية والتبعات، وكنت ارد عليهم لن نعود الى البيت حتى نسقط هذا النظام الفاشل والفاسد والمستبد، خلاص انتهى الوقت، وفقد هذا النظام كل مبرراته في البقاء، ولا حل آخر أمامنا وأمام اليمنيين، قدرت سبب رفضهم أنهم متخوفون على مستقبل شراكتهم في مكافحة الإرهاب وآلياتهم التي انجزوها مع نظام علي عبدالله صالح ، أردت ان أكشف عن سبب تخوفهم، واطمئنهم أن لاقلق في ذلك، فالثورة مدنية وسلمية وسوف تكافح الإرهاب كفكر وممارسة، لكنني فضلت أن أؤجل ذلك إلى وقت آخر، إذ كان المهم عندي قبل الإسراف بالوعود أن تكبر مظاهرات الثورة، بالنضال والجسارة والاستعداد التام لتقديم التضحيات، انتهى الاجتماع وغادرت بعد أن لم نتفق على شيء، انا مصممة على رأيي وهم مصممون على رأيهم ، ثم استمرت المظاهرات وكبرت حتى غدت ثورة شعبية شبابية تعم جميع ميادين محافظات الجمهورية ، للإنصاف الأمريكيون بعد ذلك غيروا موقفهم من الثورة، بعد أن رأوها وقد اصبحت ثورة شعبية شبابية غير مسبوقة، ملء السمع والبصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى