تتجدّد أزمة تأخّر صرف رواتب الموظفين (عسكريين ومدنيين) على مدى شهور متتالية (تصل أحياناً إلى خمسة كما هو حاصل راهناً)، في المناطق المسمّاة من قِبَل التحالف السعودي – الإماراتي، “مُحرّرة”. ويعتصم المتقاعدون من السلك العسكري، منذ أكثر من أسبوع، أمام مقرّ قيادة “التحالف” في مدينة الشعب في مديرية البريقة بمحافظة عدن، احتجاجاً على إيقاف صرف رواتبهم. وتوسّعت، أمس، رقعة هذا الاعتصام المفتوح، بانضمام عدد من النقابات الجنوبية إلى خيم الاحتجاج، فيما تحدّث مصدر من داخل “الاتحاد العام لنقابات الجنوب” عن اعتزام بقية النقابات اتخاذ خطوة مماثلة للمطالبة بصرف رواتب العسكريين والمدنيين على السواء. واختار المعتصمون تنفيذ تحرّكهم أمام مقرّ “التحالف”، لتحميل الأخير مسؤولية التداعيات الناجمة عن الصراع الدائر بين وكلائه، بينما يعتقد مراقبون أن حجب الرواتب بشكل دوري إنما هو سياسة متعمّدة من قِبَل النظام السعودي، بهدف تطويع “المجلس الانتقالي الجنوبي” الموالي للإمارات.
منذ نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن أواخر عام 2016 بإيعاز من “التحالف”، تخضع الرواتب لحسابات سياسية وحزبية ومناطقية، في وقت تسوء فيه أوضاع الموظفين الحكوميين، ويتهدّد خطر التوقف عن العمل المؤسسات الحكومية، وخصوصاً منها الخدمية، التي سيؤدي تعطّلها إلى شلّ دورة الحياة. ولم يصدر عن الجهات المالية المعنيّة أيّ وثيقة تثبت أن تكرار التأخر عن صرف الرواتب ناتج عن الشحّ المالي، ليتبيّن لاحقاً أن الرواتب تُصرَف كاملة من البنك المركزي، إلا أن منظومة الفساد تمنع وصولها إلى مستحقّيها لمصلحة المتنفّذين المدعومين من “التحالف”.
يقف “الانتقالي” محرَجاً لعجزه عن تأمين الرواتب بعد إعلانه “الإدارة الذاتية”
لكن توقّف صرف الرواتب هذه المرّة يبدو مختلفاً، لارتباطه بالمفاوضات المتعثّرة بين الوكلاء المحلّيين لـ”التحالف”. وفيما تتعاطى حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، مع الأزمة بكثير من عدم المبالاة، مكتفية بتحميل “الانتقالي” المسؤولية لطرده إيّاها من عدن والمحافظات الغربية ولإعلانه “الإدارة الذاتية”، يقف المجلس محرجاً لعجزه عن تأمين الرواتب، والذي يُظهره في مظهر مَن اتخذ خطوات ناقصة وغير مدروسة. هكذا، يُعاقَب مئات آلاف الموظفين، المدنيين والعسكريين، في المحافظات الجنوبية في إطار تصفية الحسابات والصراع على النفوذ بين دول “التحالف” أو وكلائها المحلّيين، علماً بأن هذه السياسة ليست جديدة، بل هي من عمر احتلال تلك المحافظات. وفي آخر تطورات هذا الملف، عقدت “الإدارة الذاتية” لـ”الانتقالي” اجتماعاً استثنائياً مع القيادات العسكرية والأمنية في عدن، أصدرت عقبه بياناً حَمّلت فيه حكومة هادي المسؤولية عن عدم صرف الرواتب للشهر الخامس على التوالي من هذا العام، إضافة إلى مستحقات غير مصروفة من العام 2018، مُهدّدة بـ”اتخاذ ما يلزم من تدابير لحصول أفراد الأمن والقوات الجنوبية على حقهم في الراتب كاملاً غير منقوص”. بالتوازي مع ذلك، زار رئيس “الإدارة الذاتية”، أحمد بن بريك، البنك المركزي في عدن، والذي تؤمّن حراسته عناصر سعودية، وعقد لقاءً مع نائب محافظ البنك، شكيب حبيشي، ليصدر لاحقاً بيان عن “المركزي” أكد عدم قدرته على صرف الرواتب إلا بشروط، هي: أولاً: إعادة الأموال كافة التي تمّ الاستيلاء عليها في ميناء عدن. ثانياً: إعادة الإيرادات المالية كافة التي استولى عليها “الانتقالي” منذ أواخر نيسان/ أبريل الماضي. ثالثاً: وقف التحصيل غير المشروع للإيرادات مستقبلاً. رابعاً: الالتزام بعدم التدخل في أنشطة البنك أو تعطيل مهامه. إثر ذلك، نفى الناطق باسم “الانتقالي”، نزار هيثم، حصول أيّ اتفاق مع “المركزي” في شأن الرواتب، معتبراً شروط الأخير “محاولات التفاف على مطالب المرابطين في الجبهات”.