استطلاعات وتحقيقات

هكذا حاول البريطانيون إجبار مبارك على خطة “إصلاح اقتصادي “.. كيف تعامل معها ؟!

نشرت هيئة الإذاعة البريطانية تفاصيل وثاق سرية، عن زيارة الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك إلى بريطانيا عام 1988.
وبحسب الوثائق التي نشرتها الهيئة، قد كانت هذه الزيارة يومي 25 و26 يناير/كانون الثاني عام 1988، مثالا على الخلافات القوية خلف الأبواب المغلقة.
وتكشف الوثائق عن أن مبارك اشتبك في حوارات عاصفة مع البريطانيين، على أعلى المستويات، بشأن وتيرة الإصلاح الاقتصادي، ومَنْ يحددها.
وأنهى الرئيس الراحل، مستاءً، أحد هذه الحوارات قبل استكمال النقاش بشأن حالة الاقتصاد المصري.
في تلك الفترة، واجه الاقتصاد المصري صعوبات كبيرة. وجرت مفاوضات بين القاهرة ونادي باريس بشأن إعادة جدولة ديون مصر. وقبل أيام من الزيارة، بدأت مفاوضات بشأن الديون المستحقة لبريطانيا لدى مصر. كما شرع صندوق النقد الدولي في إجراء مراجعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع الحكومة المصرية.
وكان فريق من الصندوق يتأهب لزيارة القاهرة في شهر فبراير/شباط، للضغط لاتخاذ إجراءات أقوى تستهدف تقليص عجز الميزانية، وخفض الدعم الحكومي للفئات الفقيرة، ولا سيما دعم الوقود بأنواعه.
حينها احتج الجانب المصري، في مقاومته ضغوط الصندوق، بأن الرضوخ لشروط الصندوق سوف يسبب اضطرابات شعبية كتلك التي شهدتها مصر من قبل بسبب رفع الأسعار.
وقبيل الزيارة، عمًّمَ وزير الخارجية البريطاني، جيفري هاو، مذكرة سرية على الجهات المختصة في بريطانيا تؤكد إصرار حكومته على تسريع وتيرة الإصلاح الاقتصادي في مصر، وعلى ألا يقدم المسؤولون البريطانيون أي تعهد لمبارك بشأن تقديم أي شكل من أشكال المعونات الاقتصادية الإضافية.
وحدد التعميم أهداف بريطانيا بشأن الاقتصاد المصري بأنها “إقناع المصريين بتسريع وتقوية جهودهم لضبطه (يعني إصلاحه) الآن (بما يتفق بالتزامهم تجاه صندوق النقد) من أجل السماح باستئناف برنامج معزز للصندوق ومواصلة هذه الجهود على المدى المتوسط”.
رغم تحذيرات سابقة… كيف نجت مصر من السيناريو السلبي لقروض “صندوق النقد”؟
ويكشف محضر اجتماع مبارك وتاتشر عن أن الرئيس المصري الراحل أصر على أن حكومته مضت في الإصلاح إلى أكبر حد يستطيع الشعب تحمله.
وأبدى مبارك امتعاضه من ضغوط صندوق النقد عليه “كي يفعل أكثر مما ينبغي بمعدل أسرع مما ينبغي”، مضيفا أنه “يجب أن يكون لمصر وقت للتنفس”.
وحذر مبارك من توابع الاستجابة للضغوط، قائلا إنه “لو اتخذ بعض الخطوات التي يطالبه بها صندوق النقد، ستكون هناك قلاقل واسعة تشكل خطراً على الاستقرار ليس فقط في مصر ولكن على نطاق أوسع، وإنه لو قدم تنازلات “سوف تنتكس عملية الإصلاح برمتها”.
وكان لقاء لوسون وزير الخزانة بمبارك، اللاحق للقاء تاتشر، أكثر تركيزا على الاقتصاد، ولذا فكان أكثر سخونة وصعوبة.
ويكشف محضر اللقاء أن مبارك أصر على وجهة نظره التي لخصها في جملة: “لا يمكنك أن تعالج رجلا مريضا بجرعة دواء فوق قدرته على هضمها”.
وأشار مبارك إلى أن “الصندوق يسعى إلى إصلاحات من وجهة نظر اقتصادية فقط. ولم يأخذ في الاعتبار البعد السياسي. ولو كانت مصر قد اتبعت شروط صندوق النقد الدولي حرفيا، لم يكن يتحقق أي شيء لأن الشعب لم يكن ليقبل أبدا التبعات”.
صندوق النقد يتفق مع مصر على مساعدة مالية بـ5.2 مليار دولار
(كان مبارك يشير إلى انتفاضة الخبز التي شهدتها مدن مصرية عدة يومي 18 و19 يناير/كانون الثاني عام 1977 احتجاجا على قرارات خفض الدعم ورفع أسعار عدد من المواد الأساسية. واضطر السادات للتراجع عن القرارات التي كانت استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي).
وعندما قال له لوسون إن برنامج الصندوق هو ما يعتقد (مسؤولوه) أنه ضروري لإعادة الاقتصاد المصري إلى وضع صحي، قال مبارك: “ربما يكون كذلك من وجهة نظر الصندوق. غير أنني أفْضَل شخص يستطيع أن يُقدر ما يمكن أن يتحمله الشعب المصري”، وأضاف: “فرض مثل هذه الشروط في مصر أصعب. وهناك شيوعيون ومتطرفون يمكن أن يستغلوا الموقف”.
وعقب اللقاء، أشارت وزارة الخارجية إلى استياء مبارك من الموقف البريطاني وسير نقاشه مع وزير الخزانة.
وتشير الوثائق إلى أن مبارك أنهى النقاش مع الوزير البريطاني متذرعا بأنه يجب أن يغادر لندن متوجها إلى الولايات المتحدة.
المصدر : سبوتنيك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى