تقارير وتحليلاتمحليات

منحنى انهيار الاقتصاد… من انقسام “المركزي” إلى خسارة 100 مليار دولار

الوطني- متابعات

“بوادر كارثة اقتصادية”.. جرس إنذار أطلقه العديد من مراقبي الشأن اليمني خلال الأيام الماضية ليس فقط على خلفية معاناة البلد الفقير جراء الحرب التي تقودها السعودية منذ 5 سنوات، ولكن أيضا في ضوء تداعيات الأزمة الاقتصادية المستفحلة بالمملكة، والتي قد تتسبب في “إفلاس خزائن الدولة” في حال استمرارها.

حسب تقدير نشرته الباحثة بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن كارين يونج فالحكومة اليمنية التي تدير شؤون أفقر دولة عربية، تعتمد على جيرانها السعوديين للحصول على التمويل اللازم، حيث ضخت الرياض مليارات الدولارات خلال السنوات الخمس الماضية على شكل مساعدات إنسانية وإعانات وقود وإيداعات مالية في المصرف المركزي اليمني، ناهيك عن تكلفة الحملة العسكرية نفسها، وهو ما لا يمكن استمراره مع استمرار تهاوي أسعار النفط من جانب وتداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد من جانب آخر. يتوافق هذا مع ما نقلته وكالة فرانس برس عن مسؤول غربي يتابع التدخل السعودي في اليمن، مشيرة إلى استنفاد وديعة سعودية لدى البنك المركزي اليمني بقيمة 2 مليار دولار، ما سيدفع باتجاه تراجع حاد بقيمة الريال اليمني هذا العام، بما يعني تقليص القدرة الشرائية لليمنيين وعدم قدرة ملايين الأشخاص على تحمل تكلفة المواد الغذائية الأساسية، بحسب تقرير لمشروع “أكابس” غير الربحي، الذي يضم مجموعة من المنظمات الخيرية.

وستتعرض قيمة الريال اليمني للمزيد من الضغط الهبوطي بعد أن تضخ الحكومة 250 مليار ريال طبعتها مؤخرًا لتغطية نفقاتها التشغيلية، بحسب المشروع. وإزاء ذلك، جمعت الأمم المتحدة، في أوائل يونيو الجاري، 1.35 مليار دولار من المساعدات لليمن في مؤتمر للمانحين استضافته السعودية، إلا أن هذا الرقم يوازي بالكاد نصف التمويل العاجل المطلوب للحكومة اليمنية.

مؤشرات انهيار الريال

وتحذر منظمات غير حكومية، بينها “أوكسفام”، وهي اتحاد دولي لمجموعة من المنظمات الخيرية العاملة في مجال مكافحة الفقر، من تراجع غير مسبوق للتحويلات المالية إلى محافظات اليمن، بنسبة وصلت إلى 80% في الفترة ما بين يناير وأبريل الماضيين، وتعد هذه التحويلات شريان الحياة لملايين اليمنيين في وقت تبدو فيه الحكومة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها. ويعود ذلك بالأساس إلى أن هناك نحو 1.6 مليون يمني يعملون في السعودية، وهم أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد (يحولون أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي سنويًا)، وهؤلاء يواجهون حاليا – شأن كل العمال الأجانب في المملكة – موجات من التسريح وخفض الرواتب، ولذا يتوقع مستشار “أوكسفام” في اليمن عبد الواسع محمد أن تكون هناك عواقب للأزمة الاقتصادية السعودية على اليمنيين. وبإضافة أن التدخل العسكري السعودي، الذي تقدر نفقاته بنحو 200 مليون دولار يوميا، لم يؤد في النهاية إلى أي حسم سياسي في اليمن، مع استمرار الخلافات بين الحكومة واليمنيين وحتى داخل المعسكر الحكومي نفسه، يمكن بسهولة توقع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلد الذي يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب تقدير الأمم المتحدة. ومما يفاقم الأزمة أيضا انقسام المصرف المركزي اليمني إلى مركزين ماليين يتعاملان مع عملة واحدة، الأول في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (أنصار الله)، والثاني في عدن، التي أصبحت عاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دوليا، والتي تعاني من مناوشات من قبل الانفصاليين المدعومين من الإمارات، الذين أعلنوا “إدارة ذاتية” في المدينة في أبريل الماضي، واستولوا على شحنة تابعة للبنك المركزي تحمل نحو 80 مليون دولار. بالتزامن مع ذلك، تبدو الحكومة عاجزة عن تصدير أكثر من 50% من إنتاج البلاد النفطي، الذي تذهب إيراداته إلى حساب جارٍ في البنك الأهلي السعودي بدلاً من توريدها إلى البنك المركزي في عدن، هذا بخلاف القيود المفروضة على حركة الطيران والموانئ والمنافذ البرية.

قطاعات نفطية في سقطرى

لا تقف الأخبار السيئة عند هذا الحد، حيث تتسبب الممارسات العسكرية للسعودية والإمارات في تأثيرات كارثية على اقتصاد البلاد، ومن بين هذه الممارسات الاستيلاء على أرخبيل سقطرى، الذي يعد أهم وأكبر جزيرة يمنية، عبر ميليشيات مدعومة إماراتيا وبموافقة سعودية، ما يؤثر على دور اليمن في الإشراف على مضيق باب المندب، الذي يمر عبره حوالي 6.2 ملايين برميل يومياً من النفط ومشتقاته. وبحسب خريطة للقطاعات النفطية، صادرة عن هيئة الإنتاج والاستكشافات النفطية الحكومية اليمنية، فإن مساحة القطاعات النفطية البحرية لجزيرة سقطرى تقدر بنحو 200 ألف كيلومتر مربع، بما يعادل 52 ضعف مساحة الجزيرة البالغة 3.796 كيلومترا مربعا. وسبق أن أوردت تقارير غربية معلومات عن مشروع سعودي – إماراتي لإنشاء مستعمرة اقتصادية ضخمة تبدأ من مسافة 630 كيلومتراً من الربع الخالي داخل الحدود السعودية، وتمر بسواحل وشواطئ سقطرى إلى بحر العرب. ويهدد المصير ذاته ما يزيد على 100 جزيرة يمنية أخرى، يتحدث مراقبون عن استغلالها اقتصاديا من قبل السعودية والإمارات، إضافة إلى عدة مواقع اقتصادية ونفطية. وإزاء ذلك، تقدر الخسائر التي تكبدها الاقتصاد اليمني خلال السنوات الخمس الماضية بحوالي 100 مليار دولار، وفقاً لدراسة صدرت مطلع العام الجاري عن أحمد حجر، وكيل وزارة المالية التابعة للحوثيين في صنعاء، ونشرتها صحيفة “الأخبار” اللبنانبة.

وبحسب الدراسة ذاتها، فقد انخفض الناتج المحلي اليمني بين عامي 2015 و2019 بما نسبته 46.2%، وانخفض نصيب الفرد من الدخل الحقيقي خلال تلك المدة بنسبة 52%، فيما بلغ انخفاض إجمالي الإيرادات العامة الفعلية للدولة ما نسبته 71%، لتتجاوز خسائر موازنة الدولة في السنوات الأربع 40 مليار دولار، علماً بأن محصلات الاقتصاد القومي من النقد الأجنبي، خلال المدة عينها، انخفضت من نحو 18.6 مليار دولار عام 2015 إلى 8 مليارات عام 2019، بما نسبته 57%.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى