مقالات

اضغاث أحلامي بين اسم الشارع وصدمتي بصوت صاحب باص الدباب

 

 

 

بقلم/عفراء خالد الحريري

 

عند عودتي مساءا من عملي في خورمكسر الى كريتر و انا أقود سيارتي ببطء شديد على الجهة اليمين إلتزامًا بقانون المرور وحتى لايتضايق مني اصحاب السيارات المسرعة من الشباب، متأملة في ملكوت الله ومن حسن حظي ان اعمدة الانارة مضاءة، استمع إلى إذاعة FM اغاني عدنية قديمة واحدث نفسي عن عدن الأمس الأجمل،وهذه الأيام الجو يساعد على أن تكون هادئ و مسالم وحالم، وعند دخولي إلى كريتر تحديدًا بعد نقطة ماركيور، و على مرمى بصري يافطة كبيرة تستقبلني كُتب عليها شارع الشيخ محمد بن زايد، شارع لاباس بطوله نظيف والأشجار على حوافه من الجهتين غير أصص الورود وشاشات إعلانية وجسر يمتد فوق رأسي، وجبل يتحلى بالانوار والعشب الأخضر على يميني وبحر بحلة لؤلؤية على يساري، و اعمدة النور على طول الشارع والابنية مضاءة بما فيها محكمة صيرا التي تتحدث جدران اسوارها عن نزاهة وإستقلالية قضاتها(القضاء والنيابة) وسيارات التاكسي بنفس اللون تمر من جانبي ملتزمة بالقانون و الشارع يتسع لأربع سيارات من الجهتين الذهاب والإياب ورصيف للمارة كالمرآة تحت أقدامهم و استمريت في الدخول إلى إمارة كريتر التي تميزت بإدارتها المحلية ومأمورها الذي يحترم أوامر القضاء و الذي تم إختياره بناءا على معايير وخبرة وكفاءة يَشهد لها أهالي المنطقة، محبوب بينهم و ليس في صفحته نقطة فساد واحدة، يقبل النقذ ولايعتبر النقذ حقد وحسد عليه فيشكوا ويتشكى، ويمارس عمله بشللية بغيضة، وهذا أنعكس على نزاهة مدراء الإدارات للمرافق الحكومية المحلية ومؤسسات الدولة في نفس الإمارة تلك الإدارات التي تنطق ابنيتها ومداخلها من النظافة وجمال المظهر وشوارع فرعية مسفلته تمتد من الرزميت إلى شعب العيدروس لاتجد فيها قصاصة ورق ولا حفنة تراب، وشوارعها الاخرى التي تفوح بعبق تاريخ من النضال والأُنس والطرب، وتخلو من البساطات والمفارش وعربيات الحديد الصغيرة( الجواري)وعوادم السيارات التي تبيع بضاعة مختلفة والمحلات باوجهها الزجاجية اللامعه وبضاعة الماركات العالمية المتنوعة والناس تتجول مبتسمة سعيدة تتعامل ببطائق الائتمان والصراف الآلي في الشراء لايعيق سيرها طاولات بيع السمك والخضار و يلطخ ملابسها الماء العكر ، و الله على تلك المولات الشاملة سينما وصالة لعب أطفال ومطاعم …وغيره و لديها مواقف سيارات خاصة بها في طوابق من نفس المبنى وكذلك المدارس الخاصة تلك المنشاءات التي لم يسمح لها بان تكون على ماهي عليه الا بحسب قانون التخطيط الحضري واشراف البلدية والجهات ذات الاختصاص، ولاتوجد محلات بنشر تعرقل حركة السير، بل شوارع تمر فيها السيارات في اتجاه واحد منتظمة لا حواجز ولاحفريات خطيرة او مشاريع طرقات معطلة، إنما مضاءة بالألوان الزاهية البهية المتموجة بالضوء حينا والانطفاء اللحظي حينًا اخر صانعة أشكال ثلاثية الأبعاد لشخصيات عدنية صاغت تاريخ هذه المدينة، لاتنطفئ ٢٤ ساعة مثلها مثل البيوت العتيقة بطرازها العدني ومن توافر المياه فيها اسمع تدفقها على الانابيب لاتتوقف مثل الكهرباء، والمباني التي تضررت في الحرب مرممة بشكلها السابق على نحو أجمل مما كانت هي عليه. تشتم روائح زكية للبخور العدني من البيوت و محلات العطور دون أن توذيك رائحة المجاري لان شبكة الصرف الصحي تذهب في طريقها تحت قاع الأرض لاتسبب الاوبئة والامراض، وليس هناك باصات صغيرة تسمى الدبابات تقف أينما تريد وبمزاج من يقودها “الطفل الذي لم يتجاوز ١٥ سنة من عمره. أو الشاب الذي لايحترم احد”، ترى رجل الأمن بهندامة المستقيم يقف بعيدا يومئ برأسة تحية للمواطنين و ترد له الناس التحية بأحسن منها، وتلتف في جهة اخرى ترى النساء يرتدن اللبس المفضل لديهن دون اللون الأسود رصيف، تمشي عليه النساء والرجال دون اي تحرشات جنسية ولا حتى لفظية، وهناك الشوارع الحيوية تخلو من المتسولين واللذين يلتحفون أكياس الزبالة غطاء لاجسادهم النحيلة ولاغير الأرض مأوى لهم ولذويهم، ولاتسمع أصوات صراخ و رصاص وطماش وابواق سيارات، لا تستمع إلاّ موسيقى ناعمة من محل يبيع اسطوانات قديمة، أوصالة رياضية على ناصية الشارع أو كافية أو مساحة من الأرض تم تشجيرها ليرفه زوارها عن أنفسهم واطفالهم جميعها متناسقة تجاه بعضها البعض، وبجمال ماترآه تتسع حذقة عينك بفرح وغبطة، فتتنفس ملئ رئتيك هواء نقي على امتداد تلك الشوارع، كنت مبتسمة ومن يرى إبتسامتي سيتعجب كثيرًا ويدعو ليّ بعودة العقل. حينها كانت تمشي سيارتي بهدوء، كي لا أضايق أحد أو أدحس بأحد وانا مذهولة بجمال إنعكاس ذلك الشارع( الشيخ محمد بن زايد) والذي ببركته وبركة اسمه تغيرت مدينة كريتر او مديرية صيرا” على النحو الذي وصفته”، نظرًا لصيته وخيره السابق وانا ادعو له من قلبي على اللمسات التي فعلها والأنظمة التي ارساها والكادر الذي اختاره والقوانين التي لاتميز بين البشر بناءا على المنطقة والوساطة والمحسوبية والعنصرية المناطقية التي قضى عليها و المساواة التي عممها وشروط ومعايير التعيين في الوظائف التي فرضها والامارة التي شيدها على أجمل طراز ونظام وقانون، وامشي ببطء ومازلت مستمرة بدعائي له، وإذ بي فجأة… كصاعقة تجحظ لها عينايّ ورعد يصيبني بداء الصفراء يأتيني صوت قبيح قائلا: ( هيا منو ده لما يخلو الحريم تسوق سيارات). ومعه عصابة لباصات دباب في خطوط متعاكسه مخالفه وأبواق عاليه وموسيقى صاخبه ومثل كلُّ شيء لارقيب ولاحسيب يتفقون معه ضدي و”لن اتحدث عنهم لان الجميع يعرفهم”، فصحوت وقلت في نفسي:( معقولة، يفرح أو يستحق سموه هذا؟!، في ظل كلُّ هذا العبث والعشوائية والضوضاء والفوضى والفساد والاهمال وطفح المجاري والظلام، وإنعدام الماء وسوء الأخلاق ….وإلخ؟)

وبعد الصدمة التي تعرضت لها، تذكرت بأني في مدينة فقدت معالمها وملامحها وأنظمتها وقوانينها وأخلاقها منذ حلق في سماءها طيران التحالف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى