القرصنة الأميركية وشرعية الأنظمة
بقلم / سامي عطا
أي حكم أو نظام لا يستمد مقوماته من الشعب يفقد صفته الشرعية، ولا يمكن هندسة شرعية بالإغراءات والمال والرشاوى؛ لأنها ستغدو وكر تجمع للفاسدين، وفسادهم يقوض شرعية الحكم عاجلاً أم آجلاً.
متانة شرعية ما وقوتها تستلزم رضى الناس واقتناعهم بها، ورضاهم لا يتحقق إلاّ بأن تكون في إدارتها للشأن العام تراعي مصالح أغلبية الناس، وكلما ازدادت قاعدة الراضين عن الشرعية شعبياً ازدادت متانتها وقوتها.
فساد نظام 7/7 الذي استشرى في المجتمع كالنار في الهشيم قوض شرعيته في نهاية المطاف.
ولم تكن حرب تسع سنوات العدوان إلا دفاعاً عن نظام فساد من قوى هيمنة دولية ورعاته الإقليميين الغارقين في الفساد.
والفساد الذي استشرى داخل نظام 7/7 له عوامل داخلية وخارجية أيضاً، وارجعوا إلى اعترافات القاتل الاقتصادي الأمريكي جون بيركنز، ونُشر في عام 2004، وتُرجم لثلاثين لغة من ضمنها اللغة العربية تحت عنوان «الاغتيال الاقتصادى للأمم» وهو عبارة عن مذكراته الشخصية، يصف فيه وظيفته كـ»قاتل اقتصادي» بحسب وصفه، ولخّص في كتابه أسلوب الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على دول العالم الثالث، وذلك عبر القرصنة الاقتصادية يقوم بأدائها قراصنة اقتصاديون.
قراصنة الاقتصاد هم خبراء محترفون مهمتهم أن يحصلوا على ملايين الدولارات من دول كثيرة في جميع أنحاء العالم، يحولون مال منظمات دولية تقدم قروضاً ومساعدات إلى خزائن الشركات الكبرى وجيوب مجموعة عائلات ثرية تسيطر على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية، وسائلهم لتحقيق ذلك تشمل تزوير التقارير المالية، الانتخابات (هندسة شرعية أنظمة الفساد تحت يافطة الديمقراطية) والرشوة والابتزاز والجنس والقتل. يلعبون لعبة قديمة قدم الإمبراطوريات، لكنها اتخذت أبعاداً جديدة ومخيفة في زمن العولمة.
والكتاب عبارة عن سيرة ذاتية لكاتبه جون بيركنز، يقول فيه إنه قد شرع في كتابته أربع مرات خلال عشرين عاماً؛ لكنه في كل مرة كان يتوقف، تحت التهديد أو الرشوة، وكان بعض أصدقائه ينصحونه حفاظاً على نفسه وحياته بكتابة ذلك الكتاب في صورة رواية، لأن مساحة الإبداع في الرواية ستُعطي انطباعاً مُربكاً بين الحقيقة والخيال؛ لكن كان داخله دوماً رغبة في كشف الحقائق وليس مجرد الكتابة لأجل الكتابة.
ومن يقرأ الكتاب، يدرك أن جون بركينز أحد قراصنة الاقتصاد، أو كما يسمون بعضهم بعضاً (EHM) اختصاراً لـ(economic hitmen)، وهم مجموعة محترفين تتلخص مهمتهم في إخضاع كافة الدول الضعيفة والنامية التي تزخر بالموارد الطبيعية كالبترول والغاز والمعادن النفيسة إلى الولايات المتحدة، وربطها باقتصادها المتمثل في الشركة الأمريكية (Corporate America)، بحيث يتم ذلك بأقل كلفة تتجنب الحاجة إلى حشد الجيوش والأسلحة والهجوم على البلدان بعنف وقتل ودم كما كان يحدث في أزمنة الاستعمار السابقة؛ فكما تطور العصر تكنولوجياً بشكل يُمثل الطفرة، فقد تطور أيضاً سياسياً، وأصبح تدخل الولايات المتحدة ومؤسساتها يتم عبر تقديمها يد العون للبلدان «المسكينة» التي تحتاج إلى المساعدة، وتظهر الولايات المتحدة نفسها بأنها دولة منقذة وتقدم مساعدات من دون أي مطامع، بينما في حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة بهذا الأسلوب تقوم بالقتل الاقتصادي الرحيم بلا جيوش ولا حروب.
ومن الملاحظ أن وسيلة القتل الاقتصادي عبر القراصنة الاقتصاديين تجعلها تكتيكاً أولياً للسيطرة على موارد الدول، وحين تفشل فإنها تحرك أساطيلها وجيشها وتختلق مبررات لعدوانها.