مقالات

اليمن بين الفقر والنذالة بقلم| وميض شاكر

بقلم| وميض شاكر

زرت اثيوبيا الجميلة قبل ١٥ سنة، رأيت بلدا شاسعة مترامية الأطراف، تملأ الخضرة الجبال والسهول، بللني المطر الذي لا ينقطع، ولحفتني نسمات الهواء الباردة في منتصف يونيو، ياله من جو منعش في قلب صيف العالم. زرت نيليها الأبيض والازرق وبحيراته وشلالاته، أدهشتني ثقافتها بموروثها الشعبي والفني الزاخرين، عرجت على المتاحف والمعالم الأثرية والتاريخ، دخلت الكنائس واستمتعت للوعظة والمصليين، مررت بقصر رئيس وزرائها زناوي آنذاك وسألت نفسي كيف استطاعت حكومات اثيوبيا ان تفرض القانون والوحدة الوطنية في بلد يملك اكثر من ٣٠٠ اثنية ولغة!

رأيت أسوار أسواقها العتيقة، لكنني لم أرَ حينها الناس الذين عادة ما يكتضون في كل أسواق العالم، بحثت عن الوجوه الإثيوبية حول الأسوار وداخلها لكنني لم اتعرف عليهم، وبعد اعادة المحاولة رأيت الاثيوبيين يتكؤون على الأسوار أو يمشون بتؤدة، لم يكن هناك حدٌ فاصل يظهر الفرق بين السور وأجساد الناس بمحاذاته! لقد كانوا منحنيين تعابى تعلوا اجسادهم الأسمال التي لا يختلف لونها عن لون السور بحجارته البنية العتيقة والرطبة والمسودة بحكم الزمن والاهمال وأنين من مروا عليها. لقد كانوا بوصف مختصر “فقراء”، فقراء لدرجة أن امرأة من اليمن مثلي تعيش ببلد فقير، تعمل مع الفقراء من أجل التنمية، قد هابها ما رأت من الفقر! تلك اللحظة كانت فارقة، ومن يومها اصبح السؤال “متى ستصل حالة الأشد فقرا لليمن؟” يؤرقني.

مرت السنون، ورأينا حربا وفقرا ينهشان جنباتنا في كل مكان، ولازلت الى الآن لم أرَ مشهدا مكتملا لفقر أسوار أديس بابا في اليمن، لقد رأيت بداياته، وارجو الا يكتمل تماما.
مقابل الفقر والتوجس من الحالة الأشد فقرا، رأيت النذالة في اروقة السياسة باليمن، من ٢٠٠٧ الى اليوم، تبرز النذالة بمشاريع وشخوص وتوجهات وتصرفات، وللأسف يصر هذا المشهد على التصاعد باضطراد، وما من مرحلة قد اتت بحالة افضل من سابقتها ويبدو ان التطور الوحيد الذي يشهده اليمن منذ سنين مقتصر على الفقر والنذالة السياسية.

إلا أن الاسوأ لم يأتِ بعد، لازال هناك مساحة للانحدار نحو الأشد فقرا، ومساحة أخرى للتمرغ في الأشد نذالة، وكلا الحالتين مرتبطتين كتوأم. إلى ذلك الحين، لابد أن تكون هناك فرصة للتراجع عن الأمرين وعدم رسم المشهد كلياً، لابد أن تكون هناك صحوة لوضع حد للتدهور، لابد أن يقول الفقراء أو من سيكونون فقراءً مننا كلمتهم عاجلا وليس آجلا، فالخطوط البيانية نحو الانحدار أنشط في الحركة وأسرع في الوقت من قراءة هذا المقال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى