بعد سنوات في العمل الإنساني بقلم| حسين السهيلي
بقلم| حسين السهيلي
تلقيت سيلاً من الاتصالات والرسائل من أصدقاء وزملاء في المجتمع المدني والعاملين المجال الإنساني داخل اليمن خارجه، ومن شخصيات من كافة شرائح المجتمع، وعدد كبير من المواطنين، الى جانب عشرات المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، للاستيضاح عن سبب قراري الذي اتخذته بتسليم دفة قيادة مؤسسة تمدين شباب، لإدارة جديدة من أبناءها وهي في قمة عطاءها وتوالي نجاحاتها.
لقد غمرني الجميع بفيض محبتهم وصدق مشاعرهم، والحقيقة أن قراري اتخذته وكلي فخر وثقة في الكوادر الشابة في المؤسسة وقدرتهم وكفاءتهم على المضي بمسيرة تمدين شباب التي حرصت منذ تأسيسها على أن تكون حاضنة للمبدعين والكفاءات والمكافحين من كل محافظات اليمن الذين يحملون أهدافاَ نبيلة لخدمة الإنسانية وتنمية المجتمعات.
فيما أنا قد رسمت مساراً جديداً لخوض غمار تجربة جديدة في مجال التعافي الاقتصادي والتنمية، أرى في نفسي الجدارة والكفاءة والحماس لترجمتها مع نخبة من أبناء اليمن الى برنامج عمل ناجح ومشاريع سترى النور قريباً على أرض الواقع ويحصد ثمارها المجتمع والوطن.
لم تكن تجربة عادية تلك التي قضيتها في تأسيس وبناء مؤسسة تمدين شباب وكذا السنوات التي سخرت فيها كل جهدي وطاقتي في العمل الإنساني، فقد كانت ثرية وملهمة بكل المقاييس، وحافلة بالنجاحات والاخفاقات والتحديات والصعاب، وقدمت لي العديد من الخبرات، وطورت من خلالها الكثير من المهارات، وركزت اهتمامي نحو الشباب والشباب الذين أفاخر بهم اليوم وهم بالمئات في تمدين شباب، وممن تخرجوا من مدرستها أو تطوعوا معها وكانت لهم المؤسسة بوابة النجاح لخوض غمار المستقبل.
كل ما حققته من إنجازات خلال العقود الماضية في مجالات شتى كانت بالنسبة لي رسالة حياة وتحدٍّ اندفعت لتحقيقها من دون مقابل سوى راحة الضمير، والمحبة في قلوب الناس، ورسم البسمة في شفاه البسطاء الطيبين، وفتح نوافذ الأمل للشباب والشابات وكل هؤلاء هم رصيدي الحقيقي الذي أعتز به، وهم كل ما خرجت به من مؤسسة تمدين شباب، فأنا انتهجت التطوع وصناعة الأمل منذ طفولتي، وعانيت من الفقر والتشرد والحرمان واشتغلت في عشرات المهن البسيطة، وعرفت مبكراً معنى التعاون والتكافل والإيثار وإغاثة المنكوبين ومساعدة المحتاجين ، وأدركت بأن المعنى الحقيقي للحياة في أن أترك بصمة إيجابية وأثراً خالداً ، وتسخير وقتي وجهدي وخبراتي وطاقتي لتحقيق أهدافاً وغايات إنسانية وتنموية بحتة، لا تحكمها السياسة، ولا تحدها الجغرافيا، ولا يُنقص منها عرقٌ أو لون أو دين.
اليمن تتسع للجميع وفيها كل مقومات النهوض الحضاري والثروات التي تكفل للجميع العيش الكريم، كما أن الشعب اليمني بحاجة الى استثمار طاقاته وتوجيه سواعده وعقوله في البناء والتنمية، بدلاً من الموت فقراء وجوعى.
ومن المؤلم أن يتجرع كل هذه الويلات والمآسي من أجل مصالح ضيقة وتصفيات حسابات إقليمية ودولية فوق رؤوس المدنيين وبدمائهم وأشلائهم.
فلنراجع عقولنا وضمائرنا لنعيش كأخوة أو نموت أغبياء.