الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

انعكاساً لحالة الفوضى.. لا سفر إلا بإذن الرجل

صنعاء – حمدي غالب

تفاجأت مروى العريقي بالرفض القطعي من شركة نقل جماعية لطلبها قطع تذكرة سفر من صنعاء إلى عدن، إلا بمرافقة محرم، أو بحضوره إلى الشركة، وتوقيع وثيقة رسمية بأنه ضامن ومسؤول مسؤولية كاملة عن سفرها. العريقي صحفية وامرأة عاملة، لكنها شعرت بالإحباط، والانتقاص من حقّها وحريتها في التنقل، ومن التعامل معها مثل قاصرة، وقد وقفت عاجزة عن السفر والمشاركة في إحدى فعاليات العمل، واضطرت إلى التواصل مع أخيها للحضور إلى الشركة بوثائق هويته ليتحمل مسؤولية سفرها.

تمكّنت العريقي من السفر في الأخير، إلا أن كثيرا من النساء منعتهن شركات النقل ومندوبو جهاز الأمن والمخابرات التابع لجماعة الحوثي (أنصار الله)؛ إذ يقومون بفحص أسماء المسافرين، وتفتيش المركبات قبل بدء الرحلة، وإخراج أي امرأة ليس لديها محرم من المركبة.

إجراءات مُهينة
بحسب هيومن رايتس ووتش في تقريرها عن أحداث اليمن لعام 2021، أصدرت جماعة الحوثي في 2019 توجيهات لشركات السفر المحلية توجب مرافقة محرم للنساء عند السفر بين المحافظات اليمنية. وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن النساء اليمنيات يواجهن قيودا على الحركة، لا سيما بمحافظتي الحديدة وحجة الخاضعتين لسيطرة الحوثيين؛ إذ طلبت السلطات منهن أن يرافقهن محرم من أجل السفر.

القيادية النسوية “صفاء” لم تكن تتوقع أن مثل هذه الإجراءات ستُطبّق عليها بعد أن تجاوزت الـ45 من العمر، وظنت أن الأمر مقتصر على الفتيات القاصرات وغير المعروفات، لكنها فوجئت بتوجيهات صارمة بالمنع من السفر. “صفاء” (اسم مستعار بحسب طلب المصدر) قيادية نسوية من الصف الأول، وشغلت عددا من المناصب العُليا بالدولة، ووصلت إلى درجة نائب وزير، كما ترأست عددا من المنظمات والهيئات المجتمعية، لكن سجلها المهني الحافل، وشهاداتها العليا، لم تجعلها مُستثناة من التوجيهات المجحفة. تقول صفاء: “طلبت مني شركة النقل إقرار موافقة على سفري من وليّ أمري، وأكّدت أن هذا شرط أساسي للسفر”، وتضيف: “من المؤسف والمهين حظر سفر النساء إلا بموافقة ولي الأمر، وأن تضطر امرأة بمثل سنّي ومؤهلاتي ومركزي الوظيفي للبحث على موافقة أخيها الأصغر لتسافر”.

انتهاكات وتحرش المسلحين وإجراءات منع النساء من السفر لم تكن وليدة اللحظة، فقد سبقتها مضايقات وابتزاز وتوقيف في الحواجز الأمنية بين المحافظات في السنوات الماضية، حتى صار السفر كابوسا مرعبا، ولا تلجأ المرأة إليه إلا مضطرة. وتكررت كثير من حوادث التشديد على مرافقة المحرم في وسائل المواصلات عند التنقل بين المحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين، ودأب مسلحوها على طرح عدد من الأسئلة على النساء اللواتي يسافرن بمفردهن، ومطالبة الرجال المسافرين مع النساء إثبات علاقتهم بهن، بإبراز شهادة عقد الزواج على سبيل المثال.

وبحسب منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، تكررت ممارسة انتهاكات ضد النساء في إحدى النقاط الأمنية التابعة لجماعة الحوثي في منطقة “نَقِيل يَسْلِح” (40 كيلومترا جنوب صنعاء)، حيث يقوم المسلحون بإيقاف النساء المسافرات، وابتزازهن ومصادرة جوازات سفرهن، بزعم سفرهن بدون محرم. ووثقت المنظمة في تقريرها “لحظات من الجحيم” عددا من الوقائع، منها توقيف المسلحين في النقطة الأمنية نفسها أربع نساء عند العودة من إحدى المحافظات الجنوبية قرابة الساعة 11:00 مساءً، في إحدى ليالي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، لتبدأ رحلة من الابتزاز والتحرش اللفظي، وإلقاء التهم والتحقيق معهن حتى الساعة 5:00 صباحًا. تقول إحدى النساء: “كان المحققون سبعة مسلحين طافحين بالتحرش اللفظي والإيحاءات المنفّرة، ومارسوا علينا ضغطًا نفسيًّا رهيبًا لمدة ست ساعات متواصلة، وأخذوا جوازات سفرنا، ومنعونا من النزول من السيارة، فتّشوا هواتفنا وحواسيبنا وحقائبنا، وكان التحقيق يشير إلينا بشكل فجّ باعتبارنا “خلية دعارة”، ولم يُسمح لنا بالمغادرة، إلا بعد التعهد بعدم السفر بدون محرم مرة أخرى”. وفي واقعة أخرى أوردها التقرير، حدثت في منتصف يناير/ كانون الثاني 2021، مع امرأة ثلاثينية أوقفها مسلحو الجماعة لعدة ساعات في إحدى نقاط التفتيش بالقرب من مدينة حَجّة (شمال غرب العاصمة صنعاء بنحو 123 كيلومترا) بذريعة سفرها بدون مَحْرم، وتعرّضت للتهديد والألفاظ المسيئة والتهديد بالحبس والتأديب. تقول المرأة في التقرير: “كان المسلحون ينظرون إليّ وكأنهم قبضوا عليَّ متلبّسة بالفاحشة، وتعرّضتُ للسب والشتم بالألفاظ الخادشة للحياء، وسألني المسؤول الأمني: هل ما تزالين عذراء؟!”. وأشارت المنظمة أنه في تعميم لاحق، في أيلول/ سبتمبر 2021، نصّ على منع أي امرأة من إيقاف باص أو سيارة (بما في ذلك وسائل المواصلات العامة) من دون مَحرم، وطُبّقت هذه التوجيهات في مدينة حجة، وفُرض مبلغ 200 ألف ريال (تعادل 330 دولارًا أمريكيًّا) ورأس بقر (غرامة اجتماعية معروفة)، على من يخالفن هذه التوجيهات.

غلو وتشدد
التوجيهات بمنع سفر المرأة إلا بمحرم تعكس حالة الفوضى واللادولة التي تعيشها البلاد، وتعبر عن وجهة نظر أصحابها الذين يريدون وضع المرأة في قالب الوصاية، بحسب الناشطة النسوية ورئيسة مؤسسة “ألف باء” بهية حسن. وترى حسن أن اجتهادات سلطة الأمر الواقع “جماعة الحوثي” جاءت نتيجة لغلو وتشدد تجاه النساء، وتعبر عن حالة من التخبط، فلا يجب أن يكون وجود المحرم ضروريا إلا في حالة غياب الأمن في السفر، على نحو ما كان في الأزمنة الغابرة.

الإجراءات غير القانونية أثّرت بشكل سلبي لافت على تنقلات المرأة، ومشاركتها في الحياة العامة والخاصة، وألقت بظلالها على وضع النساء، ما أثّر على تحركهن وقيامهن بالأعمال الموكلة إليهن، وجعلت البعض يخترن السفر والتنقل بشكل أقل لتفادي هذه المضايقات. تقول حسن: “المرأة نصف فاعل في المجتمع، والحرب غيّرت الأدوار، وصارت مُعيلة لكثير من الأسر، إلا أن هذه الإجراءات المجحفة تعطّل حرية تنقلها، وتُعيقها عن كفالة العائلة. وتتفق معها صفاء في أن التوجيهات أدّت إلى عرقلة أعمال النساء، ومشاركاتهن الخارجية التي تساعدهن على تراكم الخبرات واكتساب المهارات. وتؤكد أن بعض النساء فقدن أعمالهن بسبب هذا القرار؛ لأن بعض الأعمال تتطلب الانتقال بين المحافظات بشكل دائم أو السفر خارج البلد أحيانا، مما أفقدهن القدرة على الاستمرار في إعالة أسرهن، ودفع تكاليف تعليم أبنائهن، وذلك يؤدي إلى تجهيل الأجيال القادمة، وإلى جعلهم فريسة سهلة للعصابات، وقد ينتهي بهم الأمر إلى الانخراط في الجريمة، وتعاطي المخدرات.

انتهاك الخصوصية
يساوى القانون اليمني بين الرجل والمرأة، ولا يمنع أيا منهما من السفر، إلا بأوامر صادرة من جهة قضائية، لارتباط الشخص بقضية أو جريمة معينة، وأي توجيهات بمنع النساء من السفر غير معزّزة بمبررها القانوني تمثل انتهاكا لخصوصية المواطنين، وهي فعل مجرم وفقا للقانون، كما يقول المحامي والناشط الحقوقي معاذ القرشي. ويضيف: “دور المرأة في المجتمع يفرض منحها الحق في التنقل، وسفرها لا يُعدّ جريمة أو سلوكا مشينا، لكن الخلل في عقول ترفض تصحيح ما استقته من مفاهيم متطرفة، وانعكاس لما يوجد في المجتمع من ثقافة ذكورية”. ويؤكّد القرشي أن الفضيلة هي القانون، ومن يحاول أن يصنع الفضيلة بمثل هذه التصرفات الهوجاء غير مدرك إلى أي قعر سحيق يهوي.

لم تكن اجراءات منع سفر النساء هي البادرة الأولى التي تمارسها جماعة الحوثي تجاه المرأة، وقد قامت بوقت سابق بمنع الفتيات من العمل في الكافيهات، وداهمت محلات العبايات واحرقت الخيوط التي توضع على الخصر، ونفذت حملات لاحراق عروض الجوارب، ومسح صور النساء من محلات الكوافير، ومحلات تأجير فساتين الأعراس، والعديد من الممارسات الأخرى

المشكلة أن ملف النساء صار سياسيا تتجاذبه الأطراف المتصارعة، وهذه الإجراءات سبقتها مضايقات ولحقتها حملات تشويه للنساء، بحجة العادات والتقاليد والشرف، بحسب بهية حسن، وهي ترى أن على النساء المضيّ قدماً، وعدم السماح لهذه الإجراءات بإعاقة نضالهن في جميع المجالات، لمنع الانعكاسات السلبية على المرأة، ومقاومة تهميش نصف المجتمع، بحسب المشاهد.

( أنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى