تقارير وتحليلات

ترامب مرتعب ..والإنجيل الملاذ الأخير

كتبت / بتول ديان

يبدو أن ترامب غضب من كشف اختبائه خلال الاحتجاجات حول البيت الأبيض، واختار الظهور أمام الإعلام والمتظاهرين، ورسم صورة “شجاعة”، فصورة “الهارب” تؤذيه، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات الأميركية الرئاسية.

في الواقع، وبالوصف الدقيق لما حصل، ظهر ترامب كرئيسٍ خائف، بعد أن نُقل وزوجته ميلانيا وابنهما بارون إلى القبو المحصّن، في ظل الاحتجاجات خارج البيت الأبيض مساء الجمعة، ولم يظهر بعدها، وقضى وقته منذ ذلك الحين خلف أبواب مغلقة، ما أدى إلى قلق حلفائه نفسهم من غيابه في لحظة أزمة وطنية.

وسائل إعلام أميركية قالت إن ترامب أعرب عن إحباطه من تصويره على أنه قلق من الاحتجاجات التي جاءت بعد قتل الشرطة  المواطن الأميركي الأفريقي جورج فلويد، وأنه اختبأ تحت الأرض في القبو المحصن، معتقداً أنه بدا ضعيفاً.

لذا، توجه ترامب مساء الإثنين سيراً على الأقدام وسط حراسة أمنية مشددة من البيت الأبيض إلى كنيسة “سانت جون” القريبة من البيت الأبيض، والتي طالتها أعمال تخريب ليل الأحد، ووقف أمامها لالتقاط الصور، رافعاً الكتاب المقدس، وتحدث عن عظمة الولايات المتحدة، لكن في الوقت نفسه رفض الإجابة على أسئلة الصحافيين.

ماذا يحاول ترامب القول من خلال هذا الظهور، وخصوصاًَ بعد انتشار خبر اختبائه؟ وماذا يعني سياسياً إلقاء خطابه أمام الكنيسة؟

في هاتين الصورتين اللتين ظهر فيهما ترامب بأوجه مختلفة ومتناقضة، لا بد من أن يكون هناك صورة حقيقية، وأخرى يحاول الرئيس الأميركي إظهارها للداخل الأميركي وللخارج.

ترامب خائف فعلاً. هذا ما يؤكده الباحث في الشؤون الأميركية فينسنت الغريّب، وخصوصاً مع تخوف كبير من تعمق الأزمة وتوسعها واحتمالية استخدام السلاح من قبل المتظاهرين.

الغريّب قال إن “ترامب يعمل لمصلحته في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ومن ناحية ثانية، هو ينتمي إلى العرق الأبيض المتعصب. ولهذين السببين، لجأ إلى الكنيسة حتى يحشد مناصريه المسيحيين المتطرفين، أي اليمين المتطرف، وجماعات الكنيسة التي ينتمي إليها؛هؤلاء الذين ينتخبونه ضد ذوي البشرة السمراء”.

أراد ترامب أن يؤكد من خلال زيارة الكنيسة انتماءه إلى هذا الخط الديني، وإلى العرق الأبيض، وأن يؤكد أيضاً أن الذين يستخدمون العنف ليسوا أميركيين حقيقيين، ويجب سحب الجنسية الأميركية منهم، أو إرجاعهم إلى بلادهم الأصلية، أو تشديد العقوبات عليهم. لذلك، دعا حكام الولايات الأميركية إلى تسجيل أسماء كلّ من شارك في الاحتجاجات، وتشديد العقوبات بحقهم، بهدف تنظيف المجتمع الأميركي من هؤلاء الذي يصفهم بـ “الحثالة”، وفق ما أوضحه الغريّب.

ولأن ترامب “لا يهمه الطرف الآخر”، اعتبر هذه التحركات التي يتهمها باستخدام العنف “إرهاباً داخلياً”، مثلما اعتبر حركات المقاومة في الخارج “إرهاباً خارجياً”، وفق ما قاله الغريّب.

وبالنسبة إلى ترامب، فإن الولايات المتحدة هي الجماعة التي ينتمي إليها عرقياً ودينياً ومالياً، أي الطبقة المالية المستحوذة على الاقتصاد الأميركي والشركات الكبرى، والتي يعمل هو نفسه لصالحها، لتكون أميركا حاكمة العالم وحاكمة الداخل الأميركي، عبر المجموعة التي ينتمي إليها، وهي صغيرة عددياً، وترفض كل الأعراق الأخرى، كما يؤكد الباحث في الشؤون الأميركية.

أما السياسات التي انتهجها ترامب، والتي تلاقي انتقاداً كبيراً داخلياً وخارجياً، فيؤكد الغريّب أنه “سيظل يعتمدها، حتى لو أدّى ذلك إلى تدمير أميركا. وعبرها سيوصل بلاده إلى خطر كبير وانقسام داخلي كبير أيضاً، قد يؤدي إلى ضعف الولايات المتحدة دولياً، وخصوصاً مع ضعف اقتصادها في الآونة الأخيرة بسبب جائحة كورونا”.

هذه المصائب التي توالت على ترامب، بدءاً من انتشار فيروس كورونا، وصولاً إلى حادثة مقتل جورج فلويد، تعبّر، وفق الغريّب، عن “مشكلة عميقة في المجتمع الأميركي”، وتدل على أن “الكيل طفح مع هذه الطبقة الحاكمة التي لا يهمها توفير التعليم المجاني والطبابة والاستشفاء للطبقة الفقيرة، بل يهمها فقط الحفاظ على مصالح الطبقة الحاكمة البيضاء، وهذا ما يؤكد وجود أزمة وطنية كبيرة لن تنتهي بسهولة”.

وبالرجوع إلى خطابات سابقة لترامب، كخطابه بعد أن استهدفت قواته قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني الشهيد قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في بغداد، وخطابه عند إعلانه “صفقة القرن”، وخطاباته أثناء جائحة كورونا، تعتبر هذه الأحداث أحداثاً مفصلية في رئاسة ترامب، أظهر الأخير خلالها تكبّره وتعجرفه وعنجهيته، وكان جلياً اعتباره أميركا القطب الأوحد في العالم، الذي يجب أن يركع الجميع أمامه، من الصين إلى روسيا إلى إيران. ولم يختلف خطاب ترامب اليوم أبداً عن خطاباته التي ألقاها منذ انتخابه في العام 2016.

ومع تهرّبه من الإجابة على أسئلة الصحافيين، أكد ترامب خوفه على نفسه وعلى جماعته، لكنه اعتمد على الإعلام للتمثيل بأنه قوي وقادر على ضبط الأمور، ولكنه في الحقيقة “مختبئ فعلاً، لأنه خائف من الاحتجاجات واحتمال تطورها إلى الأسوأ”. ويرجّح الغريّب أن هذا الخوف يمكن أن يؤدي إلى تغيير سياساته، أو إلى المزيد من الهجوم والشراسة في الداخل والخارج، ويرى أن “الرئيس الأميركي يشبه نيرون، الإمبراطور الروماني الذي أحرق روما، إذ يحرق مدينته ولا يتنحى بسبب عنجهيته واستعلائه”.

ذهاب ترامب إلى الكنيسة لعب على العواطف الدينية

الصحافي والأكاديمي، ربيع بركات: “لا يمكن فصل خطاب ترامب الأخير عن هدفين أساسيين: الأول رغبته الدائمة والجامحة في إظهار نفسه بصورة الرئيس الأميركي القوي، غير التقليدي، والقادر على إعادة مجد أميركا. أما الهدف الثاني، فيتعلق باقتراب أميركا من استحقاق الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو بحاجة إلى تعزيز صورته التي يسوّقها دائماً لنفسه، وشد عصب ناخبيه، الذين أبدوا تأييدهم له مقابل هذه التحركات”.

واعتبر بركات أن “ترامب يلعب على العواطف الدينية بذهابه إلى الكنيسة، كما لا يمكن فصل الصورة عن الخطاب الذي ألقاه، والذي استحضر خلاله تعابير ومصطلحات ومفاهيم عادة ما تستخدم للإشارة إلى خطر قادم من الخارج”. وقدم بركات مثالاً على ذلك، مشيراً إلى أن ترامب في خطابه قال إنه يسعى إلى إدراج منظمة ثرية راديكالية في أميركا على لائحة الإرهاب، إضافة إلى استحضار خصوم خارجيين، كحديثه عن الصين بشكل مستمر. وفي خضم الأزمة واشتداد الحركة الاحتجاجية في العديد من الولايات، غرّد على تويتر: “الصين!”. وبذلك، يحاول الرئيس الأميركي حرف الأنظار قدر الإمكان عن المشاكل الحقيقية التي تواجهها بلاده.

كما أنّ أي اهتزاز في صورة ترامب لدى ناخبيه يمكن أن يؤدي إلى انخفاض احتمالات إعادة انتخابه مرة جديدة كرئيس للولايات المتحدة، وخصوصاً مع ما تواجهه أميركا من أزمات، من مثل كورونا والبطالة وتراجع الاقتصاد، والتي يحمّل خصومه في الكونغرس الأميركي مسؤوليتها، وفق الصحافي بركات.

المصدر: الميادين نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى