مقالات

“أنا اليماني وهذا زماني” نقد انفعالي مع مرتبة التنمر..! حكاية عمل غنائي بمسحة إعلانية بقلم| عبداللة الصعفاني

بقلم| عبداللة الصعفاني

لم يكتب الشاب محمد القاسمي قصيدة (كوز المحبة إتخرم..)، ولم يحاكي إنتاج (السح الدح امبو.. الواد طالع لابوه، وشِيل الواد من الأرض..!

ولا أراه ردَّد مع علي حنش أغنية (ما قدرش أغنِّي على العود إلاَّ اذا كنت موجود.. أو أنا ابن صنعاء سياسي وافهم اللعبة..)،

ولأنه ما يزال شابًّا فهو بريء من ممارسة أي إيحاء على كاتب أغنية (فاتت جنبنا) لعبدالحليم أو (كلام جميل وكلام معقول مقدرش أقول) لأم كلثوم أو (حبَّيتك في الصيف حبيتك في الشِّتِه) لفيروز..

وإذًا.. لماذا تعرض هذا الشاعر لكل ذلك النقد الجارح..؟

* كل الحكاية أن القاسمي اجتهد في تقديم كلمات أغنية تحت عنوان “أنا اليماني وهذا زماني”.. أذيعت بالتزامن مع إعلان بلقيس فتحي اعتزازها بجنسيتها اليمنية، وبأنها تفخر بكونها ابنة لِأب من الحديدة وأم من شبوة وسط استيائنا مما نسمِّيه تواري فنانين يمنيين عن هويِّتهم خلف مفردات الشماغ الخليجي ولهجته.

* وهذا العمل الفني على ما فيه من مسحة إعلانية واضحة إنَّما تغنَّى بإنسان اليمن، وأرضه ، وأحلامه، رغم سنين الحرب وتداعياتها الجاثمة على النفوس والأرواح.. وهو نتاج ما جادت به قريحة شاعر ومطربين.. وأي نص شعري غنائي يبقى محاولة فكر، وصولة قلم، وجولة كاتب، وحناجر كوكبة من فنانين جلّهم من الشباب.. وأغنية (أنا اليماني وهذا زماني) شأنها شأن أعمال فنية أخرى، لها ما لها من جمال، وعليها ما عليها من ملاحظات، وبالتالي ما كان علينا الوصول حد القدح في شخص الكاتب أو الأشخاص المؤدين، أو حتى مجموعة شركات هائل التجارية التي أنفقت على هذا العمل الغنائي.

* وفي ظنِّي، غير الٱثم إن شاء الله، أن ما حدث من ردود افعال قادحة، وأحيانًا متشنجة يفرض علينا إعادة النظر في أسلوب ممارستنا للنقد بعمل خطوة تنظيم نفك بها كل اشتباك بين ما هو ناقد وما هو جالِد؛ لأن ما تراه سقطة شعرية، أو انحدارًا فنيًّا، أو خللًا في التمويل، قد يراه ٱخرون غير ذلك.. وفي موروثنا القديم.. لولا اختلاف الأذواق لَبَارت السلع.

* وحتى لا تأخذني الوقفة بعيدًا فأسرح وأذهب نحو ما وددت التنبيه إليه، سأختزل موقفي من العمل و منتقدي أطرافه في التأكيد علىَ ثمان نقاط دونما تشنج يستدعي ربط أحزمة الإقلاع حتى تقف محركات طائرة الدنيا عوافي..!

1- أنا اليماني وهذا زماني).. أغنية لا تخدش حياء، ولا تنال من أخلاق، ولا تهبط بالذوق العام، ولا تستحق تناولها بأيّ صورة من صور التشنج الذي رأينا بعضه يتجاوز انتقاد الكلمة واللحن إلى التعريض بالكاتب والمغنين والمموِّل.. والعمل باختصار هو حصاد اعتقاد من نفذوا العمل بأنهم قد امتلكوا الموضوع والفكرة.. ويستحقون الأجر الواحد على الأقل.. لا أقول هذا من باب الانتصار لمن قال: “يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرَّمُ”، وإنما من باب التذكير بحاجتنا لأنْ لا نبخس الناس أشياءهم.

2- من المهم أن لا نجعل مما نحسبه نقدًا وسيلة تجعل الشاعر أو الفنان أو الروائي يخاف من أي خطأ أو هفوات، فينشغل بالعد إلى الرقم الألف ثم يتراجع عن تقديم ما لديه أصلاً، تجنُّبًا لمحاكمات ومشانق كلامية تجعل المقصود بالنقد يلغي حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، بل ويحظر أصدقاءه.

3- احترامي الكبير لكل ناقد متخصص، أو حتى متذوق، لا يعمل على إلغاء جهود الآخرين وتسفيهها، وإنما يصوَّب ويثري، ويكمل الناقص، مع حفظ الاحترام لِجهد الشاعر والفنان، والتمنيات لهم بنجاح أكمل في قادم تكون فيه المحاولات تجليات.. وعلى رأي فولتير قد اختلف معك ولكن.. وفي رواية أحِب الحق ولكن أصفح عن الخطأ..

4- اليمن يزدان بشعراء شباب ولا أجمل، حتى لا أقول شعراء ليس لإبداعهم حل، أحبهم كثيرًا ويعجبني في قصائدهم أنها تجمع بين جمال الصور الشعرية وبريق الأفكار، وعنصر المفاجأة.. لكن بعضهم يحتاج للتذكير بأن الشاعر مهما كان مبدعًا ومتميزًا لا يجوز أن يستسلم لشبهة حسد شاعر لٱخر، أو أن يتحول إلى قامع أو متنمِّر تجاه موهبة شعرية تطرق أبواب الإبداع ولو بتواضع، حتى لا تنتقل عدوى الحساسية بين الخبازين إلى ميدان فرسان الإبداع الشعري والقصصي والغنائي… إلخ.

5- من مميزات الناقد المتخصص، أو المتذوق الباحث عن التجريب أن لا ينهج التخريب، وإنما يحرص على أن يكون حصيفًا، فلا يلغي في الذي يكتبه حسنة المعرفة للقيمة الإنسانية والعاطفية والنفسية لصاحب العمل، ولا يتحول إلى صائد هفوات، وكأنه سيمنح الشاعر أو المطرب أو الروائي شهادة الدكتوراه.

6- الكتابة الإبداعية هي نافذة مفتوحة على الشمس والهواء والتنوع.. والإبداع عموما حمَّال أوجه، والكتابات المغلقة في العصر المفتوح لا تقبل أن نتعامل مع بعضنا بمفردات أنا أبوك وأعرف مصلحتك.

7- لا أنا ولا أنت ولا هو في مكان هيئة عليا أو سفلى للمواصفات والمقاييس الشعرية والفنية وضبط جودة الوزن والنثر والطباق والجناس والإحساس حتى يكون ما نقوله هو النهاية المغلقة التي لا يعترف بها كل مؤمن بتنوع الفنون الإبداعية وفقًا للميول والملكات وزوايا الرؤية والحالة الانفعالية العاطفية والإنسانية.. وإذا كان ولا بد من انتقاد عمل بحماس وأبوية فإن من العدل أن تسير نقاط الضعف جنبًا إلى جنب مع نقاط القوة.

8- أنت وهو وهي وأنا نعيش في اليمن، حيث تجتمع أوجاع الحرب والحصار والفقر والجوع والفساد، ونحتاج إلى الرفق ببعضنا بإدراك أن الثقافة في أحد تعريفاتها هي أيضًا قيم ومعارف وجمال، وأنّ تبنِّي مجموعة شركات هائل سعيد أنعم التجارية لعمل فني هو موقف مشكور، وينبغي أن ينهجه كل أصحاب رأس المال في ظل البيات الشتوي والخمول الصيفي للمؤسسات الحكومية، وليتهم أيضًا يخضعون الفكرة والنص للتنافس والمفاضلة حتى يتسيد المشهد ما هو أفضل وأجمل وأكمل، بحسب اليمني الامريكي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى