بعد حرق القرآن الكريم في السويد نسأل.. لماذا لا تتجسد حرية التعبير الا بالتطاول على الإسلام ورسوله وحرق كتابه المقدس؟ وكيف يكون الرد المطلوب والفوري على هذا الإستفزاز الإبتزازي المتصاعد؟بقلم|عبدالباري عطوان
بقلم|عبدالباري عطوان
يصعب علينا في هذه الصحيفة ان نفهم كيف باتت حرية التعبير في معظم الدول الأوروبية محصورة في حرق القرآن الكريم، والتطاول على الإسلام، والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ونشر الرسوم الكرتونية المسيئة في استفزاز ليس موجها لأبناء الجاليات المسلمة فقط، وانما لما يقرب من الملياري انسان يدينون بالإسلام.
نسوق هذه المقدمة بمناسبة الحماية التي يحظى بها اليميني العنصري المتطرف راسموس بالودان في السويد، واقدامه على حرق نسخ من القرآن الكريم في أحد ضواحي العاصمة السويدية، حيث الغالبية الإسلامية، وبحماية من قوات الشرطة.
اليميني العنصري الدانماركي الأصل بالدوان يتبنى أيديولوجية تقوم على نشر الكراهية والتحريض على العقيدة الإسلامية، عنوانها الأبرز حرق نسخ من القرآن الكريم، ويقوم حاليا بجولة شملت بلجيكا والدانمارك والسويد حتى الآن، ويتعمد خلالها ممارسة أيديولوجيته الاستفزازية هذه في الاحياء التي يشكل فيها المسلمون أغلبية، لتفجير أحداث عنف، وصدامات مع الشرطة مما يعطي انطباعا لأهل البلاد “البيض” بأن سكان هذه الضواحي “ارهابيون” ودعاة عنف ويجب طردهم بالتالي من البلاد.
وزير العدل السويدي برر استقبال حكومته لهذا العنصري، والسماح له بحرق نسخ القرآن بحماية الشرطة في مؤتمر صحافي بقوله “نعيش في ديمقراطية فيها حيز واسع جدا لحرية التعبير والإعلام، ونحن نعتز بذلك، ولا توجد لدينا أي نية بتضييق مجال الحريات حتى ولو تم استغلالها من قبل يميني دانماركي للحض على الكراهية والشقاق واحداث العنف وهو أمر مؤسف”.
نختلف مع وزير العدالة السويدي في طرحه فنحن الذين نعيش في أوروبا، وبناء على ادلة وتجارب عملية، وشاهدنا الائمة المسلمين المتطرفين الذين يروجون للعنف والكراهية يتعرضون للاعتقال والسجن والترحيل لأنهم في نظر السلطات الحاكمة ومؤسساتها الأمنية، يهددون الامن المجتمعي، ويبذرون بذور العنف والكراهية، وتعطيل عمليات الاندماج للجاليات المسلمة وابنائها.
اقدام العنصري الدانماركي على حرق القرآن في السويد أدى الى النتائج نفسها التي يجري بسببها اعتقال وترحيل الأئمة الإسلاميين المتشددين في أكثر من عاصمة ومدينة أوروبية، وخاصة في فرنسا، فقد اندلعت اعمال عنف وتخريب وصدامات في اكثر من مدينة سويدية أدت الى تدمير اكثر من 20 مركبة للشرطة، وتحطيم واجهات متاجر، وحرق أخرى، واصابة 40 شخصا بينهم 26 من رجال الشرطة.
القانون السويدي يعطي صلاحيات للشرطة بحظر تنظيم بعض التجمعات اذا كانت تشكل تحريضا على العنف ضد جماعة اثنية او دينية، ولكن من المؤسف ان هذا التصريح القانوني لا يمارس الا على الائمة المسلمين الذين يحرضون على العنف والتطرف حسب تصنيفات الحكومات الأوروبية، ويستثني معظم نظرائهم الأوروبيين.
حرية التعبير تتراجع بشكل متسارع في أوروبا هذه الأيام، اللهم الا اذا صبت في خدمة اليمين العنصري المتطرف، فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، كان اول من أقدم على اغلاق محطتي تلفزيون “روسيا اليوم” و”سبوتنيك” ومنع بثهما في بلاده، وهو الذي ايد الرسومات المتحركة البذيئة في حق رسول الإسلام، وحشد العديد من الزعماء العرب والمسلمين للتضامن مع ضحايا الهجوم الإرهابي على مجلة “تشارلي ابدو” الساخرة، والذريعة حماية “حرية التعبير”.
الاحتجاجات الغاضبة بدأت تنطلق في بعض العواصم الإسلامية احتجاجا على حرق القرآن الكريم، مدعومة بمطالبات شعبية بضرورة فرض مقاطعة على البضائع السويدية، الامر الذي سينعكس سلبا على قيم التعايش بين الجاليات الإسلامية في الدول الغربية أولا، ويوتر العلاقات بين أوروبا والعالم الإسلامي ثانيا، وفي هذا التوقيت الذي يواجه فيه الجميع ركودا اقتصاديا، وجائحة الكورونا، واحتمالات اشعال فتيل حرب نووية عالمية ثالثة على أرضية الازمة الأوكرانية.
العالم الإسلامي يجب ان يتكاتف ويتوحد في مواجهة هذه الاستفزازات العنصرية التي تستهدف عقيدته وقرآنه الكريم، وجالياته المهدد أمنها واستقرارها، ولكن يجب ان يكون التحرك حضاريا قانونيا بعيدا عن التحريض على العنف، ولعل المقاطعة للبضائع هي الطريق الأكثر فعالية في هذا المضمار، مثلما ثبت من تجارب سابقة في هذا الميدان.