ما الذي جرى في الرياض؟بقلم |عبدالباري طاهر
بقلم |عبدالباري طاهر
في الأسابيع الماضية، جرت في الرياض مشاورات ضمّت المئات من اليمنيين: قادة أحزاب، وشخصيات عامة، ومسؤولين، وممثلي وممثلات مجتمع مدني، وعسكريين، ومدنيين، وشيوخ قبائل.
رمت السعودية والإمارات -قائدا التحالف العربي- بثقلهما على اللقاء، وتمخض اللقاء عن إطاحة الشرعية الضعيفة، وتشكيل مجلس رئاسي من ثمانية أعضاء: أربعة من الجنوب، وأربعة من الشمال، كان الطابع العسكري والأمني أساس التشكيلة الجديدة.
اللقاء في الرياض، وتشكيل الرئاسة، والبيان الختامي، واللجان المشكلة- ترافق مع بدء الهدنة الجديدة، ومع حوارات سرية، وضغوط دولية لوقف الحرب في اليمن.
لقاء الرياض، وما تمخّض عنه، يترك الباب مواربًا أمام احتمالات استمرار الحرب، أو الذهاب للسلام، لكن طبيعة التشكيلة الرئاسية ذات التركيبة العسكرية والأمنية والميليشية والخطاب المزدوج للرئيس الجديد، تقوي الاحتمال الأول، بالإضافة إلى ضعف أداء القوى المدنية وتهميشها، وغياب الثقة بين الرئاسة مع بعضها ومع الآخرين، وأيضًا تصلب مواقف “أنصار الله”، وعدم إبداء مرونة كافية، واستمرار الوضع الكارثي على حاله، وعدم البدء بمعالجة الحالة الإنسانية نحو فك الحصار الداخلي والخارجي، وتبادل الأسرى، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمختفين قسريًّا لدى جميع الأطراف، وإطلاق المرتبات.
أما الاحتمال الثاني، فالتوجه نحو بوابة السلام، وهو احتمال راجح؛ لأن الرئيس السابق عبدربه منصور، ونائبه جنرال الحرب علي محسن الأحمر هما رمزان من أهم رموز الحرب.
الخلاص من مسكوكات عودة الشرعية، والتنازل عن التمسك بالمرجعيات الثلاث، ثم -وهذا هو الأهم- العجز عن حسم عسكري، أو تحقيق انتصار يرجح الكفّة لصالح طرف من أطراف الحرب، والأخطر من كل ذلك أن نيران الحرب بدأت تقترب من مصالح الدولتين الوارطتين في الحرب، وتطال مصالح دولية داعمة أيضًا، وهو ما لم يكن متوقعًا عندما بدأت الحرب- كل ذلك يرجح كفة السلام.
المفاوضات في فيينا من حول النووي الإيراني، والحرب في أوكرانيا، والوضع الدولي الخطر- كلها تميل الكفة لصالح احتمالات خيار السلام، ورغم القراءة الأولى والظاهرية للقاء الرياض وما تمخض عنه إلا أن قدرًا من السرية والغموض يعتمان على المسار كله، ويقينًا، فإن تعدد أطراف الحرب والداخلين عليها، والتفاوض المتعدد الأطراف في غير مكان هو ما يفرض الغموض والتعتيم.
هناك حوارات عديدة بين الإيرانيين والأمريكان والأوربيين، واليمن والمنطقة العربية في متن هذا الحوار، وهناك حوار سعودي-إيراني، واليمن في أجندة هذا الحوار أيضًا، وهناك اتصالات إماراتية-إيرانية ليست اليمن بعيدة عنها، كما أنّ هناك مساعيَ دولية وضغوطات كبيرة.
يصرّ الحوثيون على التفاوض المباشر مع السعودية؛ فالسعودية -شاءت أو أبت- وضعت نفسها في صدارة الحرب، وحلت محل الطرف اليمني فيها.
خطوة السعودية الأخيرة لإعادة تشكيل مجلس الرئاسة والمكونات الأخرى، والأهم طبيعة الحرب التي دارت طوال السبع سنوات تضعها الطرف الأساس؛ ومن هنا، فإن التفاوض معها أساسي، ولها كلمة على “أصدقائها”، أما التحاور بين الأطراف اليمنية، وهي كثيرة، فلا بد منها أيضًا، ويمكن أن تكون تحت رعاية أممية، وفي مكان محايد، وحبذا لو سار التفاوض بين هذه المكونات متساوقًا وشاملًا للجوانب الأمنية والسياسية؛ فالحرب اليمنية مركبة ومعقدة يتداخل الإقليمي بالدولي بالأهلي، ولكلٍّ دعاواه ومطامعه، والخلل هنا أو الخطيئة تهرُّب “أنصار الله” من حوار يمني–يمني؛ مما يعني رفض القبول بالآخر، أو رفض التشارك.
في الفترة الأخيرة، أصبح الإقليمي والدولي هو الأساس والأقوى، ولعب التحالف العربي دور الفاعل الأصلي في ظل ضعف الشرعية، والانتقالي الجنوبي، وتعويلهما على الحماية السعودية والإماراتية، وتصلب جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وتعصبهم الشديد، وخطابهم السياسي الفج، وممارساتهم غير العقلانية.
دوافع الحرب كثيرة، وهي عند أنصار الله (الحوثيين) قد تكون أقوى وأكثر بحكم المواجهة مع السعودية والإمارات، وطبيعة التركيبة الآتين منها، والأيديولوجيا، والخطاب السياسي التحريضي الممارس، والنتائج التي حقّقوها، أما الأطراف الأخرى، فالضغط الإماراتي والسعودي وحتى الدولي باتع، وما جرى في الرياض يبرز ذلك؛ فإزاحة عبدربه منصور- رمز الشرعية الميتة والمميتة، ونائبه جنرال الحرب على محسن مهم، بالإضافة إلى التخلي عن المرجعيات الثلاث التي هي إحدى العوائق أمام الحوار، والاعتراف بالطرف الأقوى على الأرض، بل والأهم الاعتراف بفشل الحسم العسكري، وتشارك أطراف مدنية وسياسية في تشكيلات ولجان عديدة من مختلف الاتجاهات السياسية، وحضور المرأة، والمجتمع المدني يرجح جانب السلام.
السمة الغالبة لأعضاء الرئاسة الجديدة ذات الطابع العسكري والأمني؛ وهو ما يرمز للبعد الثاني، وهو الاستعداد لاستمرار الحرب، وهو احتمال، وإن كان واردًا إلا أن احتمالاته هي الأضعف بحكم صعوبة الحسم العسكري، إن لم تكن استحالته، وهو ما تجسده الحالة التي وصلت إليها جميع الأطراف، إضافة إلى أنها كلها تفتح وتترك الباب مواربًا أمام الميل للسلام والتحاور؛ وهو ما ينبغي أن يقرأ بنضج ومسؤولية أكبر، خصوصًا من قبل أنصار الله (الحوثيين)؛ فاقتراح مهدي المشاط لهدنة ليومين، تحولت من قبل التحالف إلى هدنة لشهرين قابلة للتمديد، ثم إن قادة الميليشيات العسكرية ينقسمون على أنفسهم بأكثر من صراعهم مع أنصار الله (الحوثيين).
السلام بعد الكوارث التي شهدتها اليمن، والمآسي التي تمر بها الأمة العربية، والإقليم بخاصة- مصلحة مشتركة بين الأطراف، وهو بقدر ما يجنب اليمن استمرار الحرب وأهوالها، يجنب أيضًا الإقليم، وتحديدًا السعودية والإمارات وإيران، ويلات الصراع، واستمرار النزيف، وتهديد الأمن والسلام إقليميًّا ودوليًّا، ويجنّبها شبح المواجهة.