الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

قضية “صافر”.. هل يفلح الاتفاق الأخير في تحييد الكارثة؟

حيروت – صنعاء

بعد مخاضٍ دبلوماسي اتسم بكثير من المناورة والتعتيم، يبدو أن الأمم المتحدة باتت أقرب من أي وقت مضى من إنفاذِ تسويةٍ جِدِّية مع جماعة أنصار الله (الحوثيين)، حول قضية خزان صافر النفطي، الذي شكَّل صداعًا إقليميًّا ودوليًّا، وتصدّر قوائم الكوارث البيئية المحتملة خلال السنوات الخمس الماضية، (2017 _ 2022)، بحسب أحدث تقرير لخيوط.

صيغة التوافق الجديدة، جاءت عقب الإعلان، عن قبول “أنصار الله”، التوقيع على اتفاقٍ مع الأمم المتحدة، لتفريغ حمولة الخزائن العائم على بعد 8 كيلو مترات من ميناء رأس عيسى قبالة الساحل الغربي لليمن، إلى سفينة أخرى، بعد جولاتٍ عسيرة من المباحثات غير المجدية.

تأتي أهمية التوصل إلى اتفاق جذري، في إنهاء أكبر تهديد بيئي متعدد التبعات في البحر الأحمر، بعد تواتر التقارير المحلية والدولية حول تآكل هيكل الخزان الذي يحوي حاليًّا 1,148,000 برميل من النفط الخام، قد يؤدي تسربها أو احتراقها إلى تبعات بالغة الخطورة على المستوى الإنساني والبيئي يطال تأثيره أكثر من 8 ملايين إنسان في دول البحر الأحمر، خصوصًا اليمن والسعودية وجيبوتي وإرتيريا، إلى جانب التأثير على أحد أكثر الممرات الملاحية ازدحامًا، بنسبة تتخطى 10% من التجارة العالمية.

حالة القلق الجماعية في الأوساط الدولية، بشأن الكارثة المرتقبة، كان مردُّها إلى سيناريوهَين محتلمَين؛ الأول غرق الهيكل بفعل فقدان السيطرة على تدفق المياه إلى داخل المحرك، أما السيناريو الثاني، فهو حدوث حريق على متن الخزان حال حدوث اشتعال عرضي للغاز المتراكم على صهاريج النفط، والتسرب المتتالي لكميات النفط في البحر.

تفاؤل حَذِر!

الاتفاق المعلَن مؤخرًا، بدأت بوادره مطلع فبراير/ شباط الفائت، عشية إفصاح الأمم المتحدة عن مناقشات وصفتها بـ”الإيجابية” مع الأطراف اليمنية (الحوثيين، والحكومة المعترف بها دوليًّا)، بصدد إيجاد حل جذري ينهي التهديد الذي يمثله خزان “صافر” العائم قبالة السواحل اليمنية، الذي رَاجَ وصفه في الإعلام بـ”القنبلة الموقوتة”، طيلة خمس سنوات.

ملامح تلك النقاشات، حمَلت من التفاؤل ما يكفي لجعل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية _والمبعوث السابق لدى اليمن_ مارتن غريفيث، للخروج بعد عشرة أيام بتصريحٍ خلال اجتماعٍ لمجلس الأمن، منتصف فبراير/ شباط الماضي، كشف فيه عن اتفاق مبدئي بين الأمم المتحدة والأطراف اليمنية، تنص فحواه على تفريغ حمولة خزان صافر إلى سفينة أخرى.

تحدّث غريفيث حينها قائلًا: “يسعدني أن أعلن عن تحقيق تقدم على صعيد الجهود الرامية لحل مشكلة ناقلة النفطية صافر، بما في ذلك اتفاق مبدئي حول اقتراح تقدمت به الأمم المتحدة يقضي بنقل الحمولة النفطية إلى سفينة أخرى”.

إلى حدٍّ ما، لم يكن في تصريح المسؤول الأممي ما يوحي بشيء يقيني ومختلف يتعدى التطمينات المعهودة التي لازمت لغة الخطاب الأممي طيلة السنوات الماضية من المفاوضات والاتفاقات، التي لم تبارح كونها “إيجابية” و”مبدئية” في تعبيرات الأمم المتحدة، ثم لا تلبث أن تتهاوى وتعود إلى نقطة البدء في كل جولة.

مع ذلك، يبدو الاتفاق الجديد أشد متانة من الاتفاقات السابقة، من حيث إنه يتجاوز مجرد التقييم والصيانة، كإجراء أوّلي إلى حين الاتفاق على ملكية الحمولة التي تقدر قيمتها بأكثر من 40 مليون دولار، على غرار ما كانت تتضمنه الاتفاقات السابقة، التي نكث بها الطرف المسيطر على الخزان أكثر من مرة في اللحظة الأخيرة، كما حدث في مايو/ أيار 2018، غداة كان فريق الصيانة المكلف من الأمم المتحدة يستعد للتحرك من جيبوتي لبدء مباشرة العمل؛ الأمر الذي تسبب في إلغاء المهمة وعودة المفاوضات إلى نقطة الصفر، ثم تكرر السيناريو نفسه في أغسطس/ آب 2019، تمامًا كما حدث في العام الذي قبله.

حتى الآن، لا توجد تفاصيل تامّة عن الشروط التي وضعتها سلطة صنعاء نظير موافقتهم على الاتفاق الأخير، لكن الراجح، أن الأمم المتحدة قدّمت ضمانات مريحة، كما يُستشف من نبرة الرضا _غير المعهودة_ التي دمغت تصريحات بعض المسؤولين في الجماعة حول نجاعة الاتفاق المبرم مع الجانب الأممي في مسألة الخزان الذي ظل قيد المساومة لسنوات، مع الإشارة إلى وجود شائعات عن حصول الجماعة على ضمانات، من بينها الحصول على استحقاقات مالية والتعهد بعدم تقويض سلطتهم في صنعاء والحديدة.

التِّيهُ في الفراغ

من ناحية مُقابِلة، لم يُخفِ البعض توجساته من إمكانية إخلال الطرف المسيطر على الخزان بالتزاماته، أو تأجيل تنفيذها في أحسن الأحوال، شأن المرّات السابقة. وبنسبةٍ ما، تبدو هذه التوجسات مُبررة بالنظر إلى رصيد الإخفاقات التي واكبت مراحل التفاوض في ذروة الضغوط الدولية على الحوثيين الذين لم يعدموا الحيلة في نقضها، وإلقاء التبعة على جزئيات أو أطراف منفصلة عن واقع المشكلة.

ولعل من المهم، المرور على أهم المحطات الزمنية التي مرت بها المباحثات حول خزان صافر النفطي، خلال السنوات الماضية، حيث بدأ الحديث عن مخاوف انفجار أو تسرب خزان صافر لأول مرة في وسائل الإعلام عام 2016، الأمر الذي لفت اهتمام مكتب الشؤون الإنسانية “أوتشا” عبر منسقه في صنعاء، الذي أجرى حينها بعض الاتصالات مع حكومة الحوثيين حول إيجاد حلٍّ لإنقاذ الوضع دون أن تسفر عن نتائج ملموسة. وفي 2017، دارت عدة جولات من المناقشات، بين الجانب الأممي وأطراف الحرب في اليمن، اتفقت من حيث المبدأ على إجراء تقييم فنّي للسفينة والإصلاحات الأولية كإجراء عاجل.

وخلال شهري فبراير/ شباط، ومارس/ آذار 2018، أرسلت الحكومة المعترف بها دوليًا وأنصار الله (الحوثيين)، رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة، طلبت فيها رسميًّا تقديم المساعدة في إجراء تقييم للأضرار وعمل إصلاحات أولية، قوبلت بالموافقة من الأمم المتحدة على أن يتم استخراج الحمولة وبيعها ثم التخلص من السفينة، على أن تدفع الأمم المتحدة التكاليف المطلوبة، وبناءً على ذلك، تعاقد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، مع شركة إنقاذ متخصصة لبدء العمل على خزان صافر على النحو المتفق عليه، لكن قبل البدء في أي عمل، اندلعت المعارك بين قوات الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من التحالف على أطراف مدينة الحديدة في أبريل 2018، الأمر الذي توقف معه القيام بأي عمل في الخزان.

استمر الحال كذلك، حتى أغسطس/ آب 2019، حيث كان فريق الخبراء يستعد مرة أخرى لإرسال سفينة خدمة من جيبوتي لاستئناف العمل، لكن للمفارقة أنْ تمَّ سحب أذونات الوصول إلى الخزان من قبل الحوثيين في “اللحظة الأخيرة”، واضعين شروطًا تتعلق باتفاقية ستوكهولم، قوبلت بالاعتراض من جانب الحكومة اليمنية.

وفي 27 مايو/ أيار 2020، أجرى الحوثيون تقييمهم الخاص لحالة الخزان، أعقب ذلك تقارير تفيد بتسرب الخزان، وأن مياه البحر تدخل إلى غرفة المحرك، ورغم أن التسرب لم يكن كبيرًا، فقد استغرق الأمر 5 أيام لإيقاف التسرب، وفي اليوم نفسه، أفاد مكتب المبعوث الأممي لدى اليمن أن الحوثيين وافقوا على السماح لبعثة التقييم بالمضيّ قُدُمًا بعد أن قدّم الحوثيون للأمم المتحدة اتفاقًا موقَّعًا يقترح أن “تبدأ الأمور في التحرك”.

وفي 6 يوليو/ تموز 2020، ناقش برلمان صنعاء الحلول المحتملة للقضية، وكانت المفارقة أن انتهى إلى إلقاء اللوم على الأمم المتحدة والتحالف والولايات المتحدة، وحمَّل الجميع _دون الحوثيين_ مسؤولية أي تسرب نفطي بخزان صافر.

وفي صيف 2020، أصبح البعد السياسي لقضية الخزان جليًّا أكثر من ذي قبل، ترافقًا مع بعض المشاحنات والتوترات بين قيادة أنصار الله (الحوثيين) الحوثيين والمراقبين الدوليين، بعد أن وضع الحوثيون مسلحين وكاميرات مراقبة كرّست أكثر من سيطرة الجماعة على الخزان النفطي، وقللت في المقابل من قدرة طاقمها على العمل بشكل مستقل إلى الحد الذي لم يعد فيه للشركة المالكة قانونيًّا للخزان أي سيطرة فعالة، بحسب تقرير لجنة الخبراء الدوليين.

وفي فبراير/ شباط 2021 أفادت مصادر في مكتب المبعوث الأممي لدى اليمن، إن الأمم المتحدة توصلتْ إلى “توافق إيجابي” مع الحوثيين، وبمقتضاه تحركت البعثة المكلَّفة بالصيانة عبر سفينة خاصة من جيبوتي، قبل أن يتراجع الحوثيون على خلفية تصنيفهم جماعة إرهابية من قبل واشنطن، حيث تم إخطار الأمم المتحدة بإيقاف جميع الإجراءات المتعلقة بعملية الصيانة إلى أجلٍ غير مسمى.

ورقة ضغط حاسمة

الخلاصة التي يمكن استنتاجها من الاتفاق _في حال جرى تنفيذه فعليًّا_ أن الأمم المتحدة نجحت في تحقيق اختراق دبلوماسي مهم في تفادي كارثة بيئية قد تمتد آثارها لعقود، لكن في المقابل يجدر التأكيد على نجاح الطرف المسيطر على الخزان الاستثمار في المخاوف الدولية، لتحقيق امتيازات ومكاسب سياسية، من خلال الإبقاء على شعرة معاوية في إدارة المفاوضات مع الجانب الأممي، التي اتسمت بإظهار جانب من المرونة في التعاطي مع الجهود الأممية على الصعيد الدبلوماسي.

في مقابل التحفظ الصارم عن الكشف عن الحالة الراهنة للسفينة، أو السماح بتقييم الأضرار الحاصلة بهيكلها، وفي نفس الوقت، رفع الصوت في المطالبة بالإسراع بحل المشكلة، للإيحاء بالرغبة في إنقاذ الموقف، على افتراض أن الأمم المتحدة والجانب الحكومي تقف في المكان الضد من هذا التوجه، من منطق أن النكوص عن الاتفاقيات السابقة ونقضها في اللحظات الأخيرة، بعد التوقيع عليها، إنما هو مجرد ردة فعلٍ لا تحتاج أكثر من توظيف أي متغير سياسي قد يطرأ بالتزامن، حتى وإن كان بعيد الصلة عن جوهر المشكلة، ثم إعادة العدّ من جديد لجولة أخرى من المفاوضات، فيما المغزى الباطن كان مدفوعًا بالرغبة في كسب الوقت للإبقاء على “القنبلة الموقوتة” ماثلةَ الخطرِ في وجه العالم، كوسيلة فعّالة في الضغط على المجتمع الدولي لتحقيق امتيازات من نوعٍ ما.

ولعب السفير الهولندي بيتر ديرك هوف إلى اليمن دورًا فاعلًا في التوصل إلى الاتفاق الأخير حول خزان صافر وفي إحداث اختراق حول قضية الخزان المعقدة والشائكة منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن عام 2015. وتوج السفير هوب جهوده بزيارة قام بها إلى صنعاء في 2 مارس/ آذار الماضي، للدفع باتجاه حل عاجل للتهديد الوشيك الناجم عن ناقلة النفط صافر التي تمول هولندا جزء من البرنامج الأممي لتفادي تسرب نفطي يثير مخاوف يمنية وإقليمية واسعة، بحسب خيوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى