مقالات

“الرياض 2″… الاتكاء على العكاز الخطأ خبر سار للحوثي! بقلم| بشير عثمان

بقلم| بشير عثمان

أدى فرار الرئيس اليمني عبده منصور هادي خارج اليمن إلى تدخل عسكري عربي طويل، بقيادة المملكة العربية السعودية، ومع الأسابيع الأولى للحرب، التي تجاوزت اليوم سبع سنوات، دعت المملكة إلى مبادرات ولقاءات ومؤتمرات، كان أولها مؤتمر الرياض 2015، بمشاركة قادة أحزاب وقيادات أمنية وعسكرية فارّة، لم تتخذ قرارات هامة في ذلك المؤتمر، يُمكن الإشارة إليها، وفقط سلّط الضوء حينها على حقائب النّقود، التي قدّمتها السلطات السعودية للمشاركين، الذين كان معظمهم عمالة يمنية سابقة في المملكة، أو من أقارب ومنطقة الرئيس.

عقب ذلك المؤتمر، أطلق هادي لأصابعه العنان للتوقيع على قرارات عشوائية لجموع الحاضرين، تشكّل على إثر ذلك ما نسميه اليوم “الشرعية اليمنية”، التي تدعمها المملكة العربية السعودية.
كانت الأمور سهلة في البدايات، وأخرجت بشكل يدعو إلى الدّهشة، لكن سرعان ما سهّل تُوقع مآلها.

– العكاز الخطأ

كان السعوديون -مثل غالبية الناس في الداخل اليمني- يأملون نجاح التدخل العربي في إعادة الدولة الوطنية إلى مسارها الطبيعي، لكن يبدو أن التحالف فشل بسبب اتكائه على العكاز الخطأ.
فالشرعية اليمنية، وبصفتها أسوأ عامل في الحرب، فشلت في التغلّب على جماعة الحوثي، والأسوأ من كل ذلك أنها لا تحظى بالثقة والثقل الكافي، وبانعكاس صارخ لشخصية رئيسها الهزيل، وطاقمه الحكومي والعسكري. فالأداء المخيّب للمجموعة، التي يقودها، انطوى على نهج مدمّر، ونتائج مخيّبة على الأرض.

– شعور الإحباط

يشعر السعودي بالخذلان والإهانة، ولي العهد الذي كان إلى أسابيع قريبة منبوذاً وهدفاً للصحافة الغربية ذاتها، ويتعرّض للإهمال والازدراء في واشنطن، فجأة يتوقّع منه رفع سماعة الهاتف ليرد على الإدارة الأمريكية، تحظى هذه الأخبار بأهمية بالغة، لأسباب عديدة، كتراجع الإدارة الأمريكية عن مواقفها السابقة ضد الأمير الطموح.

على الجانب الآخر تبدو فرصة للمملكة بعد عزل وإذلال منهجي لأمرائها وحتى ملكها، ولكن يبدو هذه المرّة أن السعوديين غير قادرين على مغفرة الإهانة ولغة الخذلان، التي عانوا منها، يعمّقه التوجس من الاتفاق الإيراني – الغربي، إنهم ببساطة يخشون أنه لا يضمن أمن المنطقة، ولذا لم يقم ولي العهد السعودي برفع الهاتف، وتجاهل الرئيس الأمريكي.

السعودي أمام معضلة الاحترام الأقل، والإهانة الأكبر في تاريخه.
ولا يقتصر الأمر على المملكة بالطبع، فعلى الجانب المقابل يدفع الإنسان اليمني الكلفة الأكبر للحرب، يخلق هذا الوضع إحباطا عاما يعبّر عنه بفشل الشرعية اليمنية وحليفها العربي، ولا يقتصر كذلك الأمر على الإحباط والفشل العسكري والأوضاع الاقتصادية المدمّرة التي يواجهها الناس، بل يمتد إلى درجة مقلقة للغاية، ومشككة في قدرة الشرعية وحليفها العربي على إنجاح مساعيهما على المدى الطويل..
وكل هذه الأمور تؤثر تأثيراً مباشراً بسياق الأحداث في اليمن.

– فرص السلام

ردد المسؤولون السعوديون والإمارتيون هدفاً وحديثاً مطولاً ومملاً خلال الاعوام الثمانية الماضية، كان ذلك الحديث والهدف المتعلّق بدعم الشرعية اليمنية وفق قرارات مجلس الأمن، أو ما يُسمى المرجعيات الثلاث، ومنذ ذلك الحين لم يُحرز تقدم، ولطالما كان الحل العسكري هو الحل لإجبار الحوثي على القبول بتلك القرارات الأممية، وإجباره بالقوّة على فعل ذلك.
المفارقة كانت صعود الديمقراطيين إلى السلطة في الولايات المتحدة، وجاء هذا الصعود الدراماتيكي بعد أن هددت حملة بايدن -أثناء الحملة الانتخابية- وعبر وعود انتخابية عديدة بإعادة النظر في العلاقات بين البلدين.

وفعلا، وبعد وصول بايدن مباشرة إلى السلطة، سحبت الولايات المتحدة تفويضها السياسي والعسكري، وتركت المملكة وحيدة، كان ذلك فعلا جديا وخطيرا لإضعاف وإفشال مجهودات مملكة النفط الثرية.

خلال العامين الفائتين، كرر المسؤولون الأمريكان تصريحات فضفاضة، ورؤية تتلخّص باقتصار الحل في اليمن على “تسوية سياسية”، رغم افتقار هذا الأمر للموضوعية، ودون اكتراث موضوعي لاستحالة الحل السياسي، ولكون تلك الرغبة تظل مجرد أُمنيات انتخابية، اعتبر المسؤولون الأمريكان السلام في اليمن أمرا مفروغا منه، وتجاوب المسؤولون الإماراتيون والسعوديون بالدوران في هذه الحلقة المفرغة ونافقوها.
أضاف إليها السعوديون مبادرة سلام، انتهت بالفشل أيضاً، ولم يعد هذا الحال، ولسنا متأكدين اليوم من مدى فهم المسؤولين الأمريكان للموقف، ولكن المدرك أن تقديرهم كان خاطئاً.

– الفرص السعودية

تسعى المملكة السعودية إلى الاستفادة من التحولات الجيوسياسية العالمية، والظروف مواتية لفعل ذلك مع واشنطن. فخلف المحيط تلوح فرص أمام ولي العهد لاستثمار الوضع الدولي، وللتفاوض على كافة الملفات العالقة مع الإدارة الأمريكية. الاحتياج العالمي للطاقة السعودية، الذي عززه الصراع الغربي – الروسي فرصة لا تعوّض، يمكنه – في المقابل – فرض أجندته: طلب إغلاق الملفات التي تزعج السعودي، توريد صفقات السلاح المعطّلة، ووضع حدٍ للابتزاز العالمي الذي يخيف المملكة، وفوق كل ذلك فرصة للدفع بعملية استعادة الدولية اليمنية إلى الامام، لكن هذه الأخيرة تتطلب أولوية هامة، وهي تغيير رأس الإدارة اليمنية (الشرعية)، وإعادة هيكلتها حتى تكون قادرة على الاستجابة للتحدّيات المستقبلية، والقرار بيد السعوديين، وسواء أحببنا ذلك أم لا، فخيوط الشرعية اليمنية بيدهم.
المستقبل والتخطيط له ليس أمراً بسيطاً، لكن يمكن الاستفادة مما يحدث في الحاضر.

– أسباب “الرياض 2”

أجزم أن هناك خطة ما خلف “الرياض 2″، وقراراته قد اتخذت سلفاً، ولهذا السبب تحاول المملكة العربية السعودية عقد هذا المؤتمر. فإلى اللحظة لم يكشف عن أجندته، ولا يعرف المدعوون ماذا سيناقشون، ومع ذلك هناك عدة احتمالات يمكن استنتاجها، تقف خلف توقيته، أولها: أن رجل القرار السعودي يحاول التغطية، وترقيع الفشل العميق برؤية جديدة أكثر جودة وحزماً من عاصفة الحزم الفاشلة (البيان الأول للتحالف في مارس 2015، جاء فيه أن التدخل العسكري هدفه طرد الحوثيين من العاصمة صنعاء واستعادة الدولة)، وخاصة مع اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي.
وثانيهما: الحزم الروسي والأوروبي في التعامل مع القضايا الأمنية والعسكرية، أثناء الصراع الدائر هناك، يمثل فرصة ملائمة للتحالف العربي للمضي قُدما في اليمن. ويبدو أن ذلك الصراع ملهم ويشجّع على اتخاذ خطوات مماثلة.

وثالثهما: الصراعات المملّة في إطار المعسكر الموالي للمملكة (كالحراك الجنوبي والإخوان المسلمين…) انطوى على عدمية استغلها الحوثي إلى حد كبير.
ظروف عدم الثقة كذلك، التي تخلقها تلك الصراعات والتي لا تقتصر على الداخل اليمني بل امتدت إلى تشجيع السلوك الإماراتي المستفز والمقلق في جزيرة سقطرى اليمنية، مشكلات رئيسية تضعف العمل العسكري الوطني وتفسده، وفي الوقت نفسه تتطلب معالجة دقيقة وسريعة.

وبالتالي، المتوقع أن يكون مؤتمر الرياض المرتقب مؤتمر معالجة للمشكلات العالقة، وتصعيد الأعمال العسكرية والحسم في اليمن، وليس العكس.
المؤتمر -بمعنى آخر- مواصلة أكثر عنفاً للحرب، ولا يمكن التوقّع له، أو التصرّف بشكل آخر.
ربّما تكون هناك أفكار أكبر، لكنّها ليست أقلّ من هذا، فالسعوديون يدركون عُمق الفشل في اليمن، وفشلهم يترك فراغاً، وهذا الفراغ ستملأه إيران العائدة إلى الواجهة بإتفاق جديد مدته عامان، ولن تتوانى طهران عن استغلاله على أكمل وجه.

وإن لم تنجز كافة تلك الاستحقاقات، فإن اليمن والمملكة السعودية ستعانيان من عواقب دائمة ومدمّرة، وستكون هذه أخباراً جيّدة للحوثي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى