حيروت – الأخبار اللبنانية / أحمد الحسني
على مرّ السنوات السبع الماضية، شهدت المحافظات الجنوبية سلسلة تحوّلات أفضت في نهاية المطاف إلى سحق «الحلم الجنوبي» بحلّ عادل لـ«القضية الجنوبية»، بعد ما يقرب من العشرين عاماً من الحراك السياسي. حتى قبيل انطلاق «عاصفة الحزم»، كانت الساحة الجنوبية تضجّ بحراكٍ تقوده عشرات المكوّنات في مواجهة النظام اليمني، على طريق الوصول إلى «استقلال» كامل عن الشمال، أو في الحدّ الأدنى حُكم ذاتي في إطار يمنٍ من إقليمَين. غير أن انطلاق عمليات التحالف السعودي – الإماراتي العسكرية، غيّر الخارطة السياسية، وبقدر ما كان مخطّطاً لتلك العمليات الاتّجاه شمالاً وصولاً إلى صنعاء، سرعان ما أضحت المحافظات الجنوبية ميداناً لـ«العاصفة»، وتحوّلت عدن من عاصمة ينشط فيها أكثر من 25 مكوّناً سياسياً، إلى باحة خلفية تستخدمها كلّ من الرياض وأبو ظبي، ليس في حربهما ضدّ «أنصار الله» فقط، وإنّما أيضاً ضدّ مَن يعارض سياساتهما من القِوى الجنوبية.
هكذا، مضت «العاصفة» بما لا تشتهي مكوّنات الحراك الجنوبي، على اعتبار أن الأولوية لـ«التحالف» كانت إسقاط صنعاء، ما يعني تنزيل «القضية الجنوبية» إلى آخر سُلّم الأولويات، فضلاً عن أنّ الرؤية السعودية – الإماراتية ترتكز أساساً على دفن فكرة قيام «دولة مستقلّة» في الجنوب. ومن هنا، تَركّز العمل على استنبات تشكيلات تتبنّى مطالب الحراك الجنوبي ظاهراً، لكن عملياً تنخرط ضمن أجندات «التحالف» البعيدة عن أهداف الحراك. وبينما أذابت السعودية معظم المكوّنات الجنوبية في إطار حكومة عبد ربه منصور هادي، سارعت الإمارات إلى إنشاء «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وتصديره بوصفه الحامل السياسي الوحيد لـ«القضية الجنوبية»، الأمر الذي اعتبرته بقية المكوّنات محاولة لتفتيت الحراك، وطمس قضيته.
على أن هذه السياسة لم تولد مع اندلاع الحرب فقط؛ إذ إن المبادرة الخليجية التي أعقبت انتفاضة عام 2011، وأريدَ منها أن ترسم ملامح اليمن الجديد، استثنت القضية الجنوبية من الحلّ. وبرأي القيادي في حركة «تاج الجنوب العربي»، الخضر الجعري، فإنّ «مكوّنات الحراك الجنوبي حاملة مشروع الاستقلال منذ 2007، تمّ التآمر عليها منذ المبادرة الخليجية مروراً بمؤتمر الحوار في صنعاء، وحتى مؤتمر الرياض 2015». ويَعتبر الجعري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «سياسات دول الخليج لا تعالج المشكلات، فأكبر الأزمات التي تعصف بالشمال والجنوب جاءت كنتائج للمبادرات الخليجية»، مضيفاً أن هدف «التحالف» بات يتمثّل في «عودة الأحزاب اليمنية إلى الحكم، إضافة إلى حزب المؤتمر – فرع أبو ظبي الذي يقوده أبناء (الرئيس السابق علي عبد الله) صالح».
وعلى رغم انخراط الكثير من المكوّنات الجنوبية ضمن مشروع «التحالف» للقتال ضدّ «أنصار الله»، إلّا أن ذلك لم يتمّ بموجب اتّفاق على تمكين الحراك من حُكم مناطقه، بل على العكس من ذلك، مارس «التحالف» عمليات تصفيات ممنهجة بحقّ تلك المكوّنات، وهو ما يؤكده رئيس «تجمّع القوى المدنية الجنوبية»، عبد الكريم السعدي، في حديث إلى «الأخبار»، لافتاً إلى أن «التحالف فرض واقعاً جديداً تمخّضت عنه جماعات مسلّحة متعدّدة المسمّيات والولاءات، لتخوض حرباً معلَنة ضد مكوّنات الحراك الجنوبي»، مضيفاً أنّ «الساحة الجنوبية باتت خالية من القوى السياسية، بعد أن اغتالت هذه الميليشيات العديد من قيادات الحراك، واعتقلت البعض ونفت آخرين». ويخلص السعدي إلى أنّ «التحالف صنع وكلاء جدداً، وأبعد المكوّنات الجنوبية من قَبْل، وحتى في مؤتمر الرياض الذي يُحضَّر له بعد أيام».
وإلى أبعد ممّا تَقدّم يمكن الذهاب في الحديث عن تأثيرات سياسات «التحالف» على «القضية الجنوبية»؛ إذ إنّ الحرب خلقت واقعاً جديداً في الجنوب والشمال على حدٍّ سواء، بحيث لم تَعُد «القضية الجنوبية» وحدها حاضرة اليوم كقضية مظلومية، خصوصاً وأن الحرب تدور رحاها في الشمال، ويقود جبهاتها الجنوبيون أنفسهم في مهمّة للسيطرة على مناطق وجبهات شمالية، الأمر الذي يجعل سرديّة الحراك عن أن الجنوب تعرّض للإقصاء والتهميش والهيمنة عليه من قِبَل الشمال في عام 1994، معكوسة. وفي هذا الإطار، يرى الأمين العام لـ«مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي»، أزال الجاوي، في تصريح إلى «الأخبار» أنّ «عاصفة الحزم أحدثت تغييرات جوهرية في مفهوم القضية الجنوبية التي لم تَعُد أولوية، وطرأت تحالفات جديدة بين أعداء الأمس»، مشيراً إلى أنّ «مكوّنات 7/7/1994 تفكّكت وضعفت، وبات بعضها حليفاً لبعض مكوّنات الحراك الجنوبي، وذلك بسبب الانخراط في حرب التحالف». ويَعتبر الجاوي أنّ «الحرب خلقت قضية شمالية لتحلّ بديلاً من القضية الجنوبية في سلّم الأولويات نتيجة الحرب والحصار».