الحرب في أوكرانيا؛ آثارها ومخاطرها بقلم| عبدالباري طاهر
بقلم| عبدالباري طاهر
الحرب في أوكرانيا مدمّرة ليس على أوكرانيا وروسيا وحدهما، ولا تقف آثارها الفاجعة عند تخوم أوروبا فحسب، وإنما تمتد إلى العالم، وبالأخص بلداننا العربية وأفريقيا؛ فهذه الحرب المدمرة ترتد بالبشرية -كل البشرية- إلى الحرب الباردة، منذرةً إذا ما اتسع نطاقها، أن تكون الحرب الكونية الثالثة التي لا تُبقي ولا تذر.
الحرب في التاريخ البشري كله مقيتة، وهي مدانة في الملل والنحل، وتسميها الديانات السماوية أم الكبائر، وهي الجريمة الكبرى في الفكر الإنساني، والحرب مكروهة حتى لو كانت عادلة؛ فلا ينبغي التبرير للحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.
يرى الحزب الشيوعي الروسي في مقالةٍ له، أن للحرب جذورًا عميقة، آتيًا على تناول المحتوى القومي للصراع الطبقي، والمحتوى الطبقي للنضال الوطني، ويقول إن أوكرانيا توزعت أراضيها الفاقدة للكثافة السكانية في مطلع القرن العشرين بين بولندا والنمسا والمجر وروسيا، وقد استقلت مؤقتًا بعد ثورة 1917 في روسيا، ويشير إلى انضمامها للاتحاد السوفيتي عام 1922 باسم جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفيتية، ونقل ست مناطق صناعية إلى أوكرانيا، مؤكدًا على هيمنة القيادة الأوكرانية على الدولة السوفيتية: خرشوف، بريجنيف، تشيرنينكو، كما يشير إلى المناطق الروسية التي ضمت إلى أوكرانيا: دونتيسك، ولوغانسك، وإن الجزء الغربي كان تابعًا لبولندا.
وفي إشارته للتطور الذي شهدته أوكرانيا، والعلائق بين روسيا وأوكرانيا في جوانب عديدة، والمقالة وإن تضمنت بعض الحقائق إلا أنها كلها لا يمكن أن تبرر الحرب؛ فالحرب من المبتدأ إلى المنتهى كارثة على الأوكرانيين والروس، وهي تدمر إمكانات وقدرات البلدين، وتزرع العداوات والأحقاد بين الأمم والشعوب.
المرعب أن أمريكا وبريطانيا وحلف الناتو أكثر حماسًا للحرب من أوروبا التي تعنيها أكثر، وتطالها، بل إن أمريكا وبريطانيا والناتو أكثر حماسًا للحرب من بوتن وزيلينسكي؛ ففي حين يتحدث الرئيسان عن السلام، وهما يتحاربان ويعبران عن رغبتهما في الحوار، فإن بايدن وجنسون لا يدعوان إلا إلى التصعيد والضغط على مختلف دول العالم للانخراط في الحرب ودعمها وتأييدها، وبوسائل الضغط والإكراه.
ربما كان كسنجر أكثر عقلانية واتزانًا في تناول هذه الحرب وقراءتها برؤية وإدراك مخاطرها على الجميع؛ فهو يرى أن سياسة الإكراه العسكري قد تنتج حربًا باردة جديدة، ناصحًا أمريكا بعدم التعامل مع روسيا وكأنها جهة ضالة تحتاج إلى تعليم قواعد السلوك التي تحددها واشنطن. ويرى أن بوتن خبير استراتيجي جِدّي، وهو يتكل على أسس التاريخ، ولن يكون تفهم القيم الأمريكية وحالة الأمريكيين النفسية من نقاط قوته.
مقالته الهامّة منشورة في الواشنطن بوست 16 مارس 2022، ويمضي في مقاله أنه شهد أربع حروب بدأت بحماس شديد، وتم الانسحاب من ثلاثة منها بشكل انفرادي. في إشارته إلى فيتنام، والعراق، وأفغانستان، مؤكدًا: “ويمكن اختيار السياسة الحقيقية في طريقة إنهاء الحروب، لا كيفية إطلاقها”.
ويرى أنه إذا أرادت أوكرانيا أن تصمد وتزدهر، فيجب ألا تتحول إلى بؤرة لأحد الطرفين ضد الطرف الآخر، بل يفترض أن تصبح جسر عبور بينهما، محذرًا روسيا بأن تغيير حدودها سيحكم على روسيا بتكرار تاريخها المليء بدورات من الضغوط المتبادلة مع أوروبا والولايات المتحدة. في الوقت نفسه يجب أن يفهم الغرب أن أوكرانيا لا يمكن أن تصبح مجرد دولة خارجة بنظر روسيا. يذكر بأن التاريخ الروسي بدأ بكيان كيفيان روس، وانتشرت الديانة الروسية من ذلك المكان وكانت أوكرانيا جزءًا من روسيا طوال قرون، وبدأ تاريخها متداخلًا، داعيًا إلى حل سياسي، وإلى مصالحة داخلية تجنب أوكرانيا الحرب الأهلية والمواجهة مع روسيا.
الشيوعي الروسي وإن مال إلى التبرير للحرب، إلا أنه أميل لربط الحرب بنفوذ التيار النازي، أما مقالة كيسنجر، فهي مدركة لمخاطر التدخل الأمريكي الدافع للحرب والمحرض عليها. الحصار المفروض على روسيا، وتدفق السلاح بشكل جنوني على أوكرانيا، والدعوة لفرض مناطق دولية ضد روسيا، وتجنيد المرتزقة من قبل الطرفين- كلها تعني إطالة أمد الحرب. كارثيّةُ الحرب في وضعها الحالي تطال جانبًا كبيرًا من العالم، وبخاصة البلدان العربية وبعض الدول الأفريقية فيما يتعلق بالغذاء، أما فيما يتعلق بالطاقة وإمدادات البترول والغاز، فتطال مختلف بلدان العالم، فالارتفاع الجنوني في أسعار الطاقة ينعكس على أسعار كل السلع والمواد عالميًّا.
يريد الدكتاتور المستبد بوتن تأسيس إمبراطورية، ويريد بايدن التفرد بحكم العالم، واستمرار السيطرة الإمبريالية بالقوة، وبواسطة الإملاء والذراع المسلح الناتو، وبسبب من الضغوط الدولية تستجيب بعض الدول الواقعة تحت الحماية.
الموقف المتميز في العالم هو الموقف الصيني والهندي، فالصين القطب القادم يدرك مخاطر الحرب، وهو بعيد عن تاريخ الحروب الاستعمارية التي فرضها الاستعمار بشكليه القديم والجديد على بلدان العالم الثالث، وكانت الصين في مقدمة ضحايا هذه الحروب، وقادت حركات التحرر الوطني في عديد من البلدان.
نأت الصين بنفسها عن الحرب وأدانت الحرب في أوكرانيا وحملت المسؤولية صقور الحرب بما في ذلك أمريكا وبريطانيا، كما ترفض الصين الإملاءات والابتزاز للرئيس الأمريكي المهووس بالحرب على روسيا، غير مدرك استحالة عودة أو استمرار تسيد القطب الواحد على العالم، أو جعل الحرب الوسيلة المثلى والوحيدة للعلاقة بين الأمم والشعوب.