استطلاعات وتحقيقاتالأخبارمحليات

في تعز مطلوبين أمنيًا.. حبرٌ على ورق

تعز – عبدالرحمن مهيوب

تسببت الحرب المستعرة في البلاد، منذ سبع سنوات، بتدهور مختلف أجهزة الدولة أبرزها الأمنية والعسكرية؛ إذ تشهد المدن التي طالتها الحرب انفلاتا أمنيا يقف خلفه قيادات عسكرية في مناطق خاضعة لسلطات حكومة الرئيس عبدربه هادي.

من تلك المدن، مدينة تعز الواقعة جنوبي غرب اليمن. إذ تنتشر في المدينة مجاميع مسلحة تقوم بالسطو على ممتلكات تابعة للدولة وممتلكات خاصة، وأراضي المواطنين، وارتكاب جرائم جنائية وقتل.

في أواخر العام 2020، تحديدًا في السابع من ديسمبر بذات العام، أصدرت إدارة عام شرطة محافظة تعز- التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا- قائمة “سوداء” بأسماء المطلوبين أمنيًا رقم (1)في المدينة.

القائمة مكونة من (39) شخصا مطلوبين أمنيا، غالبيتهم ينتمون لوحدات عسكرية بالجيش والأمن، وجميعهم عليهم قضايا جنائية، وقتل، وإخلال بالأمن العام.

لم تتمكن الأجهزة الأمنية بمدينة تعز من ضبط المطلوبين أمنيًا في تلك القائمة السوداء جميعًا، ولا من ارتكبوا جرائم جنائية وقتل والسطو على ممتلكات المواطنين بعد إعلان القائمة إلّا في حالات قليلة وأشخاصا أقل خطورة.

في 12 يناير من العام الجاري، أصدرت نيابة البحث والأمن والسجون أمرًا بالقبض القهري على “إبراهيم دماج عبده غالب الجعفري” بناء على طلب إدارة عام الشرطة، وذلك للتحقيق معه في واقعة اختفاء الطالبة خولة عبده الحرق. بحسب ما نشره مركز الإعلام الأمني بتعز على صفحته بالفيسبوك في اليوم التالي.

“إبراهيم دماج عبده الجعفري” هو أحد المطلوبين أمنيًا، فقد ورد اسمه في القائمة السوداء التي أصدرتها شرطة تعز سابقًا ورقم المطلوب (21). الجعفري يتبع كتائب أبي العباس -إحدى كتائب اللواء 35 مدرع التابع للجيش الحكومي بتعز- وطوال تلك الفترة لم يتم القبض عليه بالرغم من ظهور اسمه في القائمة.

بعض المطلوبين أمنيا ممن وردت أسمائهم في القائمة السوداء لا زالوا يقومون بأفعال جنائية وإعتداءات على أراضي المواطنين في تعز. ففي 10 من أغسطس الماضي 2021، قام “ماجد الأعرج، أحد منتسبي وحدات محور تعز العسكري، ومعه عصابة مسلحة، بالاعتداء على أرضيّة لأسرة الحَرِق في منطقة عمد ببير باشا التابعة لمديرية المظفر، غربي المدينة. نشب على إثر الاعتداء اشتباكات مسلحة بين الأعرج ومالكي الأرضية من أسرة الحرق، أدت إلى مقتل ستة أشخاص؛ منهم أربعة من أسرة واحدة، واختطاف ثلاثة آخرين من الأسرة نفسها، بينهم طفل، وفي المقابل قُتل الأعرج وأحد مرافقيه.

لاقت حادثة الاعتداء على أرض أسرة الحرق وقتل أربعة أشخاص من أفرادها، والانتهاكات التي طالت النساء والأطفال والمنازل، تفاعلًا واسعًا من قبل الحكومة وناشطين حقوقيين وإعلاميين، معتبرين الحادثة نتيجة للإنفلات الأمني الذي تشهده مدينة تعز خلال السنوات الأخيرة.

وفي هذا السياق، قالت منظمة سام للحقوق والحريات في بيان لها بتاريخ 16 أغسطس من العام الماضي، أي بعد حادثة أسرة الحرق بأيام، إنه يجب على السلطات الحكومية مساءلة القيادات العسكرية والأمنية بمدينة تعز عن حالة الإنفلات الأمني، ومحاسبة كل مرتكبي الجرائم التي حدثت بحق أسرة “آل الحَرِق” والعمل على إعادة الأمان لهذه العائلة وغيرها من مُلّاك العقارات التي تتعرض لانتهاكات متكررة.

وأضافت المنظمة في البيان “أن أعمال السطو على المنازل والأراضي الخاصة بالمدنيين من قبل نافذين أو منتسبين للمؤسسات العسكرية و المدنية في تعز بات أمر مقلق.” حيث رصدت المنظمة العديد من حوادث السطو والنهب التي كانت إشارة بداية، لارتكاب جرائم بشعة تتعلق بالقتل خارج القانون والتنكيل.

وأوضحت المنظمة أن “جرائم السطو على الممتلكات وجرائم القتل وما يتبعها من ثارات وتنكيل بالأطراف المستضعفة في مواجهة عصابات النفوذ والخارجين عن القانون والمستقوين ببعض المنتسبين لأجهزة عسكرية، أمر يتكرر في مدينة تعز دون أن يجد الفاعلين لهذه الجرائم أي عقاب.”

بعد أيام من حادثة الاعتداء والقتل بحق أسرة الحرق، اشتبك مسلحين يقودهم المدعو “عيسى العجوز” بتاريخ 19 أغسطس 2021، مع أطقم أمنية مُكلفة بحماية منزل “أسرة الحرق” بمنطقة عمد، مما أدى إلى مقتل أحد مسلحي العجوز، وإصابة ثلاثة آخرين.

العجوز أحد المطلوبين أمنيًا بقائمة نشرتها إدارة الشرطة سابقًا ورقمه في القائمة (34)، وهو أحد منتسبي الأمن العام، أي أنه ظل حرًا دون ضبط ومحاسبة على أفعاله السابقة، حتى قام بهذا الاشتباك المسلح، إذ تعد النقاط والطريق المؤدي إلى عمد كلها تحت سيطرة الأمن والجيش.

ولأن قضية أسرة الحرق لاقت تفاعلًا واسعًا وأصبحت قضية رأي عام، ظلت إدارة أمن تعز بمواصلة البحث عن المتهمين في حادثة أسرة الحرق، إذ أعلنت بتاريخ 29 أغسطس 2021، أن الحملة الأمنية بشرطة تعز اشتبكت مع مطلوبين أمنيًا في قضية بيت الحرق ومقتل أحد المطلوبين وضبط آخر، أثناء مقاومتهم الحملة.

لكن بين المتهمين أشخاص ينتمون للجيش، أبرزهم المدعو “أكرم الشعبي” والملقب أيضًا بـ”شعلان، والشرعبي”، وتقف خلفهم قيادات عسكرية رفيعة لم يتم القبض عليهم، حيث أن الشعبي أحد المطلوبين أمنيًا بقائمة شرطة تعز السوداء، وكان رقمه في تلك القائمة (24).

قادة عسكريون متهمون
في الـ20 من يونيو 2021، قالت شرطة محافظة تعز، إن الحملة الأمنية اشتبكت مع عصابة مسلحة يتبعون المدعو “بكر صادق سرحان” بعد رفضهم تنفيذ أوامر قضائية بتوقيف أعمال بناء في أرضية جمال الترجمي بمنطقة المسبح وسط المدينة. ونتج عن تلك الاشتباكات إصابة أربعة أفراد من الحملة الأمنية، ومقتل مواطن آخر.

وبكر صادق سرحان هة نجل قائد اللواء 22 ميكا سابقًا، ومستشار وزير الدفاع حاليًا، وقائد كتيبة في اللواء 22 ميكا بتعز. ويتهم ناشطون القائد العسكري النافذ صادق سرحان ونجله بكر بإحداث إختلالات أمنية ودعم مثيري الفوضى في المدينة مثل غزوان المخلافي خلال السنوات الماضية، كما أنه متهم في حادثة مقتل رجل الأعمال محمود الزوقري، مالك شركتي شابكو ويمن كو لتوليد الكهرباء التجارية بتعز في سبتمبر عام 2020، بحسب محامي القضية.

والمتهمين في حادثة مقتل رجل الأعمال الزوقري تم نشر أسمائهم في القائمة السوداء لشرطة تعز، وهم رقم (4) “همدان فارس مقبل” ورقم (5) بالقائمة “عاهد فهد طاهر رزاز”. كلا الشخصين المتهمين جنديان يتبعان اللواء 22 ميكا والذي كان قائده آنذاك صادق سرحان، وكان نجله متهما بضلوعه في الحادثة “بكر” يشغل منصب قائد إحدى كتائب اللواء 22 ميكا.

تبذل شرطة تعز جهودا كبيرة في ملاحقة وضبط المطلوبين أمنيًا رغم تقصيرها في بعض الجوانب، إلّا أنها تعلن من حين لآخر ضبطها عناصر وصفتها بالـ”العصابة المسلحة”. فقد أعلنت في 12 يونيو 2021، ضبط ثلاثة من عناصر العصابة المسلحة التي يقودها المدعو صهيب المخلافي، وأشارت في ذلك الوقت إلى أن الإجراءات مستمرة لملاحقة قائد العصابة وبقية العناصر المطلوبة على خلفية أحداث شهدتها منطقة وادي المعسل التابع لمديرة القاهرة وسط المدينة، لكن في المقابل لم يتم ضبط المخلافي حتى يومنا هذا.

وفي 13 يناير من العام الجاري، أعلن مركز الإعلام الأمني لشرطة تعز، تمكن الحملة الأمنية من ضبط أحد المطلوبين أمنيًا، المدعو “رأفت صباح”، دون ذكر مزيد من التفاصيل.

وعن المطلوبين ومرتكبي الجرائم الجنائية والقتل، كتب الصحفي عمران فرحان، في مطلع سبتمبر الماضي، منشورًا على صفحته “بالفيسبوك” تحت عنوان “الحقيقة كلمة مرة” كيف يضعف النفوذ أداء الجهات الرسمية بتعز؟

قتل في مستشفى حكومي
وقال فرحان: إنه “في 13 يناير من العام الماضي تم تصفية محمد سعيد الحسامي بمشفى الثورة على يد عبدالكريم عبدالله الياسري ما يعرف ب”خطاب الوالد” قائد الكتيبة الأولى باللواء 170 دفاع جوي قوات حكومية، بحسب شهادات قائد الحملة الأمنية وقتذاك خليل الشماري مدير شرطة التعزية حاليًا”. ومقتل الطفل عبود الأكحلي على يد أتباعه بمنطقة الزنقل. بحسب عمران.

وأشار إلى أنه “في هذه الحادثة مُنع وصول خطاب للجهات الرسمية ورفض حضور النيابة نتيجة وقوف نافذين بينهم وكيل أول محافظة تعز الدكتور عبدالقوي المخلافي والعميد عبدالعزيز المجيدي قائد اللواء 170 حينها. فقد تم التلاعب بملف القضية من قبل رئيس النيابة الراحل القاضي عبدالواحد منصور المخلافي رغم أوامر قهرية من نيابة البحث والسجون وأوامر من قيادة محور تعز بتسليم خطاب للجهات المعنية ولم يصل”.

ويقول المحامي والناشط الحقوقي، عمر الحميري، إن هناك قوائم بمطلوبين أمنيًا يوميًا ولكنهم بمستوى أقل خطورة، والأمن يتعامل معهم بجدية، ويتم القبض على الكثير منهم، في قضايا جنائية، وقتل، هذه القضايا لا تتناول حظها من الإعلام، لأنها لم تحتو على أسماء مشهورة، فيتم القبض على بعضهم، والبعض يهربون إلى الساحل الغربي، ومنهم إلى خارج المدينة.

ويضيف الحميري في حديثه لـ”المشاهد”، أن هناك آثار سلبية، نتيجة عدم القبض على معظم أسماء المطلوبين أمنيًا، إذ يحد من ثقة الناس بالأمن، ويعتبر تحدي للجهات الأمنية بالمدينة، ويعرقل القانون أيضًا.

ومن الإيجابيات التي تحسب للأمن بحسب الحميري، أنه فعلًا قد يكون المطلوبين ملاحقين وذلك لعدم تكرار بعض من هذه الأسماء- قائمة المطلوبين- في قضايا جديدة، كما أن هناك تحسن كبير للأمن في المدينة، من خلال ملاحقة المطلوبين بشكل مستمر خلال الفترة الأخيرة.

تجاهلت دائرة التوجيه المعنوي والعلاقات العامة بشرطة تعز الرد على أسئلة المشاهد للتعليق على فشل الأجهزة الأمنية القبض على مطلوبين أمنيًا – تم نشرهم في القائمة السوداء قبل عام – على الرغم من ارتكابهم جرائم جديدة.

وفي 30 سبتمبر 2021، عقدت شرطة تعز مؤتمرًا صحفيًا استعرضت فيه مستجدات الأوضاع الأمنية والإجراءات المتخذة حيالها.وقال مدير عام شرطة تعز، العميد منصور الأكحلي، خلال المؤتمر، إنه تم القبض على 11 مطلوبًا أمنيًا متهمين في قضية أسرة “الحرق”، وأوضح أنه لا تزال الشرطة مستمرة في ملاحقة وتعقب بقية المتهمين وسيتم ضبطهم وإحالتهم للعدالة، بحسب موقع المشاهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى