مقالات

دخول “ألوية الوعد الحق” العراقيّة على خطِّ حرب اليمن.. اشتباك أو تشبيك؟ بقلم| عباس الجمري

بقلم| عباس الجمري

نفّذت جماعة عراقية مسلَّحة تُطلق على نفسها اسم “ألوية الوعد الحق” هجوماً على الإمارات في 2 شباط/فبراير الجاري، واستهدفت منشآت إماراتية بطائرات مسيّرة. ولم تكشف أبو ظبي عن حجم الأضرار المادية، فيما نفت وجود أضرار بشرية.

يحمل تدخل “ألوية الوعد الحق” بهذه الطريقة دلالات سياسية أكثر بكثير من الدلالات العسكرية، ويبدو أنّ هذه الجماعة المسلّحة والمجهّزة بطريقة احترافية مصمِّمة على تعديل المشهد السياسي الخليجي الذي تفرزه حرب اليمن.

لنتّفق بدايةً على أنّ حرب اليمن ليست حرباً على بلدٍ اسمه اليمن فحسب، بل هي حرب على محور المقاومة أيضاً. ونظراً إلى أنَّ الحرب على محور المقاومة محلّ تسالم تقريباً عند جمهور المحور، فضلاً عند قادته، فإن تدخل “ألوية الحق” يُقرأ في هذا السياق.

قبل الخوض في قراءة سياقات التدخّل والرسائل التي جاءت هذه الخطوة من أجلها، لنتعرَّف إلى أمرين:

الأوّل: “ألوية الوعد الحقّ” هي جماعة غير معرّفة وغير معروفة. قادتها غير مشخصين، وهويتها غير محددة، لكنَّها عراقية، وتحظى بدعم فصائل المقاومة في العراق وحمايتها ورعايتها، بدليل أنّ بيانات الفصائل أشادت بضربتها الموجهة إلى الإمارات.

الثاني: الضربة التي نُفذت يوم الأربعاء 2 شباط/فبراير الجاري على الإمارات ليست الأولى من نوعها، فقد نفذت الجماعة ضربة على الرياض ودبي في كانون الثاني/يناير 2021.

وبخلاف الضربات المذكورة، لم تنفّذ “ألوية الوعد الحقّ” أيَّ عمل عسكري، لكنها تمارس نشاطاً إعلامياً، وتصدر بعض البيانات التي يستطيع المتتبّع أن يضعها في سياق واحد ليفهم مدلولها.

هذه الجماعة العراقيّة مهتمة جداً بحرب اليمن، بل تكاد تختصّ بهذا الجانب. إضافةً إلى ذلك، يبدو أنّها معنيّة بالوقوف في وجه السّعودية والإمارات تحديداً، وذلك من خلال الضربات التي نفّذتها والخطاب المحدود الذي أصدرته.

من هنا، سنجيب عن 4 أسئلة يفرضها هذا المشهد المعقّد:
أولاً: هل تريد “ألوية الوعد الحق” اشتباكاً عسكرياً؟
إنّ الاشتباك، بمعناه العسكريّ، يتطلَّب خطّة متكاملة الأركان تشمل الهدف والرؤية والتجهيز وطرق الإسناد والاستعداد للتعامل مع الأثر السياسي الذي يفرزه العمل العسكري. وما دمنا نتحدَّث عن حرب استمرّت أكثر من 7 سنوات، ولا تزال حامية الوطيس، فإنَّ الاشتباك يعد من جنس الحرب – أو هكذا يُفترض – أي أنَّ قراراً من هذا النوع، في حال اتخذ، ينبغي أن يكون عاملاً مساعداً في حرب ثقيلة الأوزار والأوزان، ما يتطلّب بطبيعة الحال الاستمرارية من جهة، واختيار كيفية الضربات وثقلها من جهة أخرى، لكي يكونا (أي الاستمرار والكيفية) عاملين مساعدين فعلياً في حرب من وزن عدوان دول كبرى ودول وظيفيَّة على بلد محاصر كاليمن.

هذا النوع من الاشتباك لا تقوم به “ألوية الوعد الحق” حالياً، لأنها نفّذت ضربتين العام الماضي في الرياض ودبي، وضربة هذا العام على أبو ظبي، ما يعني عدم وجود قرار آني بالاشتباك العسكري المؤثر الّذي يغيّر موازين القوة والردع.

ثانياً: هل تريد “ألوية الوعد الحق” تشبيكاً سياسياً؟
من المحتمل جداً أن تكون الضربة على أبو ظبي رسالة سياسيّة، مفادها: “لا تنسوا تشبيك الساحات إذا حان الوقت”. ولنلاحظْ أنَّ الضربة أتت بعد تصعيد مجنون نفّذته السعودية والإمارات، وبعد إمدادات أميركية لأبو ظبي تشمل مقاتلات حربية وإرسال المدمرة الأميركية “يو إس إس كول” إلى الخليج لمساندة البحرية الإماراتية، وحديث عن احتمال شنّ هجوم بري من السواحل اليمنية.

تأتي هذه الإمدادات رداً على حزمة من العمليات أطلق عليها المتحدث باسم الجيش واللجان الشعبية اليمنية العميد يحيى سريع اسم “إعصار اليمن”، والتي أضرّت اقتصاد الإمارات، وورّطت بورصة أبو ظبي بفقدان ثقة المستثمرين، ما أدى إلى نزول المؤشرات. ومما زاد الطين بلّة هو تهديد العميد السريع لمعرض “إكسبو” بتغريدتين فرضتا معادلات جديدة، وجعلتا الحكومة الأميركية تحذر المواطنين والمستثمرين من الذهاب إلى الإمارات في الوقت الحالي.

إذاً، التّصعيد الأميركيّ مع حلف الخليج تجاه اليمن قابلته رسالة “ألوية الوعد الحق”. ومما يفهم منها، أنَّ محور المقاومة ليس صامتاً إزاءَ ما يحدث، إنما ينتظر الإشارة الجيوسياسية المناسبة لرفدها بخطوات عسكريّة تقلب المشهد وتعيد ترتيب الأوراق لمصلحته.

ما يؤكّد هذه الفرضيّة هو أنّ كتائب حزب الله باركت العملية، وكذلك عصائب أهل الحق، كما أنَّ التصريحات الإيرانية التي أعقبت هذه الخضات في المنطقة لها ما لها من دلالات، إذ صرح العقيد الطيار محسن حيدريان، قائد قاعدة الشهيد عبد الكريمي الجوية في بندر عباس، “أنَّ سماء الخليج وبحر عمان والمنطقة تتمّ مراقبتها على مدار الساعة من قبل القوة الجوية للجيش الإيراني”، وأضاف: “منطقتا الخليج وبحر عمان تحت المراقبة الدائمة، ولا يجرؤ أي عدو على الاقتراب من الأجواء الإيرانية”.

هذه الرسائل المكثّفة، سواء العسكرية أو السياسية، تأتي في سياق تشبيك واضح بين الساحات، وخصوصاً أنَّ قياديين في “أنصار الله” كتبوا في حساباتهم في “تويتر” أنّ المواجهة لن تكون مع صنعاء وحدها في حال حدوث أيّ اجتياح أميركي كبير لليمن.

هذا النوع من الرسائل المكثّفة مهمّ في صنع معادلة ردع تفهم واشنطن مغزاه جيداً، ومن المستبعد أن تذهب بعيداً وتتجاوزه، وهي المتورطة حالياً في الملفّ الأوكراني مع الروسي المتصلّب من أجل الحفاظ على مجاله الحيوي.

ثالثاً: هل ستقف السعودية والإمارات موقف المتفرّج؟
أعقبت عمليّة “ألوية الوعد الحق” على أبو ظبي تصريحات لمكوّنات عراقية تستنكرها، ما يشي باصطفاف واضح المعالم وصريح جداً مع الحلف السعودي، وهو ما يؤكّد المؤكّد بأنَّ السعودية والإمارات مدَّتا بعض المكونات السياسية في العراق بحظوظ حياة، مقابل أن تمدّهم تلك المكونات بدعم سياسي عند الطلب.

هذه الجزئية، وإن كانت تفرض مزيداً من الفوضى في الشأن العراقي الداخلي، وهو أصلاً ليس بخير، إلا أنَّ وضعه في سياقه على مستوى المنطقة يمكّن القارئ من فهم سطوته، فالفوضى النسبية الحاصلة في المشهد العراقي هي مايكرو لفوضى المنطقة، ولا يختلف هذا المشهد كثيراً عن الحالة اللبنانية أيضاً.

بهذا المعنى، تعمل السعودية والإمارات على التنفيس في ساحات أخرى، إذا ما فشلتا في ساحة اليمن. طبعاً، أستدرك هنا لأقول: في الأهداف الكبرى، كما في تركيع الحوثي مثلاً، فشل البلدان، وهما يعلمان ذلك، لكن حتى الفشل التكتيكي على مستوى معركة هنا أو اختراق هناك، فإنهما يعملان على تنفيسه في ساحات خارج اليمن.

رابعاً: ما هي مآلات التشبيك؟
تتمثّل مآلات التشبيك بإرسال رسائل متعددة من محور المقاومة إلى حلف أميركا ودول البترودولار، لعلَّه يفضي إلى تقدم الخطوة العمانية إلى الأمام واجتراح قناة تبريد للساحة قد تكون ممهّدة لحل سياسي، فتصريحات وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي لموقع “مونيتور” قبل أيام تشي بالكثير، إذ قال: “إن تصنيف حركة أنصار الله منظمة إرهابية يقوّض جهود الحل السياسي”.

وأضاف البوسعيدي إنّ “أنصار الله جزء من الحلّ، وتصنيفهم جماعة إرهابية يقوّض جهود إحضارهم إلى طاولة المفاوضات”، معتبراً أنهم “عنصر مهم في الحل في نهاية المطاف، ويجب إشراكهم والاعتراف بهم كعنصر مهم مثل المكونات الأخرى في اليمن”.

واللافت أنه طالب الأطراف المعنية بوقف إطلاق نار في اليمن بشكل تامّ، من أجل “البدء بمهمة إصلاح الضرر الإنساني الذي لا يُحصى”، مضيفاً: “ربما لا يكون عزل أيّ طرف أو تصنيفه ضمن هذه الفئة مفيداً، ولن يحقّق ما نريد جميعاً أن نراه، وهو إنهاء هذا الصّراع”.

ويعتقد البوسعدي أنّ القرار الأميركي المرتقب الذي عاد التلويح به مجدداً على لسان الرئيس جو بايدن قبل أيام، بعد مطالبات إماراتية ودولية، سيؤدي إلى “تقويض الجهود السياسية لإحضار أنصار الله إلى طاولة مفاوضات السلام، وإيجاد تسوية سياسية للأزمة والحرب المتواصلة في اليمن للسنة السابعة على التوالي”، بحسب ما جاء في المقابلة.

وقوبلت عُمان باستهجان من المحور السعودي. وفي هذا السياق، ولنفهم أكثر تشابك المساحات، فإنَّ القيادي في “أنصار الله”، محمد البخيتي، كتب في صفحته في “تويتر” في الخامس من الشهر الجاري: “استهداف عمان هو استهداف للسلام، لأنها الدولة الوحيدة المؤهلة لأداء دور الوسيط بين كلّ الأطراف”.

وبما أنّ عمان تعتبر خط الرجعة للسياسات الخاطئة في المنطقة، والبوابة الخلفية لواشنطن لحل أيّ أزمة وتبريد أي تأزيم، ولا سيّما أن اليمن جارتها، وهي تعتبر أن ثمة مؤثرات ترتد على مسقط بشكل أو بآخر، فقد تعامدت المصالح العمانية مع الواقع السياسي المستعر، إضافةً إلى رغبة واشنطن في تخفيف التوتر مع محور المقاومة. من هنا جاء التحرك العماني الخجول، لعلَّه يفتح مساحة ضوء، ولو صغيرة، في نفق الحرب المظلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى