“نيويورك تايمز”: معتقلون سعوديون يسعون لشراء التأثير في واشنطن لمواجهة بن سلمان
الثلاثاء, 19 مايو 2020 - 8:18 م
0 111
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في تحقيق مطول لها أن عدداً من كبار السعوديين المسجونين وحلفائهم، الذين خلصوا إلى أنه من غير المحتمل أن يفرج عنهم من خلال التماس مباشر مع حكومتهم، يقومون بدفع قضاياهم في واشنطن، بما في ذلك من خلال توظيف جماعات ضغط لها صلات في مدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
يأتي هذا الأمر غير المعتاد الذي ينشر فيه السعوديون علناً الانقسامات العميقة للأسرة المالكة في لحظة صعبة بالنسبة للمملكة وزعيمها الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يتوقع أن يصعد إلى العرش بعد وفاة والده المسن، الملك سلمان، 84 عاماً. فالأمير محمد، 34 سنة، يكافح من أجل توجيه بلاده في ظل الانكماش الاقتصادي الناجم عن فيروس كورونا، بينما يواجه مخاوف جماعات حقوق الإنسان التي تسببت فيها جزئياً موجات من اعتقال عشرات من أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال والحكومة والناشطين والصحافيين.
وفي محاولة واضحة منهم لاستغلال الوضع، اتصل حلفاء للعديد من السعوديين في الأسابيع الأخيرة بمحامين ومستشارين في واشنطن بشأن حملات قانونية ومجموعات ضغط وعلاقات عامة للضغط من أجل وضع حد لما يقولون إنه اضطهاد سياسي من قبل المملكة.
ووقع شريك سابق للأمير سلمان بن عبد العزيز بن سلمان آل سعود يوم الجمعة على اتفاقية بقيمة 2 مليون دولار مع روبرت ستريك، أحد جماعات الضغط في واشنطن والمرتبط جيداً بدوائر السياسة الخارجية لإدارة ترامب، “للدعوة للإفراج” عن الأمير.
والشهر الماضي، وقع باري بينيت، عضو جماعة الضغط والاستراتيجي الجمهوري الذي قدم المشورة لحملة ترامب لعام 2016، عقداً مع عميل له روابط مع أمير مسجون كان منافساً كبيراً للأمير محمد بن سلمان.
وظهرت أميرة مسجونة أخرى، الأميرة بسمة بنت سعود، ابنة الملك الثاني للمملكة العربية السعودية، مع مناشدات للإفراج عنها من الحجز، في حين تواصل ممثلوها بهدوء هذا الشهر مع المحامين والاستشاريين في واشنطن ولندن بشأن حشد الدعم لقضيتها.
على الرغم من السياسات التي أثارت مخاوف دولية بشأن قيادة الأمير محمد بن سلمان – بما في ذلك التدخل العسكري السعودي في اليمن، وقتل الكاتب السعودي المنشق جمال خاشقجي في عام 2018 على أيدي مسؤولين سعوديين وحرب أسعار النفط هذا العام مع روسيا، فقد حظيت الحكومة السعودية بدعم قوي من البيت الأبيض. إذ أقام الأمير محمد علاقات وثيقة مع ترامب وصهره جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض. كما زادت الحكومة السعودية من ميزانيتها الضخمة للعلاقات العامة وجماعات الضغط منذ مقتل خاشقجي.
وكشفت الصحيفة أنه مع ذلك هناك قلق متزايد في الكونغرس وفي بعض أركان البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية، من ولي العهد، الحساس للغاية لصورته على المسرح العالمي.
ويأمل حلفاء أولئك المسجنونين، وممثلوهم في واشنطن، في استغلال هذا الوضع للضغط على إبن سلمان للإفراج عنهم من خلال مزيج من الضغط، وجهود العلاقات العامة لتسليط الضوء على مخاوف حقوق الإنسان والإجراءات القانونية المحتملة في المحاكم الدولية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الجهود.
وتشير الملفات المقدمة من شركة الاستشارات للسيد ستريك، سونوران بوليسي غروب Sonoran Policy Group، إلى وزارة العدل الأميركية بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب إلى أن الشركة ستضغط من أجل إطلاق سراح الأمير سلمان مع حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي. وزبون العقد، الذي يستمر ستة أشهر، هو هاشم موغال، وهو باكستاني مقيم في باريس وصف في التسجيلات بأنه “مساعد كبير سابق” للأمير سلمان.
كان الأمير سلمان من بين 11 أميراً قُبض عليهم في كانون الثاني / يناير 2018. وبررت الحكومة السعودية الاعتقالات أنذاك بأنها نتيجة احتجاج غير قانوني، لكن تفاصيل الاعتقال ومكان وجود الأمير سلمان لا تزال غامضة.
يقول المقربون من الأمير سلمان إنه قضى قرابة عام في سجن الحائر المشدد الحراسة خارج الرياض، العاصمة السعودية، ثم نُقل إلى الإقامة الجبرية في فيلا في الرياض مع والده، الذي كان محتجزًا أيضاً، قبل نقله مرة أخرى هذا العام.
ويعتقد الناس أن الأمير محمد بن سلمان كانت تدفعه الغيرة تجاه الأمير سلمان، وهو رجل أعمال ملياردير محب للخير متعلم في جامعة السوربون، سافر حول العالم لبناء علاقات مؤثرة. والأمير سلمان من فرع ثانوي من العائلة المالكة، لكنه متزوج من ابنة الملك الراحل عبد الله، ويقال إنه ضغط من أجل إطلاق سراح ابن عم قوي له، هو الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير، الذي انتقد إبن سلمان.
وأكد ممثل أسرة الأميرة بسمة أنه هو وأحد أقارب الأميرة اتصلا بمكاتب محاماة في واشنطن ولندن بشأن العمل من أجل إطلاق سراحها. لكنه قال إنهما لم يتمكنا من توظيف أي شركة لأن الحكومة السعودية جمدت حسابات الأميرة بسمة المصرفية بعد ظهور طلبها للإفراج عنها على “تويتر”.
ولم ترد السفارة السعودية في واشنطن على طلب تعليق “نيويورك تايمز” بشأن الأميرة بسمة أو الأمير سلمان أو غيرهما من السعوديين المسجونين.
يمتلك ستريك بعض الخبرة في تمثيل منافسي محمد بن سلمان، بعد أن عمل سابقاً للضغط في عام 2017 لصالح محمد بن نايف، الذي كان ولياً للعهد وأولاً في الطابور لتولي العرش قبل أن يتم دفعه جانباً واحتجازه في وقت لاحق من قبل الأمير محمد.
سعد بن خالد الجابري هو من كبار مستشاري محمد بن نايف في الرياض. في الشهر الماضي، استأجرت شركة يسيطر عليها أحد أبنائه، خالد الجابري، وهو أخصائي أمراض القلب مقيم في تورونتو في كندا، شركة الضغط التابعة للسيد بينيت، مستشار حملة ترامب السابق، للضغط من أجل “هجرة رعايا أجانب لأسباب إنسانية”، وفقاً لإيداع تسجيل الضغط الذي لا يشير إلى الجهة التي تطلب الهجرة أو لماذا.
وفي حين أن استعداد السعودية لإنفاق عشرات الملايين من الدولارات سنوياً على ممارسة الضغط جعل بعض شركات واشنطن تشعر بالقلق من تمثيل منتقديها، فإن شركة بينيت تمثل بالفعل قطر، المنافس الإقليمي للسعوديين.
وقد اكتسب ستريك سمعة لتمثيل الشخصيات الدولية التي يتجنبها العديد من جماعات الضغط في واشنطن. في هذا العام وحده، وقع عقوداً لتمثيل إيزابيل دوس سانتوس، ابنة الرئيس السابق لأنغولا التي اتهمت باختلاس ملايين الدولارات من شركة نفط حكومية كانت ترأسها ذات مرة، وإدارة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، التي تعتبرها إدارة ترامب غير شرعية.
كان ستريك يمثل حكومة مادورو كمقاول من الباطن لشركة محاماة. أنهت شركة المحاماة تمثيلها للإدارة الفنزويلية بعد أن كتب السيناتور ريك سكوت، وهو جمهوري يمثل فلوريدا، وهو معارض قوي للرئيس مادورو، مهدداً بعزل مكتب المحاماة لتمثيله مادورو.
للسيد ستريك علاقات مع شخصيات رئيسية في مدار السيد ترامب. وقد عمل مع رودولف جولياني، المحامي الشخصي للرئيس، أثناء التحقيق في اتهامه بجهود كسب الأعمال مع الحكومات الأجنبية، بما في ذلك البحرين. وهو قريب من كريستن فوتنروز، التي كانت المسؤول الرئيسي في مجلس الأمن القومي للسيد ترامب الذي يتعامل مع السياسة الأميركية تجاه السعودية قبل استقالتها في أواخر عام 2018.
كانت السيدة فونتينروز قد ضغطت من أجل إصلاحات من الحكومة السعودية رداً على مقتل السيد خاشقجي، ولكن كان معروفاً أنها تفاوضت مع مستشاري الأمير محمد. بعد استقالتها، ذهبت للعمل في شركة السيد ستريك قبل قبولها منصباً يدير مبادرة “سكاوكروفت للشرق الأوسط” في المجلس الأطسي للأبحاث.
قالت السيدة فونتنروز، التي لا تعمل نيابة عن أي سعودي محتجز، إن الضغوط التي يمارسها الأمير محمد من بعض النواحي تجعل هذا “الوقت المناسب للضغط عليه” للإفراج عن السجناء. لكنها أشارت إلى أن جماعات الضغط والمحامين الأميركيين قد يواجهون صعوبة في إقناع إدارة ترامب بـ”السبب الجذري ليصبح ذلك أولوية عندما يكون لدى الولايات المتحدة والسعودية العديد من الموضوعات الأخرى” ذات الاهتمام الجيوسياسي الأكثر إلحاحاً.
تكهن البعض في واشنطن والرياض بأن الأمير سلمان ربما يكون قد أغضب ولي العهد السعودي بسبب اجتماعه في الأسابيع التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة مع النائب آدم بي شيف، وهو ديمقراطي يمثل كاليفورنيا، الذي كان من أبرز منتقدي ترامب، ولاحقاً مدير قضية مساءلته.
كما ورد أن الاجتماع شمل أحمد خواجة، وهو رجل أعمال لبناني أميركي، اتُهم في كانون الأول / ديسمبر بالعمل كقناة لأكثر من 3.5 مليون دولار من تبرعات الحملات غير المشروعة لشراء الوصول والتأثير في واشنطن – في البداية مع هيلاري كلينتون وحلفائها الديمقراطيين خلال حملة عام 2016، ثم مع ترامب بعد فوزه في الانتخابات – لكسب “تأييد” و”دعم مالي محتمل” للإمارات العربية المتحدة، الحليف السعودي المقرب.
سعى ممثلو الأمير سلمان للحصول على دعم القادة الغربيين خارج الولايات المتحدة، بمن في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وأثار مسؤولون من البرلمان الأوروبي مخاوف بشأن اعتقال الأمير سلمان ووالده في رسائل إلى المفوضية الأوروبية والأمير محمد.
وكتب مارك تارابيلا، نائب رئيس وفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع شبه الجزيرة العربية، في رسالة إلى أحد قادة الاتحاد الأوروبي: “ما زلت واثقاً من أن الإفراج سيكون له تأثير إيجابي على علاقات البرلمان الأوروبي مع السعودية”.