مقالات

صنعاء أخرى.. عدن ثانية! بقلم| حسن عبدالوارث

بقلم| حسن عبدالوارث

صار الفارق فاحشاً وسفيهاً بين مستوى الفقر ومنسوب الثراء في هذا البلد.
ملايين يبحثون عمَّا يسُدّ رمقهم في براميل القمامة، فيما حفنة من الكائنات الآدمية تتضخم ثرواتها على نحوٍ خيالي، وهذا أحد تجليات الحرب التي لا أمل في نهاية قريبة مأمولة لكوارثها وتبعاتها على الإطلاق.

ظلّ كثيرون يسمعون ويقرؤون ما يتردد عن هذي الفئة الغاشمة المُسمّاة: تجار الحروب، أولئك الذين يحصدون ثروات طائلة ومكاسب هائلة من وراء معاناة البلاد والعباد أثناء الحروب في كل زمان ومكان، أولئك الذين يتاجرون – بالضدّ من حلال الشرع وجواز التشريع – في كل الاحتياجات الضرورية للناس، من غذاء ودواء ووقود وخدمات أساسية، عدا متاجرتهم بالسلاح وأدوات وأغراض شتّى تحتاجها سوق الحرب وشهوات المتحاربين.

غير أن ما نشهده اليوم من نماذج أولئك التجار فاجع. فقد نقلت هذه الحرب الملعونة عدداً غير قليل من متواضعي الدخل، وربما الشحاذين، أو من هم في حكمهم إلى خانة الهوامير وقوائم الحيتان. وهؤلاء من موظفي الدولة والقطاع الخاص على السواء. فأينما يمّمت وجهك شطر صنعاء أو عدن أو سواهما لقيت عدداً ليس بمحدود من المطاعم الفاخرة والمولات العامرة والمحلات المزدهرة والعمارات والفيللات.

ولست تتلقى إجابة شافية وافية إذا ما سألت: لمن هذا أو هذي؟ كيف أمتلكها ومتى؟ إلاَّ إذا حصلت على معلومة عن شأنه قبل الحرب وبعدها، إذ كان زيرو فصار هيرو، فلكل وضع مختل حيتانو وهواميرو.
بعدها تقسم بأغلظ الأيمان أنك لست في صنعاء.
ثمة صنعاء أخرى تماماً في هذه الصنعاء التي كنا نعرفها قبل الحرب. صنعاء لا تمت إلى هذي المدينة العاصمة بأدنى صلة، ولا إلى ناسها وناموسها.
صنعاء أخرى مصنوعة من لحمنا ودمنا، ومُشادة على عظامنا ونعوشنا، ومزخرفة بأوجاعنا المتزايدة كل يوم. صنعاء أخرى تتصاعد وتتسلق كأشجار اللبلاب من باطن القبور المبقورة بصورة يومية ودرامية.

تخرج من جيفة الحرب النتنة لتنشر جراثيمها في الهواء العطن، الذي كان نقياً تقياً قبل هذي الحرب الملعونة.
صنعاء أخرى تماماً. أخرى جداً. أُخرى وأَخرى.
وفي عدن ثمة عدن ثانية. حيث سطت كاسحات مسلحة، حاقدة وجاهلة على سواحل هذه المدينة الاستثنائية حتى في وجعها الأسطوري، وعلى جبالها وترابها المترامي الآمن منذ قرون، حتى ضاقت المدينة على نفسها.

ثمة عدن اليوم ثانية غير التي عرف التاريخ، وعرفت الجغرافيا منذ زمن بعيد. يمن
لا رحابة حواليها للمتنفسات والمتنزهات الطبيعية التي ظلت تُزنّرها لعقود عديدة.
ثمة من “حرَّر” عدن من الإطلالات الجميلة والظليلة.
لا صنعاء اليوم في صنعاء. لا عدن في عدن. ثمة جهل فقط، وحقد فقط، وسلاح في الأيدي والرؤوس!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى