مع انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، ظهر سؤال مهم: بعد التعافي من العدوى، هل الناس محصنون؟.
ويعد هذا السؤال هاما لفهم من يمكنه العودة إلى العمل بأمان، وكذلك لفهم المدة التي من المحتمل أن تستمر فيها أسوأ آثار الوباء. ولأن الفيروس جديد للغاية، فإن الإجابة ليست مفهومة بالكامل.
ولكن حتى الآن، يقول العلماء إن SARS-CoV-2 ربما يحفز المناعة مثل فيروسات كورونا الأخرى. وهذا يعني أن جسم الإنسان يحتفظ على الأرجح بذاكرة للفيروس لبضع سنوات على الأقل، ما يحميه من الإصابة مرة أخرى، على المدى القصير.
وقال نيكولاس فابريت، أستاذ الطب المساعد بكلية Mount Sinai Icahn للطب والمتخصص في علم الفيروسات والمناعة: “ليس لدينا أي سبب لافتراض أن الاستجابة المناعية ستكون مختلفة بشكل كبير”، عما هو موجود مع فيروسات كورونا الأخرى.
ومع ذلك، أشارت الدراسات حول SARS-CoV-2، حتى الآن، إلى أن الاستجابة المناعية للفيروس تساهم أيضا في التأثيرات المدمرة للمرض لدى بعض الأشخاص.
الاستجابة المناعية لفيروس كورونا
قال بنجامين تينيفير، أستاذ علم الأحياء في كلية Mount Sinai Icahn للطب، إنه عندما يهاجم فيروس خليته الأولى في الجسم، فإن لهذه الخلية وظيفتين قبل أن تموت. وتحتاج الخلية المصابة إلى إصدار إشارة للتعزيزات، وإرسال سلسلة من الإشارات الكيميائية التي ستنشط جيشا من الخلايا المناعية للقتال ضد الفيروس الغازي. وتحتاج إلى إصدار تحذير للخلايا الأخرى حولها لتحصين نفسها، وهو ما تفعله عن طريق إطلاق بروتينات تسمى إنترفيرون.
وعندما تهبط الإنترفيرون على الخلايا المجاورة، فإنها تحفزها على الدخول في وضع دفاعي. وتبطئ الخلايا من عملية التمثيل الغذائي، وتوقف نقل البروتينات والجزيئات الأخرى حول المناطق الداخلية، وتبطئ النسخ، وهي العملية التي تصبح بها التعليمات الجينية، بروتينات وجزيئات أخرى.
وفي دراسة مقبولة لمجلة Cell، وجد تينيفير وزملاؤه أن SARS-CoV-2 يعمل على حجب إشارة الإنترفيرون، ما يعني أنه يعبث بالوظيفة الثانية للخلية. لذا فإن المهمة الأولى – إطلاق الإنذار لتقوية جهاز المناعة – تعمل بشكل جيد، ولكن الخلايا في الرئتين لا تدخل في وضع دفاعي وبالتالي تظل عرضة للعدوى الفيروسية.
وفي حديثه مع “لايف ساينس”، قال تينيفير: “إنه يواصل التكرار في رئتيك ويتكاثر، طوال الوقت الذي تستمر فيه في إطلاق الإنذار للحصول على مزيد من التعزيزات”.
ولدى كثير من الناس، حتى هذه الاستجابة المناعية المعطلة كافية للتغلب على الفيروس. ولكن لأسباب غير مفهومة تماما، يدخل بعض الأشخاص في حلقة مفرغة. وبينما يستمر الفيروس في التكاثر، يبدأ “جيش المناعة” الذي يحاربه في القيام بعمله: مهاجمة الخلايا المصابة، وهضم البقايا والمواد الكيميائية التي تطلقها الخلايا الميتة، وحتى قتل الخلايا المجاورة في محاولة لوقف الضرر. ولسوء الحظ، إذا استمر الفيروس في اختراق خلايا الرئة، فقد يتسبب هذا الجيش في أضرار أكثر من النفع. وتصبح أنسجة الرئة ملتهبة بشكل ميؤوس منه، وتبدأ الأوعية الدموية بتسريب السوائل إلى الرئة. وقال تينيفير إن هذا هو السبب في أن بعض الناس يصابون بمرض شديد بعد أسبوعين من إصابتهم الأولى.
ونظرا لكون النظام الذي يستدعي جيش الخلايا المناعية، يعمل بشكل جيد، يبدو من المحتمل أن الناجين من “كوفيد 19” سيحتفظون بالحصانة ضد الفيروس. وبالفعل، وجدت الدراسات مستويات عالية من الأجسام المضادة لـ SARS-CoV-2 لدى المرضى المتعافين مؤخرا. والأجسام المضادة هي بروتينات تصنعها خلايا الجهاز المناعي تسمى الخلايا البائية، حيث تلتصق في الدم بعد العدوى ويمكن أن ترتبط بالفيروس، إما بإبطال مفعوله مباشرة أو وضع علامة عليه لتدميره بواسطة خلايا مناعية أخرى.
وعلى سبيل المثال، قامت دراسة أجراها الباحث تشن دونغ من معهد علم المناعة وكلية الطب بجامعة Tsinghua في بكين، بتحليل دم 14 مريضا بفيروس كورونا، الذين عانوا من أعراض خفيفة نسبيا بعد 14 يوما من الخروج من المستشفى. ووجد الباحثون أن 13 منهم أظهروا مستويات عالية من الأجسام المضادة لـ SARS-CoV-2، ما يشير إلى الحماية المناعية من الإصابة مرة أخرى. وقُبلت النتائج للنشر في مجلة المناعة.
إلى متى ستستمر مناعة “كوفيد 19″؟
انتشر فيروس كورونا الجديد بين المضيفين البشر، منذ 5 أو 6 أشهر فقط، ما يعني أنه لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت المناعة ضد المرض تستمر لفترة أطول من ذلك. وقال دونغ لـ”لايف ساينس” عبر البريد الإلكتروني، إن مدة استمرار الحصانة سؤال كبير.
وكتب موضحا: “وفقا لنتائجنا، يمكننا فقط أن نؤكد أن مرضى “كوفيد 19″ يمكنهم الحفاظ على المناعة التكيفية لـ SARS-CoV-2 لمدة أسبوعين بعد الخروج من المستشفى”.
وقال فابريت إن الأدلة من فيروسات كورونا الأخرى تشير إلى أن المناعة ربما تستمر لفترة أطول من ذلك. وبالتعاون مع زملائه في Mount Sinai، روبرت سامستين وميريام ميراد، قاد فابريت طلاب دكتوراه وباحثين بعد الدكتوراه في محاولة لمراجعة الكم الهائل من أبحاث علم المناعة، التي ظهرت حول فيروس كورونا في المجلات العلمية وعلى خوادم ما قبل الطباعة، التي تستضيف الأوراق العلمية قبل مراجعة الأقران.
وتشير دراسات البروتينات وعلم الوراثة الخاصة بـ SARS-CoV-2 إلى أن الفيروس يبدو أنه من المحتمل أن يؤدي إلى استجابة مناعية طويلة المدى مماثلة لتلك التي تسببها فيروسات كورونا الأخرى، مثل السارس لعام 2002، أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسي (MERS) .
وقال سامستين إن الأبحاث التي أجريت على السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، تشير إلى أن بعض مستويات مناعة الأجسام المضادة تستمر لمدة سنتين أو 3 سنوات على الأقل، وتبدأ في التقلص تدريجيا بمرور الوقت.
وينتج الجهاز المناعي أيضا نوعا من الخلايا المناعية يسمى الخلايا التائية الخاصة بالفيروس، استجابة لعدوى كورونا. وقال كل من فابريت وسامستين، يُعرف القليل عن الخلايا التائية مقارنة بالأجسام المضادة، لأنه من الصعب العثور عليها في الدم. ولكن، يبدو أن فيروسات كورونا الأخرى تؤدي إلى إنتاجها، ويبدو أن هذه الخلايا التائية تستمر لسنوات في تلك الحالات. ووجد الباحثون في إحدى دراسات السارس المنشورة في مجلة Vaccine أن خلايا الذاكرة التائية، تستمر لمدة تصل إلى 11 عاما بعد الإصابة.
وفي نهاية المطاف، ما يزال الباحثون غير متأكدين من مستوى الذاكرة المناعية طويلة المدى بما يكفي للحماية من عدوى فيروس كورونا في المستقبل. وقال فابريت وسامستين إنه ليس من الواضح حتى ما إذا كان شخص لديه مناعة يمكن أن ينشر العدوى للآخرين أثناء محاربة العدوى الثانية. وقالا إنه إذا كانت الاستجابة المناعية قوية بما يكفي لمحاربة الفيروس بسرعة، فمن المحتمل أن الشخص لن ينقله أكثر من ذلك.
ومع ذلك، فإن عدم اليقين هذا لا يقلل من آمال اللقاح. وتتمثل إحدى فوائد اللقاحات في أنه يمكن للباحثين محاكاة البروتينات الفيروسية، التي تؤدي إلى الاستجابة المناعية الأكثر فعالية. وبالتالي، يمكن أن يؤدي التحصين في كثير من الأحيان إلى مناعة تستمر لفترة أطول من الحصانة الناتجة عن الإصابة بالمرض.