المجاعة تطرق الأبواب.. يمنيون يعيشون على الخبز والشاي فقط
صنعاء – مراد العريفي
تقتصر معظم وجبات اليمنيين، خصوصا في الأرياف، على تناول الخبز والشاي، فمن النادر أن تحوي على خيارات أخرى. هذا ما قاله منير محمد، المعلم في مدرسة ريفية بمحافظة ذمار، وسط اليمن، الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
ويقول محمد، بسبب الحرب وإيقاف صرف الرواتب منذ نهاية 2016، وارتفاع الأسعار، فإن الكثيرين باتوا يعتمدون على الخبز والشاي خصوصا في وجبتي الفطور والعشاء، والمحظوظ منهم من يستطيع شراء البقوليات”.
ويعيش السكان في المناطق الريفية في فقر مدقع نتيجة غياب فرص العمل، ويعتمدون بشكل أساسي على السلال الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، لكنها مؤخرًا باتت تفتقر إلى أصناف أخرى من المواد مثل البقوليات وزيت الطهي والسكر.
ويقول محمد “كلنا نعيش على المساعدات، لولاها لصار الوضع معقدا، فكيس الدقيق (50 كيلو جراما) لا يكفي أسرتي مدة 3 أسابيع، وسعره 17 ألف ريال (28 دولارًا) وأنا لا أملك مصدر دخل إلا راتبي المنقطع الذي يصلني منه 60 ألف ريال (100 دولار) طيلة العام”.
ما الذي سبب المجاعة في اليمن؟
وفي مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، تراجعت قيمة العملة المحلية أمام النقد الأجنبي إلى مستوى قياسي، إذ يعادل الدولار 1700 ريال، مرتفعًا من 215 ريالًا نهاية العام 2015، بينما يستقر في مناطق سيطرة الحوثيين عند 600 ريال.
وفي بلد يستورد قرابة 90% مما يستهلكه، ارتفعت أسعار السلع إلى مستويات قياسية، ليدفع الوضع الجديد اليمنيين في مناطق سيطرة الحكومة إلى مظاهرات دائمة تطالب الحكومة والتحالف بمنع حدوث مجاعة.
ويقول طلال، وهو عامل بالأجر اليومي في مدينة تعز، إن الاحتجاجات لم تعد تشكّل أي ضغط على الحكومة التي يتهمها بالفساد وعدم المسؤولية، بل صارت وسيلة لتنفيس غضب الناس.
ويضيف عجزنا، ولا ندري ما الذي يمكن أن نفعله، أتقاضى 3 آلاف ريال (قرابة دولارين) إذا صادفت عملا، وهذا المبلغ يؤمّن بالكاد رغيف الخبز فقط لأسرتي”.
وكانت الغرفة التجارية والصناعية بالعاصمة المؤقتة عدن، قد حذرت في بيان لها، من وصول البلد إلى حافة مجاعة، إن لم يُتدارك الوضع الاقتصادي وتُتخذ معالجات صائبة لشُح المخزون السلعي الناتج عن التدهور المتسارع في قيمة العملة المحلية.
هل وصل اليمن للمجاعة فعلًا؟
ووفق المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، ريم ندا، فإن 16 مليون يمني يعانون من الجوع، منهم 5 ملايين يعيشون في ظروف قريبة منها.
وقالت ندا، إن بقية اليمنيين الآخرين (30 مليونا حسب تقديرات سكانية) يواجهون صعوبة في تحمل تكلفة توفير الغذاء المستمر في الارتفاع بسبب انهيار العملة المحلية، إذ ارتفعت أسعاره إلى نحو 60% هذا العام و300% عما قبل اندلاع الصراع.
ولم تُعلن المجاعة في اليمن بعد، رغم أن هناك 5 ملايين يعيشون على بعد خطوة منها، فتصنيف أي منطقة بأنها تعيش ظروف المجاعة له علاقة بعدد الوفيات ومعدلات سوء التغذية، وبسبب الصراع فإن هناك صعوبة في التحقق من تلك الظروف، بحسب ندا.
ما الذي يمكن فعله؟
قالت ندا إن الأزمة الاقتصادية لا تجعل من السهل على الأسر إطعام أطفالها، “هناك أشخاص يعيشون على الخبز فقط، بما في ذلك الذين يتلقون المساعدات من برنامج الأغذية، رأينا ذلك بأعيننا”.
وأضافت أن البرنامج قدم مساعدات غذائية ونقدية لـ 13 مليون شخص، وخلال العام الجاري قدم المانحون مليار و200 ألف دولار، لكن هذه التبرعات لا تكفي، حيث يحتاج البرنامج إلى 800 مليون دولار خلال الأشهر الستة القادمة ليحافظ على المستويات الحالية ويمنع تدهور الوضع.
وقالت ندا “لا ينبغي للمجتمع الدولي انتظار إعلان المجاعة في اليمن أو مناطق معينة فيها ليبدأ التحرك، لا نريد أن نرى الأطفال يموتون جوعا حتى نعمل لإنقاذهم”.
ما الذي يعوق تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن؟
وفق خطة الاستجابة الإنسانية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) للعام الحالي فإن 20.7 مليون يمني صُنفوا بأنهم بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.
وقال مكتب “أوتشا” على موقعه الإلكتروني، إن المانحين الذين تعهدوا في سبتمبر/ أيلول الماضي، بتقديم المزيد من الموارد لتعزيز الاستجابة الإنسانية في اليمن، قدموا 55% فقط من 3.85 مليارات دولار، وطالب المانحين بدفع ما تعهدوا به وتقديم تمويلات إضافية.
ومن غير الممكن تدارك ما يحدث في اليمن دون التوصل لحل سياسي ووقف إطلاق النار، “وما دام الصراع مستمرًا، سنستمر في رؤية احتياجات إنسانية هائلة في اليمن”، حسبما قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ديفيد غريسلي في وقت سابق.
أسوأ استجابة لأسوأ أزمة عالمية
ووفق تقرير بحثي حديث نشره مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية (غير حكومي) فإن اليمن يشهد أسوأ استجابة لأسوأ أزمة إنسانية في العالم، رغم أن الصراع في اليمن جذب قدرا هائلا من الاهتمام، مما جعل مستوى تمويل الاستجابة هنا، هو الثاني في العالم بعد سوريا.
وترجع المنظمات الأممية فشل الاستجابة إلى بيئة العمل الصعبة، أو القيود التي تفرضها السلطات، أو انعدام الأمن، أو عدم كفاية التمويل.
وطالب التقرير المنظمات الإنسانية بالإقرار بأن الاستجابة الإنسانية الحالية في اليمن دون المستوى الأمثل، وبدء تحليل شامل بهدف إنشاء استجابة أكثر ملاءمة واستهدافا، تأخذ في الاعتبار الأسباب الجذرية للأزمة.
وأوضح أن النجاح الذي حققته الاستجابة الإنسانية هو تسجيلها أفضل حملة جمع تبرعات جمعت أكثر من 17 مليار دولار بين عامي 2015 و2020. لكن بدل تنظيم الاستجابة ومعالجة أوجه القصور في النظام، كان التركيز بشكل كبير على جمع الأموال فقط، وفق الجزيرة نت.