بعد معركة مأرب.. هل توقف السعودية حربها على اليمن؟ بقلم| شارل أبي نادر
بقلم| شارل أبي نادر
بمعزل عن التطورات الميدانية الأخيرة على جبهة مأرب، وخصوصاً في المنطقة الجنوبية الشرقية للمدينة، وتحديداً في منطقة البلق الشرقي التي حرّرتها يوم أمس الأربعاء وحدات الجيش واللجان الشعبية، تمرّ السعودية، كقائدة للعدوان على اليمن منذ 7 سنوات ونيف، بمرحلة مصيرية حسّاسة أصبحت تحتاج إلى قرار سريع وجريء بوقف هذه الحرب والبحث فوراً عن حلٍّ سياسيٍ يحفظ حقوق كلّ المكونات اليمنية، ويحفظ أيضاً ما تبقّى لها من موقع عربيّ إقليميّ، إذا ما أرادت الحفاظ عليه.
وفي حين لم يعد الموضوع يحتمل تأخيراً أو إضاعةً للوقت – في نظر أغلب المتابعين المحايدين – نظراً إلى ما ينتظر هذه المواجهة التي تشغل العالم حالياً من تطوّرات دراماتيكية واضحة للعيان ومنتظرة ومؤكدة، تتمحور حول سقوط مرتقب للعدوان، وعلى رأسه السعودية، من المفيد الإضاءة على هذه المعطيات التي أصبحت تستوجب وقف العدوان من تحالف عدواني عربي مدعوم غربياً ضد أبناء اليمن الصامدين المدافعين عن وطنهم وسيادتهم وحقوقهم.
في المعطيات الميدانية، بعد التقدّم الأخير على أبواب مأرب الجنوبية الشرقية في منطقة البلق الشرقي، أصبح الدخول إلى المدينة وتحريرها كاملة منتهياً من الناحية الميدانية والعسكرية. وانطلاقاً من هذه الثغرة التي فُتحت جنوباً، باتت الوحدات التي تمركزت فيها، تستطيع أن تنفّذ أكثر من مناورة ناجحة تخدم معركة تحرير المدينة، منها التقدم بشكل مباشر إلى مداخل المدينة، وقطع مفرقها عن طريق صافر حضرموت، ومنها التقدم غرباً بموازاة سفوح البلق الشرقي، وفصل مداخل مأرب عن طريق مديرية الجوبة نحو البيضاء وشبوة، والضغط على نقطة الفلج وعزلها عن مديرية الوادي، ومنها التقدم باتجاه الشمال الشرقي نحو حقول النفط المنتشرة جنوب شرق صافر، وفصل مأرب عن حضرموت والعبر ومعبر شرورة السعودي.
الأمر الحسّاس في دخول وحدات الجيش واللجان اليمنية إلى منطقة البلق الشرقي، أنه يتواكب مع وضعية ضاغطة على الجبهات الأخرى من اتجاه غرب مأرب وشمال غربها وجنوب غربها، بمستوى الضغط والتركيز والحشد نفسه. ومع تضعضع وحدات العدوان والمرتزقة في البلق الشرقي، والمعطيات التي يتم تداولها عن انهيارات وفرار في صفوف مقاتلي هؤلاء، فإنّ كلّ الاحتمالات لفتح أكثر من ثغرة نحو المدينة من الجبهات المذكورة واردة وممكنة بشكل كبير. وربما بين ساعة وأخرى، نجد سيطرة على مناطق أخرى أقرب من البلق الشرقي عن المدينة، نظراً إلى الجهود الضخمة لوحدات حكومة صنعاء، التي تتمركز بشكل هجومي، وتقف على أهبة الاستعداد لتنفيذ الاختراقات النهائية لأبواب مأرب.
في المعطيات العسكرية، ما نلاحظه مؤخراً لناحية التساقط اللافت لعدد كبير من الطائرات المسيرة السعودية (الأميركية والصينية الصنع)، هي التاسعة حتى الآن في وقت لم يتجاوز الشهر إلى الوراء، وحيث تتخصّص هذه الطائرات المُسقَطة في مهمة الرصد ومراقبة جبهة الدفاع عن مأرب، فإنَّ إمساك هذه الجبهة من قبل العدوان أصبح غير مؤمّن بالشكل المطلوب عسكرياً لتأمين مدافعة معقولة.
من هنا، رأينا هذا الاندفاع الناجح لوحدات الجيش واللجان على جبهة البلق الشرقي، متجاوزة التغطية الجوية التي لطالما استطاعت سابقاً منع هذا التقدم. هذا الانخفاض الحاد لمستوى الرصد والمراقبة الجوية لدى العدوان، لم يعد مقتصراً فقط على البلق الشرقي أو على الجبهة الجنوبية لمأرب، بل أصبح ينسحب على كل جبهات المدافعة عن المدينة، نظراً إلى الفعالية الصادمة لصواريخ الدفاع الجوي اليمنية التي دخلت مؤخراً بشكل كثيف إلى المعركة، والتي ما زالت غير معروفة، ويعطيها المتحدث العسكري العميد سريع اسم “سلاح مناسب”.
في المعطيات الاستراتيجية الدوليّة، وتحديداً في علاقة العدوان بالأميركيين وبعض الدول الغربية الداعمة أساساً له، فإن الحراك المعارض لمتابعة تزويد السعودية بأسلحة هجومية يتطور ويتصاعد. وحيث تتوسع في الكونغرس الأميركي الجبهة المعارضة لتنفيذ صفقات الأسلحة التي وقّعتها السعودية مؤخراً مع الإدارة الأميركية (صواريخ جو- جو وتجهيزات عسكرية أخرى بقيمة 650 مليون دولار)، فإنَّ حراكاً مشابهاً بدأ يظهر بشكل واضح في دول أوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يتّجه أيضاً نحو التصويب على مسؤولية حكومات تلك الدول في تزويد السعودية والإمارات بأسلحة وتجهيزات عسكرية ساهمت في تدمير اليمن وإسقاط عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين من المدنيين الأبرياء.
في المعطيات اليمنيّة الداخليّة لناحية القبائل التي تحيط بمنطقة مأرب ومديرية الوادي، والتي ما زالت لوحدها غير محررة، فإنَّ هذه القبائل أدت دوراً أساسياً ومهماً حتى الآن في تدعيم معركة التحرير وتثبيتها وإنجاحها. وبعد اكتشاف هذه القبائل ضعف موقف العدوان ومرتزقته عسكرياً وقانونياً وإنسانياً وسياسياً، أصبح من المستحيل ابتعادها (قبائل محافظة مأرب) عن توجهات حكومة صنعاء وموقفها وموقعها؛ هذه الحكومة الوطنية التي أثبتت لهذه القبائل، ولكلّ أبناء اليمن، حتى الجنوبيون منهم، أنّها الجهة الشرعية الوحيدة الداخلية والقادرة على حماية سيادة اليمن وحقوقه بكامل مكوناته ومجموعاته ومناطقه، وأنَّ للعدوان أجندة خارجية بعيدة كل البعد عن تأمين مصالح أبناء اليمن وحماية شرعية سلطتهم، كما ادعوا في بداية عدوانهم.
وهذه الأجندة المتعلّقة بالتحديد بمشاريع أميركية وإسرائيلية، والمعنيّة بالسيطرة على موقع اليمن الاستراتيجي وإدارته والتحكّم فيه، لما له من قدرة على التأثير في الصراعات الدولية والإقليمية، انكشفت بشكل واضح، ولا يمكن بعد اليوم تغطيتها وجرّ أية جهة من أبناء اليمن إلى موقع الداعم أو المؤيد لهذا العدوان.
انطلاقاً من كلّ هذه المعطيات الميدانية والعسكرية والاستراتيجية، والتي أصبحت تحيط بمسار العدوان على اليمن وتضغط على قادته، وتحديداً على السعودية، إضافةً إلى التغير الواضح والمتدحرج في موقف أغلب المكونات اليمنية الداخلية ونظرتها، ومنها تلك التي اتكأ عليها العدوان في بداية الحرب لتغطية عدوانه، لم يعد أمام السعودية مجال لمتابعة هذا العدوان الظالم، وأصبح عليها لزاماً، ولمصلحة ما تبقى لها من موقع وحضور ومصالح، أن توقف هذه الحرب اليوم قبل الغد، وتسهّل التسويات السياسية العادلة لكلِّ أطراف اليمن ومكوناته، لتحديد وتثبيت علاقة سيادية كاملة تتضمّن كلّ عناصر السيادة والعلاقات الندية بين الدول، بين اليمن وكل جيرانه من الدول العربية، وتحديداً مع السعودية.