30 نوفمبر.. بأي حال عدت يا عيد الجلاء البريطاني عن عدن؟
تعز – سامي عبدالعالم
شكل الـ30 من نوفمبر 1967، نقطة مفصلية في تاريخ جنوب اليمن.
غير أن هذا الجزء من اليمن الذي غادرته بريطانيا الاستعمارية، ظل في صراعات داخلية حتى يومنا، كجزء من المشكلة اليمنية شمالًا وجنوبًا، المتفاقمة حاليًا أكثر من أي وقت فات.
بعد 54 عامًا على جلاء آخر جندي بريطاني عن عدن، تعيش المدينة أوضاعًا متدهورة،، فيما عادت الهيمنة البريطانية عليها بواجهة إماراتية.
كما عادت الصراعات الجهوية في الجنوب لتعيث في عدن، وتعوق استقرار أوضاع المدينة كعاصمة مؤقتة لليمن.
منذ احتلال بريطانيا لعدن عام 1839، ولقرابة 100 عام، ظلت المدينة محكومة كجزء من الهند البريطانية.. وفي 1937 أصبحت عدن مستعمرة تابعة للتاج البريطاني مباشرة.
تداخلت عوامل متعددة منتصف القرن العشرين، ومع موجة الثورات التي اجتاحت المنطقة والعالم، وكان لمصر دور في تعزيز المزاج الشعبي في عدن نحو الاستقلال.
خطابات عبدالناصر وإذاعة القاهرة
وفقًا للمصادر التاريخية، تأثر سكان عدن بخطابات الزعيم جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن العشرين، وكان لعبدالناصر خطاب شهير ألقاه في الجماهير اليمنية في محافظة تعز التي زارها عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، قال فيه عبارته التاريخية الشهيرة: “على بريطانيا أن تأخذ عصاها وترحل عن عدن”.
كما شكلت إذاعة القاهرة، وبما كانت تبثه من الأغاني الثورية المناهضة لسياسات بريطانيا الاستعمارية، دورًا في تأجيج المشاعر الوطنية والقومية ضد الاحتلال البريطاني.
ناصر: محال على بريطانيا التفرقة بين يمنيين ويمنيين
عام 1964، قام رئيس جمهورية مصر وقتها الرئيس جمال عبدالناصر، بزيارة تاريخية إلى اليمن.
ومما قاله عبدالناصر خلال زيارته، إن اليمن كانت “معين الثورة ضد الطغيان وضد الاستبداد وضد السيطرة”.
في تعز ألقى ناصر خطابه الشهير، وقال إن عدن والجنوب أرض عربية، وأنه من المستحيل على بريطانيا أن تفرق بين عرب وعرب أو يمنيين عن يمنيين.
وأضاف: “إن بريطانيا التي تنظر إلى ثورتكم بكراهية وحقد، يجب أن تحمل عصاها على كتفها وترحل من عدن. إننا نعاهد الله على هذه الأرض المقدسة، أن نطرد بريطانيا من كل جزء من الوطن العربي”.
كان خطاب ناصر تاريخيًا بكل معنى الكلمة، وكان له تأثير عميق في عدن والجنوب. ومما قاله في خطابه الشهير بتعز: “لقد بذلنا الدماء وضحينا بالأرواح وحققنا النصر، وسنبذل الدماء ونضحي بالأرواح ونحقق النصر في اليمن كما حققناه في مصر”.
في تعز خاطب عبدالناصر الجماهير اليمنية: “رأيت الشعب اليمني فيكم اليوم تتمثل القوة والعزة والثورة والحرية.. هذا الشعب اليمني الذي صمم على الحرية فثار ونصره الله.. وحقق له العزة والكرامة والحرية”.
في مايو 1964، لقي عشرات الجنود البريطانيين مصرعهم، كان ذلك مؤشرًا عن إرادة أبناء الجنوب اليمني في التحرر من الاستعمار البريطاني والثورة التي اندلعت من ردفان.
الخطاب التاريخي لجمال عبدالناصر، ذكَّر الشعب اليمني بماضيه ونزعته للحرية، حتى تكالبت عليه الإمامة الغاشمة لتكبيله. وكان خطابه موجهًا لليمنيين في الشمال والجنوب.
أشعل خطاب عبدالناصر جذوة الثورة ضد الاستعمار البريطاني، في خطابه قال إن “اليمني دائمًا رافع لواء الحرية في مشارق الأرض ومغاربها، حتى تكتل عليه الأئمة، فأذاقوه سوط العذاب، وحبسوه بين حدوده، ومنعوه من أن ينشر رسالة الحرية والإسلام في العالم. فهل استكان الشعب اليمني؟ أبدًا لم يستكن الشعب اليمني، بل ثار دائمًا على الذل والعبودية، وعلى حكم الاستبداد وحكم الإرهاب، حتى قامت طليعة الشعب اليمني في يوم 26 سبتمبر 1962، قامت لتدك معالم الظلم، ولتدك الرجعية والاستبداد، وأراد الله لها أن تنتصر، فانتصرت، وكان انتصارها انتصارًا لكم جميعًا. أنتم شعب اليمن الذي صمم دائمًا على الحرية، فقاتل وكافح دائمًا من أجل الحرية”.
أساس لوحدة اليمن
شكل خطاب الزعيم جمال عبدالناصر الذي ألقاه في مدينة تعز، أساسًا لوحدة اليمن، وليس فقط استمرارًا لمناهضة الاستعمار البريطاني في الجنوب.
في خطابه، قال عبدالناصر: “أنتم شعب يمني واحد، أراد الاستعمار أن يفرق بينكم، وأراد أن يجعلكم شيعًا وأحزابًا، ولكن إرادة الله وإرادتكم كانت فوق إرادة الاستعمار، ولم يفلح الاستعمار ولم تفلح الرجعية في أن تقسمكم وأن تفرق بينكم.
واليوم نحن نعلنها للجميع بأن بريطانيا ومنذ عدة أشهر ترسل الأسلحة لكي تضرب ثورتكم، ولكن الأسلحة لم تستخدم ضدكم، بل ارتدت إلى صدور الاستعمار وإلى أعوانه. لن نمكن الاستعمار من أن يبقى في أي جزء من أرض الأمة العربية، ولا بد للاستعمار ولا بد لبريطانيا التي تنظر إلى ثورتكم بكراهية، لا بد أن تحمل عصاها وتخرج من عدن”.
مخطط اتحاد الجنوب العربي لتقويض مطالب الاستقلال
كانت عدن مدينة مختلفة عن باقي مدن ومناطق اليمن، وكانت قد تشكلت فيها منظمات مجتمع مدني، وكان تدفق أبناء الشمال نحو عدن، العامل المؤثر في إثارة قلق الاستعمار البريطاني، مما دفع بريطانيا لإعلان مخطط جديد يهدف لتمزيق اليمن وضمان انقسامه.
بحسب مصادر تاريخية، أعلنت بريطانيا مشروع ما يسمى اتحاد الجنوب العربي، وهو “اتحاد فيدرالي يجمع 15 سلطنة منتشرة في أرجاء المستعمرة، أملًا في تخفيف حدة المطالب الداعية للاستقلال الكامل”.
الجبهة القومية تنسلخ عن جبهة التحرير
بحسب مصادر تاريخية والعديد من الكتابات لمناضلين شاركوا في ثورة 14 أكتوبر 1963، فقد أسهمت “عوامل عديدة في تعجيل خروج الاستعمار في نهاية نوفمبر من عام 1967، بعد 4 سنوات من الكفاح المسلح المتدحرج من السرية إلى العلنية، وما تخلله من تباينات بين فصائل الكفاح المسلح، دفعتها إلى التصادم والاقتتال أكثر من مرة، والالتهاء عن العدو الأكبر المتمثل في الاستعمار البريطاني، ليكون العام 1967 فاتحة خير لتكتل القوى الوطنية بقيادة الجبهة القومية، وبعد قرار الجبهة القومية الانسلاخ عن جبهة التحرير، والعمل بشكل مستقل، ما ساعدها على الارتقاء بالعمل الفدائي إلى مستوى المجابهة اليومية المباشرة مع قوات الاحتلال في عدن، اعتبارًا من مطلع 1967، مرورًا ببعثة الأمم المتحدة في أوائل أبريل 1967، وتحرير كريتر لمدة 15 يومًا في 20 يونيو 1967، وإقامة سلطة الجبهة القومية في الأرياف ومحاصرة مدينة عدن وتحريرها نهائيًا وانتزاع الاستقلال والحرية في 30 نوفمبر 1967”.
جبهة التحرير
وفق المصادر “ظهرت حركات مقاومة مثل جبهة التحرير القومية المدعومة من المصريين، وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل المختلفة في التوجهات عن السابقة، وأعلنت حالة الطوارئ، في 10 ديسمبر 1963 عندما ألقى عناصر من جبهة التحرير القومية قنبلة أدت إلى مقتل المندوب السامي البريطاني. واستمرت هجمات الفصائل حتى انسحبت القوات البريطانية عن عدن في 30 نوفمبر 1967، قبل الموعد المقرر من قبل رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون، وقامت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” بحسب المشاهد.