ما يجري علينا.. وكيف الخلاص بقلم| نصر صالح
بقلم| نصر صالح
من نافل القول، أن ما يجري علينا هو حصة اليمن من مخطط «الشرق الأوسط الجديد/ الكبير» (الذي وضعته «إسرائيل» وأمريكا). والجميع يعرف أن دول الخليج اخذت على عاتقها مهمة تنفيذ حصة اليمن من المخطط بجيوشها مباشرة، على عكس ما قامت وتقوم به مع بقية الدول التي يضربها المخطط (تجنيد وتمويل الجماعات التكفيرية دون أن تتورط بجيوشها مباشرة في الحرب). ولم يعد خافيا على أحد ان هذا المخطط بدأ تنفيذه مطلع العام2011 (ماسمي بالربيع العربي) في عموم دول جمهوريات العرب التي عقيدة جيوشها القتالية مبنية على العداء لـ «لإسرائيل» وعلى وجوب تحرير فلسطين المحتلة من المغتصب الإسرائلي الصهيوني. وأسلوب المخطط – كما هو معروف – نشر ما أسماه الأمريكيون «الفوضى الخلاقة» وركيزة هذه الفوضى تعتمد على التقاتل الذاتي (أي أن يقتل الناس بعضهم دون أن يخسر الغرب جنوده في المعركة، وهو ما يعرف بحرب الجيل الرابع). وكما بات معروفا أيضا، أن المهمة أوكلت لنظيم الأخوان المسلمين واجنحته العسكرية في كل بلد عربي ومعه الجماعات التكفيرية الأخرى (الوهابية السلفية)، فيما أوكل التمويل والتحريض لدول الخليج. ومعروف أن القاعدة هي من صنع امريكا والسعودية وبتمويل سعودي قطري وإماراتي (كما تشارك في التمويل بقية دول الخليج بنسب متفاوته). نشرت إعترافات بذلك من قبل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق والرئيس ترامب الرئيس الأمريكي السابق والأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة السعودية، وكان ولي العهد السعودي قد قال لواشنطن بوست الأمريكية عام 2018 ان السعوديين أنشأوا القاعدة بطلب أمريكي مطلع الثمانينان وأطلقوها على القوات السوفياتية التي كانت تتمركز في أفغانستان لحماية ودعم الحكم اليساري فيها آنذاك، وذلك في إطار الحرب الباردة بين العملاقين السوفيتي والإمريكي. وكذلك داعش هي من صناعة الأمريكان وممولة خليجيا، وقد صرح الرئيس السابق ترامب مرات عدة أن الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما ومعه سكرتيرة العلاقات الخارجية كلينتون قد أشرفا على تأسيس داعش وإطلاقها في العراق وسوريا قبيل الخروج الأول للقوات الأمريكية من العراق.
وأما مخطط الشرق الأوسط، بحسب ما صار معلوما أيضا، فقد وضعته الولايات المتحدة و«إسرائيل».
وفي أوج عنف هيجان 2011م في اليمن، بعد مرور حوالي 9 أشهر على بدايته، كان تدخل الملك عبدالله آل سعود (رحمه الله) شخصيا «لتليين» تنفيذ حصة اليمن من المخطط (تدمير الأسلحة الصاروخية والجوية للجيش اليمني وتفتيته لإضعافه عن طريق ما أسمي بالهيكلة بدون حرب حقيقية) وذلك من خلال «المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية» في أواخر نوفمبر 2011م.
لكن الموقف السعودي تبدل بعد وفاة الملك عبد الله، لا سيما بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في أغسطس/ سبتمبر 2014م. فتدخلت هذه الدول بجيوشها مباشرة، في 26 مارس 2015م، لسبب أنها كانت مقتنعة أن الحكم الجديد في صنعاء لن يلتزم بالقرار السعودي (المعزز بضوء أخضر أمريكي) والقاضي ببقاء مخزون حقل الجوف/ مأرب/ شبوة مدفونا تحت الأرض دون استخراج واستثمار، نظرا لأن الخبراء أكدوا ان مخزونه الهائل من الضخامة بحيث يحتوي وحده ما لدى دول الخليج مجتمعة من النفط والغاز. وطبعا تعتبر دول الخليج ذلك تهديدا خطرا لمركزها الإقتصادي بل وربما أكثر.. بخاصة إذا أضفنا إليه مساحات كبيرة من مخزون النفط والغاز الواعد الموجود تحت البحر في شمال سقطرى وفي خليج عدن والذي عليهما أيضا حظر استخراج (من قبل الخليج أيضا ربما) . وزد على ذلك موقع ميناء عدن الاستراتيجي المهم المنافس الأكبر لموانيء المنطقة (والذي يتم محاربته وعرقلة نشاطه – للإسف – من الداخل والخارج منذ 1967م).. وفوق كل ذلك فقد تعهد المحتل الخليج باستجلاب قوات “إسرائيلية” إلى بعض الجزر اليمنية، ولتمكينها من السيطرة الجزئية أو ربما التامة على مضيق باب المندب الإستراتيجي والذي يمر منه ثلث الإقتصاد العالمي.
وواقع الحال، فالسعودية لها تاريخ تآمري طويل على اليمن، خاصة في مسألة النفط ومعارضة وعرقلة أو تحجيم استخراجه منذ منتصف القرن الماضي تقريبا عندما بدأ عصر الإزدهار النفطي فيها، وتحديدا بعد تأسيس شركة النفط العربية الأمريكية (أرامكو). ومن في عمر لا شك يتذكر أن بريطانيا في مطلع ستينات القرن الماضي كيف أنها ردمت آبار نفط بعد أن كانت قد حفرتها شرق البلاد ونجحت في استكشاف النفط فيها، والمعلومة هذه عرفتها (شخصيا) من أحد أصدقاء الطفولة والشباب (عبده مبارك موسى رحمه الله)، كان يعمل سائقا في شركة للتنقيب هناك في ذلك الوقت. وفي مطلع ثمانينات القرن الماضي شركة «اجيب» الفرنسية كانت حكومة الجنوب آنذاك قد أوكلت إليها التنقيب عن النفط في بحار قريبة من عدن، واول ما نجحت في اكتشافه أوقفت تعاقدها مع حكومة اليمن الديمقراطية، وغادرت البلد فجأة، واتهمت السعودية آنذاك أنها وراء المسألة (قيل أنها رشت مدير الشركة بمبلغ مغر وعوضت الشركة عن اتعابها وربما دفعت لها قيمة ما كان يمكن أن ينتظرها من أرباح بعد الإستخراج).
لكن، كل الكلام السالف لا شك أنه قد صار معلوما للكثيرين، إلاّ أنني ما أريد توصيله (بالتحليل) في الأخير إلى «تصور» سيناريو متعلق بالخلاص، وهو كما يلي:
أعتقد جازما أنه للخلاص؛ لا يكفي انتصار اليمن في هذه الحرب الجارية فقط (وطرد الإحتلال الخليجي وتثبيت إستقلال وطني دائم ورفص الوصاية الأجنبية)، وإنما يكون الخلاص النهائي بالخلاص من «إسرائيل» بالأساس وإستعادة دولة فلسطين العربية، وأعتقد أن ذلك يتحقيق بالإعتماد على قوة حزب الله (التي أثبتت جدارتها في اكثر من محطة) ومعه حركة المقاومة الفلسطينية وحركات التحرر الأخرى.. وكل محور المقاومة.
ولا شك، أن حزب الله قد راكم القوة اللازمة التي تؤهله لخوض الحرب الكبرى المنتظرة باقتدار (ومعه بقية حركات المقاومة في المنطقة، وكل محور المقاومة) ضد الكيان الصهيوني.. لكن، وكما يبدو فإن التأخر في خوضها – ربما – يكون للأسباب التالية.
1 – انه لم يتم – بعد – استكمال الوسيلة الفاعلة «لشل» فعالية طيران «إسرائيل» القوي جدا، الذي دون شك، قادر في أي حرب قادمة على تدمير ما تبقي للبنان من اقتصاد ومنشآت بنى تحتية، فيما لا يمتلك محور المقاومة الطيران النوعي الذي بمقدوره أن يغلب طيران العدو (روسيا لديها طائرات حديثة ومتطورة جدا، ودفاع جوي حديث فعال، واكبر غواصة نووية في العالم وأسرع وأفتك الأسلحة الصاروخية، لكنها لا تعطيها لمحور المقاومة، فهي للأسف ملتزمة ببقاء «إسرائيل»، رغم ما تقدمه من دعم عسكري سخي (نسبيا) لدول محور المقاومة).
2 – محور المقاومة، لعله لم يصل بعد إلى وسيلة مناسبة يستطيع من خلالها تحييد أو ضمان امتناع القوة الأمريكية والأوربية الباطشة من التدخل المباشر لنجدة «إسرائيل» وقت الضرورة (فهي ملتزمة بذلك).
3 – التوجس من إحتمال «طبازة» ما من قبل بعض حكام دول الخليج للمساعدة في نجدة «إسرائيل» الذين يجاهرون بوقوفهم في صفها والتطبيع معها، لكنني لا أستبعد أن لدى محور المقاومة من الوسائل المناسبة الكافية لردعهم إن فكروا بذلك. أمّا بعض اليمنيين الذين هم في صفهم، فأمرهم ليس صعبا إن فكروا هم أيضا بالمشاركة في هكذا «طبازة» مخجلة، غير انني أستبعد الأمر، ورهاني في ذلك أن فيهم من ستتحرك فيهم روح ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر المجيدتين، وسيجرون معهم البقية الباقية، دون ريب.
ربما تكون الأسباب أعلاه وراء تأخر حزب الله مع دول محور المقاومة في شن الحرب الأخيرة لتحرير فلسطين، وإعادة اليهود الصهاينة إلى دولاتهم الأم في أوروبا الغربية والشرقية وأمريكا.. وإلاّ فليس مثل هذا الوقت بالذات ما هو أنسب لشن الحرب الكبرى للخلاص.