مقالات

نعم للحب.. استجابة لدعوة رضية بقلم| عبدالرحمن بجاش

بقلم| عبدالرحمن بجاش

في بداية الحرب، وتقريبًا لسنتين أو أكثر، كنت كلما كتبت في عمودي اليومي “ن… والقلم” موضوعًا عن الحب، عن الموسيقى، عن أشياء جميلة التقطها من هنا وهناك، وتستحق أن تنقل إلى القارئ، دائمًا ما كنت أصادف في التعليقات من يقول لك صارخًا: “وهذا وقته؟!، هناك عدوان وأنت مشغول بمواضيع لا يليق أن تكتب عنها الآن”، كنت أصمت، إذ لم أجد لغة تستطيع أن تصل إلى المعترض، كونه معبأ في اتجاه ولا يرى من الحياة إلا جانبًا واحدًا، حتى جاء ذات صباح مَن عقب على الاعتراض، هكذا: “برغم الحرب فلا يمكن للحياة أن تتوقف”، وما قاله صحيح.

وانظر، حتى الحروب لها قوانينها، ففي باريس كانت ثمة مدرسة للموسيقى والحرب العالمية الثانية تطحن العالم، فاتفق المحاربون على ألا يمسوا تلك المدرسة، وكان الجنود من الطرفين كل صباح يقدمون الورود لطالبات المدرسة، وعلى الصعيد نفسه اتفق المتحاربون على تجنيب الآثار ويلات الحرب، بل إنهم اتفقوا على ألا يدخلوا المدن التي تعج بالمباني الأثرية والمتاحف وخلافه!

الحروب عادة تندلع من أجل أهداف تشكّل في الأخير مصالح لهذا البلد أو ذاك، وعندما تعجز السياسة عن الوصول إلى حلول على الطاولة ينتقل الصراع إلى الميدان، ثم يعود المتحاربون إلى الطاولة بعد أن تتغير الصورة على الأرض.

وهناك الحروب التي لا هدف لها، وهنا ينبري هذا النوع على أنه أقسى أنواعها، لأن لا إجماع وطني حولها، عكس تلك التي يلتف الناس جميعًا للدفاع عن الأوطان ….

سبع سنوات وهذا البلد يخوض حروبًا، وليست حربًا واحدة، حروب في كل الاتجاهات، ولا يبدو في الأفق ثمة مؤشر على نهاية لها، فقد امتلأ المشهد بأطراف يمنية تقف في وجه بعضها، وأطراف خارجية لها مصالحها، فتستفيد من هذا التشظي وتنفذ إلى أهدافها، إذن فهي حرب بالعموم عبثية لا تدري كيف ستنتهي وعلى أي أساس، في بلد كلبنان ظل يحارب بعضه 15 عامًا، وفي النهاية عاد إلى نفس الصيغة التي تطحنه الآن! ونحن إلى أين سنذهب؟ ذلك في علم الغيب.

سنوات سبع تطحن الناس، فلا مرتبات، ومعيشة غالية إلى درجة الإهانة للنفس، ومشاكل كثيرة، بلغ الوجع مدى غير معقول، وصار الكثيرون يكرهون أنفسهم… تأتي دعوة رضية المتوكل إلى الحب في وقتها، الحب هو آخر حصوننا، نلجأ إليها حتى لا نفقد ذواتنا.

دعوتها تذكرني بدعوة قبلها، لتلك الرائعة التي تركتنا في لحظة وجع كادت تفقدنا هدانا.

د. رؤوفة حسن، أو كما يحلو لي مناداتها: “رؤوفة”، قالت ذات مرة: “أرتاح عندما تناديني بدون الدال”، قلت: “لأنني أحس أنني قريب منك كإنسان”، برغم أنها كانت دكتورة بحق وحقيق، اسمها يشرف درجتها العلمية.

اتصلت بي ذات مساء: “مر عليّ صباحًا إلى المؤسسة في التحرير”.

كنت صباحًا أمامها، وعلى كوب قهوة تحدثنا، قالت بلهجتها الصنعانية التي أعشق: “ابسروا، أنا ملّيت كل شيء، لا فائدة، لا فائدة”. رؤوفة يئست، يا للهول، على طريقة عمنا يوسف وهبي.

“لم أيْئَس، ولكن إذا أظلمت فقف!

من اليوم أنت مكلف بإعداد كشف بأسماء زملائنا في المدرسة وفي المهنة، وسنترك كل شيء حتى ينجلي الغبار، سنبدأ نتصل ببعضنا، نسأل عن بعضنا، نخرج معًا، نتزاور، نريد أن نستعيد أنفسنا”.

وبالفعل عملت ما قالت، وبدأتُ بأن دعوتها إلى الغداء في البيت، فجاءت مبكرة؛ “حتى أرى أولادك وزوجتك وأعرفهم”، كان يومًا من أجمل أيام العمر، لم تغادرنا إلا في المساء مرتاحة مبتهجة.

لا أدري ما الذي حصل فجأة، غابت. ظهرت، هالني شكلها، غابت من جديد، سألت الأستاذ يحيى العرشي عنها، وجدته يسألني! حتى استلمت منها رسالة أرسلتها بالفاكس، قرأتها: “الزملاء في صحيفة الثورة، الزميل عبدالرحمن بجاش”، عندما أمعنت النظر في كتابة اسمي أيقنت أن يدها ترتعش، فهمت…

جاء خبر رحيلها صادمًا فاجعًا.

رضية المتوكل، أنا وكل موجوع مع دعوتك للحب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى