الريال في أسوأ حالاته ووضعه مرشحاً للانحدار.. هل نجح الحوثيون في سياستهم المالية وفشلت حكومة “المناصفة”؟
حيروت – عدن
يتهاوى سعر صرف الريال اليمني إلى مرحلة انحدار جديدة ما فاقم من الأوضاع المعيشية في البلاد، فخلال الأيام الماضية، شهدت العملة المحلية تراجعاً قياسياً جديداً، حيث بلغ سعر الدولار الواحد في المحافظات الواقعة تحت سلطة حكومة الرئيس هادي قرابة 1400 ريال، للمرة الأولى في تاريخ اليمن.
يأتي ذلك، في الوقت الذي استمر استقرار العملة في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة الحوثيين، منذ أكثر من عام، حيث يباع الدولار بـ 600 ريال. وأمام هذا التفاوت، بات سعر العملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أكبر من ضعف نظيره في المحافظات الواقعة تحت سلطة حكومة هادي.
هذا الانقسام والتباين في سعر العملة أدى إلى تداعيات سلبية أثرت على حياة المواطنين. على سبيل المثال، من يريد تحويل مبلغ مالي من مدينة عدن (جنوب) إلى العاصمة صنعاء (شمال)، ينبغي عليه دفع أكثر من المبلغ المحول، كعمولة تحويل بسبب فارق سعر الصرف بين المحافظتين.
وأدى هذا الأمر إلى تكبد المواطنين خسائر مالية كبيرة، جراء تباين سعر العملة، وعزوف البعض عن التحويل المالي من مناطق حكومة هادي إلى الأخرى الواقعة تحت سيطرة حكومة الحوثيين.
أما من يقوم بتحويل مبالغ مالية من صنعاء إلى مناطق عدن، فيقوم بتحويلها إلى الدولار أو الريال السعودي قبل إرسالها، كي يتم صرفها بما يعادلها بسعر العملة المحلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة هادي.
وأدى الانهيار الكبير في العملة إلى ارتفاع في أسعار مختلف المواد، بما في ذلك الغذائية الأساسية. وشكا مواطنون من تداعيات إنسانية خطيرة جراء ارتفاع الأسعار.
وقالت أم عبد الله، ربة بيت في مدينة تعز للأناضول، إن الأسعار أصبحت جنونية بشكل لا يوصف، مضيفة : “نذهب إلى السوق لشراء بعض مستلزمات البيت، فنعود ونحن نحمل كتلة كبيرة من الهم جراء الارتفاع الكبير للأسعار”.
وتابعت “خلال شهر واحد، ارتفعت الأسعار قرابة 30%، فيما الكثير من الناس دون سيولة مالية.. أصبحنا نفكر كثيرا في كيفية شراء المستلزمات الأساسية فقط.. كل شيء مرتفع، ولا وجود لأي حلول”.
وفي 13 أكتوبر الجاري، أعلن برنامج الأغذية العالمي ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن، بنحو 70% في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، منذ مطلع 2021، جراء تدهور العملة المحلية. فيما يرى مراقبون أن الأسعار قد ارتفعت بما يقارب 100%بالمناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، خلال عام واحد.
وفي ظل استمرار تدهور العملة، أصبحت الأسعار في مناطق حكومة هادي ضعف الأسعار في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الحوثيين. وأدى ارتفاع الأسعار، إلى اتساع المخاوف من تزايد حالات الجوع في اليمن الذي يعتمد معظم سكانه على المساعدات.
ويوم الجمعة الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن “دوافع أزمة اليمن، المتمثلة بالصراع والانحدار الاقتصادي، لا تظهر أي بوادر لتراجعها، ما يؤدي إلى تزايد الجوع”.
وأوضح البرنامج، في بيان مقتضب، “هذا يدفع العائلات في اليمن إلى اللجوء إلى تدابير قاسية، مثل أكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة”. وكان البرنامج نفسه قد دعا منتصف أكتوبر الجاري، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الجوع في اليمن.
وقال المواطن محمد علي سيف إن “الجوع يطرق أبواب الكثير من اليمنيين، وسط عجز واضح من قبل السلطات في معالجة أزمة ارتفاع الأسعار”. وأضاف أن “ثمة أسرا تعيش ظروفا أشبه بالمجاعة، حيث أصبح الشاي نوعا من الرفاهية، فيما شرب الماء النقي أصبح مقتصرا على بعض الأسر”.
وأدى تراجع سعر العملة، إلى احتجاجات في عدة مدن يمنية، ومطالب شعبية متكررة بضرورة علاج أزمة الريال، وسط تحذيرات من اتساع رقعة الجوع والفقر.
وسبق أن ناشدت حكومة هادي المجتمع الدولي بضرورة التدخل العاجل لوقف انهيار الاقتصاد والعملة، في مؤشر على عجز واضح في معالجة أزمة الريال.
ويشير تقرير حديث لمنظمات يمنية ودولية، إلى أن جميع أطراف الحرب في اليمن استخدموا التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، إذ أعاق سلوكهم بشكل كبير وصول المدنيين إلى الغذاء والماء، وقد قاموا بذلك بالرغم من علمهم الواسع بالوضع الإنساني المزري في اليمن، حيث كان الناس، بمن فيهم الأطفال، يموتون من الجوع.
ووثق التقرير تحقيقات ميدانية استمرت لمدة عام، كيف حرمت أطراف النزاع المدنيين من المواد الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، لافتا إلى أن الأسلوب الذي تم به تنفيذ الهجمات يشير إلى القصد في تدمير مصادر الغذاء مثل المحاصيل في الأراضي الزراعية والماشية، وكذلك إعاقة ترميم البنية التحتية وزراعة الأراضي في المستقبل بحسب العربي الجديد.