تقارير وتحليلات

هل نشهد ثورة عمالية تغير واقع العمالة لقرنٍ قادم؟

على نحو غير مسبوق، مضى عيد العمال هذا العام بلا تجمعات، وبلا احتفالات كما جرت العادة.

بشكل من الأشكال، يبدو الصمت الذي خيّم على أجواء اليوم الذي لطالما كان مناسبة سنوية لإعادة التذكير بحقوق العمال، محزناً، وإن كان متوقعاً في عالم يعاني من قطبه إلى قطبه من جائحة رمت بظلالها على جميع مناحي الحياة، وفرضت على البشرية جمعاء قواعد التباعد الاجتماعي.

حاولت بعض النقابات العمالية حول العالم إيجاد حيّز عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فدعت إلى أشكال مختلفة للاحتجاج والتعبير عن مطالبهم هذا العام.

فدعت نقابات شبابية فرنسية إلى إعطاء هذا اليوم زخماً جماعياً من خلال نشر اللافتات على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أعدت “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” في المغرب لمنتسبيها “برنامجاً الكترونيا” ليبث عبر “فيسبوك”. الأمر ذاته في تركيا حيث أعدّ الاتحاد العام لنقابات موظفي القطاع العام  “برنامجاً الكترونياً” ليبث على موقعه الرسمي.

إنها الكوميديا السوداء، أن يكون الوباء المسبب في معدلات بطالة مرعبة، ويتهدد الملايين بالجوع، ويعرض ملايين آخرين للاستغلال مع انعدام فرص العمل، هو أيضاً المسبب في تقويض حق العاملين في شتى القطاعات في التظاهر والتجمع في الساحات، وهم في أمس الحاجة هذا العام لإطلاق الصرخة دوناً عن كل السنوات السابقة.

بحسب منظمة العمل الدولية، سيواجه سوق العمل في العالم أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، فأكثر من 81% من القوى العاملة في العالم والبالغ عددها 3.3 مليار شخص، تضررت بسبب الإغلاق الكلي أو الجزئي لأماكن العمل في سبيل مواجهة وباء كورونا.

حيث أن قطاع الغذاء والفنادق، وقطلع البيع بالجملة والتجزئة، وقطاعي خدمات الأعمال والإدارة، والتصنيع، هي القطاعات الأربعة الأكثر تضرراً، وتشغل نحو 37.5% من التوظيف العالمي.

في ألمانيا وحدها، صرحت وزارة العمل بأنه في نيسان/ابريل الماضي، ارتفعت نسبة البطالة 13.2%. وهو رقم وإن كان يبدو صادماً في بلد هو الأقوى اقتصادياً في أوروبا، إلا أنه ينسحب على جميع الدول الرأسمالية، وليس فقط ألمانيا.

فمثلاً ارتفعت نسبة البطالة في اسبانيا إلى 14.4% بحسب التصريحات الرسمية في البلاد. وفي فرنسا، أكثر من 8 ملايين موظف في بطالة جزئية. وفي أحدث الاحصائيات في الولايات المتحدة، ارتفع مؤشر البطالة إلى 30 مليون شخص.

دراسات كثيرة أجريت خلال الأعوام الـ10 الأخيرة، أظهرت إحصائياتها أزمات الموظفين والعمال في الشركات التي يعملون بها. وتقول دراسة لمركز “بيو” الأميركي للأبحاث، أجراها عام 2017، إن مواليد الثمانينيات والتسعينيات، يتقاضون معدل أجور أقل بنحو 20% من تلك التي كان يتقاضاها أهلهم عندما كانوا في ذات أعمارهم.

وكذلك تقول دراسة أجرتها مؤسسة “غالوب” الاستشارية، إن 15% فقط من الموظفين يشعرون بارتباط بأعمالهم.

هذه الدراسات التي أجريت لأهداف اقتصادية بحتة، مهدت بشكل ما، إلى أن العمال الذين يشكلون الرافعة الأساسية للنهوض الاقتصادي، هم الحلقة الأضعف في سلسلة التغول الرأسمالي، وذلك مع انعدام الاستقرار المهني، وانعدام الأمن الوظيفي، والتجريد من الإنسانية، وكذلك تدني الأجور.

ربما، هذا العام هو الأنسب لإعادة إحياء قضية “هايماركت” التي أثارها العمال في شيكاغو ثم تورينتو بإضرابات واحتجاجات عام 1886 من أجل تحديد ساعات العمل بـ8 ساعات، والتي لا يعرف كثيرون أنها السبب في اختيار 1 أيار/مايو ليكون يوم العمال العالمي بعدما تجاوزت القضية أسوار أميركا إلى أغلب دول العالم.

نضال عمال قضية “هايماركت” أسفر في النهاية عن تغيير جذري في واقع العمالة حول العالم، لكن عمال تلك الحقبة كانوا يعانون من مشاكل مختلفة عن تلك التي يعاني منها العمال اليوم، والتي عرّتها أزمة كورونا بشكل فج.

فهل نشهد ثورة عمالية تغير واقع العمالة لقرنٍ قادم؟

المصدر :الميادين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى