الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

في ذكرى وفاة جمال عبدالناصر وذكرى الثورة.. سبتمبر يذكّرنا بمصر

صنعاء – سكينة محمد

في ذكرى الـ(51) لوفاة الزعيم جمال عبدالناصر، واحتفالاً بالعيد الـ59 لثورة الـ26 من سبتمبر/ أيلول 1962، يتذكر اليمنيون الدور الذي لعبته جمهورية مصر الشقيقة لمساندة الثوار اليمنيين، وقدمت دماء جنودها التي سقت هذه الأرض في سبيل صنع الضياء لسبتمبر مجيد. وفي مهمة وصفت دومًا بالمشرّفة، كانت ولا زالت مساندة مصر لثورة 26 سبتمبر محل تقدير عموم الشعب اليمني.

أول من أعترف بالجمهورية الجديدة
صبيحة الـ26 من سبتمبر/ أيلول 1962، بثّت إذاعة صنعاء قيام الثورة ضد الملكية، وإعلان “الجمهورية العربية اليمنية”، بعد أسبوع فقط من وفاة الإمام أحمد يحيى حميد الدين، متأثرًا بإصابته برصاص ثلاثة ثوار قبل ما يقارب العام: الهندوانة، اللُّقَيّة، والعلفي. سارعت حينها القاهرة للاعتراف بالدولة الجديدة في اليمن، وقرر على الفور الرئيس المصري آنذاك، جمال عبدالناصر، إرسال أنور السادات، وكمال رفعت، عضوي مجلس الثورة المصرية، لاستطلاع الموقف.

ويذكر د. كمال عامر، رئيس أركان مصري سابق، في مقال نشرته عدة صحف ومواقع عربية العام 2013، أنه لم يكن لمصر أي علاقة في تحديد موعد الثورة أو خطتها، وأن تشجيع مصر للثورة اليمنية جاء من منطلق مسئوليتها العربية القومية في تلك الأيام، لمساعدة الشعب اليمني ضد التخلف والقهر.

غير أن الضابط المتقاعد في الجيش اليمني، محمد حاج، أفاد بأن خطة الثورة كانت مُعدة مسبقًا وتم عرضها على القيادة المصرية ووافقت عليها، وأن الرئيس عبد الناصر بشر الثوار بالدعم، وكانت القيادة المصرية على تواصل مع تنظيم الضباط الأحرار ممثلًا بعلي عبد المغني. ويرى الحاج أنه لولا التشجيع المصري، لكان تأخر موعد الثورة لأعوام، ويوافقه الرأي الباحث اليمني عماد ربوان، بحسب خيوط.

ويضيف حاج أن مصر كانت تعتقد بأن المهمة في اليمن ستكون سهلة إلى حد ما، وأنها لن تحتاج إلى تدخل برّي كبير، كونها تصورت أن الدعم سيقتصر على الجانب السياسي واللوجستي فقط.

وصل الوفد المصري لدراسة الوضع وعاد إلى مصر بعد 63 ساعة قضاها في صنعاء، وبعدها تقرر إرسال ثلاث طائرات حربية، وفرقة صاعقة، وسرية من 100 جندي لحماية الجمهورية الوليدة ورئيسها العميد عبدالله السلال.

ويقول محمد حسنين هيكل، السكرتير الصحفي للرئيس عبد الناصر وصديقه في نفس الوقت، في كتابه “لمصر لا لعبدالناصر”، أن عبدالناصر كان يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوبًا بسرب قاذفات، يمكنه أن يحمي الجمهورية في اليمن.
وكان الأمير الحسن- عمّ الإمام البدر، عاد إلى المملكة العربية السعودية وأرسل دعمًا لقبائل شمال الشمال اليمني، فهاجمت الجيش الثوري على قِلته، ونتج عن ذلك مقتل علي عبد المغني؛ العقل المدبر للثورة. ونتيجة لذلك، طلب الرئيس السلال مساعدة أكبر من مصر، فوصل إلى اليمن عبد الحكيم عامر، نائب رئيس جمهورية مصر، وتواصل الدعم عبر ميناء الحديدة الذي سيطر عليه الثوار ضمن الخطة الثلاثية لنجاح الثورة. واستمر تدفق الجنود المصريين، ووصل إلى أكثر من 40 ألف جندي في خمسة أعوام.

دخول قوى إقليمية ودولية على خط المعارك

بدأت المعارك تشتد ضراوة بين القبائل الموالية للملكية، وقوات الجيش من الضباط الأحرار المسنودة بالقوات المصرية. وأعلنت المملكة العربية السعودية دعمها الكامل للملكية في اليمن، وأرسلت طائرتين لقصف القوات المصرية، فتمرد الطياران وهبطا في محافظة أسوان المصرية، كما أعلنت الأردن دعمها للملكية، وبالمثل فعلت بريطانيا، التي كانت حينها لا تزال تحتل الجنوب اليمني. وهكذا وجدت مصر نفسها في مواجهة إقليمية ودولية، مع انضمام إسرائيل لدعم قوات الملكيين.

وأحست حينها مصر أنها في مواجهة مصيرية لا بد أن تحافظ على سمعتها الدولية ولا بد أن يبدو الجيش أكثر تماسكًا وصلابة بوجه العدو الإسرائيلي، وبدت لها المعارك فوق توقعاتها، وخصوصًا مع زيادة تدفق الذهب لشراء ولاءات شيوخ القبائل وتقلّبهم المستمر بين الولاء للجمهورية والملكية.

يقول أحمد عبيله، وهو خبير استراتيجي مصري وباحث في مركز الأهرام للدراسات، أن حالة التشابك الإقليمي بين مصر والسعودية برزت بالتزامن مع ثورة 26 سبتمبر؛ إذ كانت لدى السعودية مخاوف من أن سياسة مصر تهدد الأنظمة الملكية في المنطقة، وكذلك بسبب موقع اليمن الاستراتيجي المطل على باب المندب. الأمر الذي دفع مصر لرمي ثقلها الكامل في تلك المعركة، ضمن مشروع مكافحة سلسلة الاستعمار الذي تبناه عبدالناصر في الستينيات.

ويضيف بلال الطيب، الباحث اليمني في ذات الشأن، أن “مزاجية اللاعب الأجنبي أسهمت في تعميق الفجوة بين الفرقاء”.

العملية 9000

9000، هو الاسم الذي أطلقته القوات المسلحة المصرية على عملياتها في اليمن، وتعتبره محطة مهمة في تاريخ الجيش المصري الذي استطاع تنفيذ خططه لدعم ثورة 26 سبتمبر. ويقول مصطفى حيدرة- طالب دراسات عليا في مصر- أن مصر كانت ولا زالت داعمة لليمن واليمنيين في كل المراحل، منذ قيام ثورة 26 سبتمبر إلى الآن.

أسس الدولة والتعليم في البلد

لم يقتصر الدعم المصري لثورة 26 سبتمبر ونظامها الجمهوري على التدخل العسكري فقط، بل دعمت التعليم الذي كان محدودً وتقليديًا للغاية، وساهمت في بناء الدولة وسدّ العجز الوظيفي في الأجهزة الحكومية، وساعدت في صياغة النظم التعليمية واللوائح الإدارية، وتنظيم التشكيلات العسكرية، وكرست دعمها إعلاميًا عبر إذاعة “صوت العرب من القاهرة”. أحدث كل ذلك توعية وصلت للمجتمع اليمني والعربي، وشحذت همم الناس لدعم الثوار وإذكاء روح الثورة. وكان لزيارة عبدالناصر في 23 إبريل/ نيسان 1964، لليمن، أثر في استقرار البلاد داخليًا وخارجيًا. وينوه د. إبراهيم نوار، خبير سياسي واقتصادي مصري، أن مصر دعمت اليمن في ستينيات القرن العشرين. لكن في مرحلة ما بعد الثورة، أصبحت اليمن ساحة للصراع، وأن أخطر ما في هذا الصراع، هو انفصال الدولة عن المجتمع، واستمرار ذلك الانفصال حتى أصبح أعمق وأشد، وأدى للحرب الدائرة الآن منذ سبع سنوات.

خسارة مصر في اليمن

يرى الباحث في تاريخ اليمن، عماد ربوان، أن مصر خسرت في حربها باليمن أكثر مما ربحت، وأن مشاركتها بقوات برية كانت سببًا مباشرًا لحدوث نكسة 67. وتؤكد ذلك النقاشات التي استضافتها الفضائيات العربية والمصرية عام 2015، عقب إعلان مصر انضمامها لـ”التحالف العربي” الذي تقوده السعودية والإمارات لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وتخوّفُ المصريين من الزج بجيشهم في حرب برية جديدة في اليمن.

ويضيف أحمد عبيله، أن ما خسرته مصر من جنود في اليمن، تعتبر أكبر خسارة في تاريخها العسكري خارج مصر، حيث بلغ عدد قتلى الجيش المصري في اليمن قرابة 20 ألف جندي وضابط، بحسب تقديرات متقاربة. واتهمت مصر حينها المرتزقة الأوروبيين الذين استدعتهم إسرائيل لقتال الجيش المصري في جبال اليمن. أثرت حرب الثماني سنوات خلال عقد الستينيات من القرن العشرين الماضي، على الاقتصاد المصري، ورفعت ديونه الخارجية، ومثلت حرب الاستنزاف تلك، خدمة جليلة لإسرائيل مكنتها من هزيمة مصر في حرب 67، وعقب ذلك استدعت مصر 15 ألف من جنودها المقاتلين في اليمن لتعويض النقص في الجنود لمواجهة إسرائيل.

ما بعد الانسحاب
بعد مساندة مصرية دامت خمسة أعوام لثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، تقرر انسحاب القوات المصرية من اليمن، فأحكمت القوات الإمامية-الملكية حصارها على صنعاء في ما عُرف بـ”حصار السبعين يومًا. غير أن تشكيلات عسكرية من الشباب الثوار والمقاومة الشعبية، كسرت ذلك الحصار في فبراير/ شباط 1968، مدعومين هذه المرة بصدق العزيمة والتوق لترسيخ دعائم الجمهورية بعيدًا عن أي تدخل خارجي.

ويقول عماد ربوان، أن “المصالحة” النهائية بين الجانب الجمهوري والجانب الملكي، انتهت بمكسب تاريخي لليمنيين تمثل بانتهاء حكم الإمامة، بعد أن خسرت مصر الكثير في سبيل ذلك، وهو يرى أن هناك “تهميشًا للدور المصري” حدث لاحقًا بصورة متعمدة. كما يعتقد ربوان أنه “لولا القوات المصرية المساندة لثوار سبتمبر 1962، لسقطت الثورة مثلما حدث في العام 1948″، وهذا أيضًا ما قاله أشد المعارضين للتواجد المصري في اليمن؛ مُحسن العيني (رئيس وزراء سابق لليمن).

وتقديرًا للدور المصري في دعم ثورة 26 سبتمبر، تمّ تخصيص نُصب تذكاري لشهداء الجيش المصري، غرب أمانة العاصمة صنعاء، وكانت توضع عليه أكاليل الزهور في كل عيد لثورة اليمن الأم، كما كان يشارك وفد مصري عسكري في إيقاد شعلة عيد 26 سبتمبر في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء، وظلّ تقليدًا سنويًا، حتى العام 2014 حين سيطرت جماعة أنصار الله (الحوثيون) على صنعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى