عدن.. أيقونة البحر مأساة الجغرافيا! بقلم| أنور العنسي
بقلم| أنور العنسي
كأنها الجزء الحميم الذي إنسلخ من الروح، أو التفاحة الكبيرة التي سقطت من يدي.
لماذا يقف هناك مسلحٌ مأجور ببندقية مستعارة ليحول بيني وبين المدينة التي أقام فيها خالي، وعاشت فيها أجمل أيامها جدتي،، ووري في ثراها جثمان جدي لأمي؟
من العبث الذي لم أر نظيراً له في التاريخ أن يلبس جاهلٌ لباساً غير لباس عدن، ويبدو بوجه يحمل سحنات كل البداوات والقبائل، لكن وجهه لا يحمل أي ملمح من عدن، ثم يتجرأ ويقول أنا عدن!
عدن .. أول مدينة في الشرق الأوسط شهدت رحلات طيران بينها وأوروبا والهند الصينية .. الأولى في المنطقة التي كان لها تليفزيون ودور سينما ومسرح ومكتبات ومتاحف تُزار.
عدن .. التي كانت تضم من المساجد والقباب والمزارات والكنائس والمعابد لكل المذاهب والديانات والطوائف مالم تحتضنه حينها أي مدينة أخرى في العالم.
لن تستطيعوا أن تمحو عدن من ذاكرة كل اليمنيين، إبتداءً من عمرو بن أبي ربيعة القائل خلال رحلته لزيارة أخواله
:
“تقولُ عِيْسِـي وقد وافيْــتُ مبتهـلاً
“لَحْجاً” وبانت ذُرَى الأعلامِ من “عدنِ”
أَمُنْتَهى الأَرْضِ يا هـذا تريــدُ بِنَـا؟
فَقُلتُ كَـلَّا، ولكـنْ مُنْتَهَـى “اليَمَــنِ”.
مروراً بمحمود درويش:
“ذَهَبْنَا إِلَى عَدَنٍ قَبْلَ تَارِيخنَا، فَوَجَدْنَا اليَمَنْ
حَزِيناً عَلَى امْرئِ القَيْسِ، يَمْضَغُ قاتاً, وَيَمْحُو الصُّوَرْ.
أَمَا كُنْتَ تُدْرِكُ، يَا صَاحِبِي، أَنَّنَا لاَحِقَانِ بِقَيْصَرِ هَذَا الزَّمَنْ؟”.
إلى أبي بكر سالم بلفقيه:
“يا طايرة طيري على بندر عدن”
“كل شي مقبول
كل شي معقول
إلاَّ فراقك ياعدن”!
وإلى أحمد بن أحمد قاسم:
“عدن .. عدن
يا ريت عدن مسير يوم
با اسير به ليلة وما با ارقد النوم”.
وغير هذا الكثير من معاني وهوَس اليمنيين والغربيين بيمنية ومدنية عدن، من البرتغاليين والرومان والهنود والأحباش إلى العثمانيين والانجليز وحتى مصر جمال عبدالناصر الذي قال “إن على بريطانيا أن تأخذ عصاها وترحل عن عدن”.
من أنت حتى تحتكر تمثيل عدن، وتحاصرها بأدعياء من محيطها، وتدعي التعبير عن مصلحتها أكثر منها، وتمنعها من تنفس بحرها، ومن تأمُّل وجهها في مرايا سمائها، وتحول بينها وبين استغلال مينائها للتجارة بين شرق العالم وغربه، وتقف دون جعلها سوقاً لأفضل الكفاءات والمؤهلين والباحثين عن فرص عملٍ لائقة ولقمة عيشٍ كريمة؟
كم يحز في نفسي أن تدفع عدن اليوم ثمناً لصراعات قبلية ومحلية وإقليمية لا دخل لها بها، ولا تحمل أي معنى لها أو حتى لغيرها سوى العدمية والجنون.
كم يؤلم أن (مدينة) عرفت (المدنية) قبل معظم المدن في المنطقة تتحول إلى مجرد (قرية) ليس هذا فحسب بل إلى قرية بلا كهرباء ولا خدمات أساسية، قرية مختطفة بيد مسلحين منفلتين يقتلك البعض منهم بالهوية، وبمجرد أن يكون في جيبك كمسافر بضعة دولارات، أو أن تكون قادماً من جهة لا يستطيعون بلوغها، والغريب كذلك أن يكون لهم جيش إليكتروني يهاجمك ببذاءة لمجرد أن تتحدث عن حبك لمدينة عدن!
يا هؤلاء الإخوة، احكموا سوقكم، إفتحوا الميناء والمطار، حافظوا على أمن المسالك والطرق، وستكتشفون أن مواردكم سواء في ظل الحرب أو بعدها من حركة أبناء شعبكم ستغنيكم، وستعفيكم من مذلة السؤال للآخر الغريب، وستجدون أنفسكم سعداء، تغنون وترقصون على ساحل أبين وشواطئ التواهي والبريقة وجولد مور بكل حرية، بجمال حقيقي، وبوطنبةً كاملة، وفي غنىً تام عن الاقتتال على ايقاعات الطبول البعيدة!