الوضع باليمن، وبالجنوب خصوصاً، والناجم عن تردي الأوضاع الخدمية ومخططات الحكومة اليمنية الموالية للسعودية والمسماة بـــ(الشرعية) الساعية لغزو حاضرة الجنوب عدن وغير ذلك من التحديات باتَ على فوهة بركان غضب شعبي عارم بوجه كل القوى الموجود هناك, وبالذات ضد وجود وفشل وفساد تلك الحكومة،بل وضد الوجود السعودي ذاته.
فالأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي غمرت مؤخراً عدد من المدن والبلدات وبالذات عدن ذات البنية التحتية والخدمية المتهالكة، وضاعفت من تردي الأوضاع، المتردية أصلاً قد تكون القشة التي ستقصم ظهر الوجود السعودي واعوانه وتطيح بحضورها العسكري ويقوض من وجودها السياسي (المرتعش) في قادم الأيام ، ونكئت – الأمطار والسيول- معها جراحات غائرة في قلوب السواد الأعظم من الناس، جراحات عمرها خمسة أعوام من المعاناة والإهمال واستشراء الفساد وسطوة الجماعات المتطرفة والفوضوية ومافيا الأراضي وسماسرة المحروقات والمضاربين بالعملات الأجنبية الذي يتملك تلك الحكومة برضاء وتشجيع سعودي- بحسب الاعتقاد السائد لدى قطاع عريض من عامة الناس والنخب السياسية-.فالمظاهرات الشعبية العارمة التي شهدتها وما تزال حتى مساء السبت عدن وبعض المحافظات الأخرى خير مؤشر على هذا السيناريو المتوقع لنهاية الوجود السعودي بعدن وبداية لتشكل خارطة سياسية وعسكرية جديدة في المدين باقي الجنوب، وتطيح بالقبضة السعودية أو تفقدها الكثير من قوتها، برغم أن كل القوى بالجنوب تبدو أسيرة لسحر المال والقرار السعوديين وسطوتهما، ولكن ثمة عامل حاسم يبدو أنه سيكون له القرار الفصل لدى هؤلاء جميعا، ونقصد هنا الغضبة الشعبية الجارفة التي تتشكل ككرة نار فوق رؤوس هذه القوى.
ففي الوقت الذي تتهم فيه الحكومة المجلس الانتقالي الجنوبي بأنه يُــعيق عملها في عدن بسبب منعه عودتها الى هناك, وهي العودة المشروط بتنفيذ اتفاق الرياض الذي ترفض تنفيذه برغم توقيعها عليه- وهو الاتهام الحكومي الذي يصعب تقبله، فالفشل الحكومي صار عنوانا لهذه الحكومة بالداخل والخارج وليس فقط في عدن التي يسيطر على الانتقالي الجنوبي ،بل وفي المناطق التي تزعم الحكومة أنها تسيطر عليها بقولها : أننا استعدنا 85% من الأراضي من يد الإنقلابيين. فهذه المناطق غارقة في خضم من الفوضى والفساد, معاناة الناس فيها بلغت مبلغا مهولا، كما هو الحال في البعثات الدبلوماسية بالخارج التي ينشب الفساد بمخالبه في ظهرها بقسوة، وكذا مخصصات الطلاب بالخارج, وأموال الجرحى في مشافي الداخل والخارج وغيرها من القطاعات الأخرى بالخارج التي يعبث بها الفساد بشكل مريع ولا توجد للمجلس الانتقالي أي حضور أو سلطة عليها حتى يمكن القول أن سبب فشل الحكومة، فأن المجلس الانتقالي من جانبه يلقي باللائمة على عاتق تلك الحكومة،وأحياناً على عاتق السعودية وسفيرها محمد آلــ جابر المتهم جنوبيا بموالاة فساد الحكومة واستفزازاته المتعمدة ضد الطرف الجنوبي وتعاطيه معه وكأنه مجرد تابع وملحق بمملكته وأن لا حول له ولا طول، وكذا على عاتق مَــن باتَ يُـــعرف بالأوساط الشعبية والسياسية في عدن بالمندوب السامي السعودي العميد مجاهد العُــتيبي،وأن كان انتقاد هؤلاء الأخيرين يتم على استحياء من قبل قيادات المجلس الانتقالي، فأن هذا الأخير يحمّــل تلك الحكومة كل ما يجري من دمار وفوضى ومعناة للناس بالجنوب، ومن فشل للحرب في الشمال، ومخططات هذه الحكمة لاجتياح عدن مرة أخرى.
نقول أنه برغم تبادل طرفي الصراع بالجنوب: المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية الموالية للسعودية، فأن كليهما لا يمتلكان القرار السياسي الى درجة يمكن تحميلهما المسئولية الكاملة عما يجري من فشل وفوضى باليمن وبالذات في عدن وعموم الجنوب، فالأمر يعود أولا وأخيرا للسعودية وسفيرها ومندوبها السامي، فهؤلاء هم الحكام الفعليين لعدن وللجنوب ولمأرب معقل الحكومة وحزب الإصلاح المهينة على تلك المدينة والحكومة، وبيدهما أي السفير والمندوب السامي الحل والعقد من مال وصولجان إن أردا لهذا الوطن المنكوب الخير والصلاح. صحيح أن تلك الحكومة تمتلك بيدها موارد هائلة فأنها لا تقدِم على التصرف بها أو صرفها إلّا عبر المسارب التي يحددها لها الطرف السعودي، وحتى الأموال التي تهدر عبر مسارب الفساد الحكومي فهي تتم بإيعاز إن لم نقل بتوجيهات سعودية صريحة لرموز وجهات تدين بالولاء لها أولاً وبالذات في المؤسسة الرئاسية التي باتت ثُقبا أسودا للأموال, ومثلث برمودي يلتهم كل المساعدات الخارجية ومعظم الموارد الداخلية على شكل هبات لرجالها بالداخل والخارج، ورشى وشراء ذمم وولاءات سياسية وعسكرية وقبلية ودينية.
على كل حال فإن ما يحدث في اليمن وفي الجنوب على وجه التحديد هو بالضبط ما تريده السعودية ،وهو الأمر الذي حذرنا – ومازلنا- من خطورته من الأسابيع الأولى لهذه الحرب وبعد الانسحاب الإماراتي من عدن بشكل أكثر، لمعرفتنا ليس فقط بالتجربة السعودية المتواضعة عسكريا وسياسيا واجتماعيا واردتها للشأن اليمني, ولكن لمعرفتنا بالأطماع السعودية باليمن شماله وجنوبه, فهي تتعمد أن تظل كل القوى باليمن تفترس بعضها بعض بأنياب الطائفية ومثالب الحزبية والجهوية، ليس فقط تلك القوى في صنعاء التي تحاربها السعودية بل القوى التي من المفترض أنها حليفة للمملكة بحربها باليمن, ونقصد هنا تحديدا الحكومة الموالية لها والمجلس الانتقالي الجنوبي وغيرهما من القوى والشخصيات المربوطة الى عتبات البلاط الملكي في الرياض. فهذا الوضع المتأزم يتيح للمملكة أن ترسّخ موطئ قدمها أكثر وأكثر وأن تعيد قبضة هيمنتها الى سابق عهدها من القوة بعد أن ارتخت على يد الحركة الحوثية وحزب المؤتمر الشعبي منذ عام 2014م.وخير دليل على ما نقوله هو تعزيز وجودها العسكري والسياسي والاجتماعي في محافظة المهرة أقصى جنوب شرق، المحافظة التي لم يتواجد فيها جندي حوثي واحد، كما أنها المحافظة التي لم تشهد أية حرب أبداً ولم تطلق فيه طلقة واحدة طيلة الحرب وحتى اليوم ولم تسقط فيها حجرا واحداً، ومع ذلك تصر السعودية وبكل خفة أن تقنع العالم بأنها هناك لإعادة الإعمار.!