السمه.. الإنسان والفنان معاً بقلم| أنور العنسي
بقلم| أنور العنسي
ينافس حمود السمه والده، بل يحاول جعل صوته كأنه صوت والده أو امتداد له على الأقل، إن لم يكن في بعض الحالات يتجاوزه، باعثاً فينا قدراً من الألم والوخز بريشة العود للانتباه، ولإستعادة الوعي بماكان عليه الغناء في يمن (علي عبدالله السمه) بكون الغناء طاقة للمواجهة السلمية ضد الظلم، وطاقةً للعمل في كل ميدان، بل طاقة لتحفيز كل طاقات الروح والعقل والجسد !
ربما لا يدرك حمود ماذا يفعل، وما إذا كان احتفظ دون أن يدري بقدرٍ من مأساة والده، وأنتجه في مناخٍ من حزنه الخاص عليه دون أن يعي .. لا أستبعد ذلك!
ولكن يظل والده الفنان الاستثنائي على عبدالله السمه يمثل سماءً رحبةً من الجمال المقترن برسالة الفن الأصيل يستحيل أن يكون لها في تاريخ اليمنيين نظير.
هذا حمود، وذاك علي السمه، وليس لهما أو عليهما في هذا الأمر عتاب . الأمر محسوم تماماً عند الملايين من محبي فنه، فإعجابي بحمود مثلاً مختلفٌ تماماً عن إعجابي بوالده!
إلتصق السمه الأب بالأرض حتى أصبح جزءاً من ثراها، وبالناس إلى درجة أنه كاد أن يمثل الناس كل الناس تقريباً في تعددهم وتنوعهم، المزارع منهم، والمدافع عن الجمهورية، والمهاجر بحثاً عما يصون كرامة الإنسان، والسياسي البعيد النظر في ما يمكن أن يجعل اليمني سيداً على أرضه وصاحب قراره!
في صوته العذب، الشجي، الملون، والعميق المديد كنت أعيش الحياة كما ينبغي أن تعاش.
كان (السمه) يوزع أعمارنا على أجمل الأغنيات، أقوى الملاحم، ساقنا لنقتفي آثار خطى اليمني في كل درب، في كل غربته، في كل حزنه، في (البالة) و (فوق الجبل) وفي (يا حارس البن في وادي سبأ).
لن أدافع عن أخطائه كبشر، لكنني مضطر إلى القول بأنه بدى لي كقائد سياسي إتخذ من الأغنية وسيلةً فعالةً للتأثير في وجدان الشعب لم يذهب أحدٌ إليه قبله، فعل ذلك بدهاء وذكاء ومهارة وبعلمٍ أيضاً .
وقت أن غنَّّى على السمه (أهوى الجمال) لا حظت أنه نصح ملايين الأزواج والزوجات إلى كيفية كسر الملل في حياتهم .. هل كان فيلسوفاً .. أكاد أقول نعم، كان كذلك، إشتغل على الفن ليضبط أداء العقل للعمل، ولكن بما لا يقمع اشتهاءات الجسد بل يهذبها!
على الصعيد الإنساني قاد السمه وعيي وكثيرين من أبناء جيلي نحو أقاصي الألم (ياقلب لا تبكي على من ابكاك دم) وغيرها الكثير لفهم ماهية الحزن وكيف يمكن للحزن أن يجعل من الإنسان إنساناًً.
كان علي عبدالله السمه إبن صنعاء الجميل يجسد جمال البيوت الموشاة بالطين، التراب الأحمر المشوي والجص المحترق الناصع البياض، نيرفانا الطيرمانات، وخدر السحر في العيون السود، ولكن كل أغنية له كان لها مغزاها السياسي العميق.
من سوء حظي أنني لم أعرف علياً جلياً في حياته لكنني سبرت أغواره نسبياً بعد موته، في ذوقه عندما كان يختار من الكلمات ما يستحق الغناء.
قيل لي عنه الكثير لكنني لم أصدق غير ما قاله لي في تلاوين صوته، والبكاء الذي كان مثل الغناء!
مايزال السؤال مفتوحاً، و بلا اجابة شافية حتى اليوم كما يقول رفيقه الفنان عبدالرحمن الغابري .. من قتل الفنان الكبير المتألق علي السمة ؟
“عملية الاغتيال الجبانة لا تزال اكثر من ملتبسة، كما لا رواية رسمية او موثوقة مقبولة على الاقل”.
يضيف الغابري وأنا أشاركه الظن: “قتلوه لانه كان مقاوماً شعبياً عتيداً معجوناً بروح الجمهورية فضلا عن انه كان خريج إحدى جامعات روسيا ” يعني شيوعياً كافراً من وجهة نظرهم وبحسب التحريضات التي نعرفها إذ كانت تلك المرحلة من اشد مراحل التحريض على (عضوٍ في الحزب الديمقراطي الثوري اليمني).
عموماً ستظل اغانيه خالدات، وتحتاج اعصابنا إلى قدرٍ من الراحة والهدوء لاستيعاب عبثية القدر، والوعي بأن السمة ألقى كغيره من الكبار كلمته ومضى دافعاً حياته ثمن ذلك!