مأرب.. دلالات الزمان والمكان بقلم| عدنان باوزير
بقلم| عدنان باوزير
ما بين حلم وصبر الأنصار ونزق وتعنت الأشرار مرهون مصير المدينة، كانت وما زالت مأرب هي المفتاح وبدونها لا وجود ليمن موحد وقوي، كيف ذلك وهي الكلمة الأولى في اللقب الملكي العظيم: (ملك سبأ) وذو ريدان وحضرموت ويمانة وأعرابهم في الطود وتهامة، وبين إرث المكاربة وعزم حنشان الظمأ تكمن المقاربة، مارب هي الوتر الحساس، فكلما تحفز الأنصار انفتحت حنفيات البكاء واشتغلت أسطوانة العواء: السلام .. النازحين .. المفاوضات ..الخ، كيف لا ومأرب هي المفتاح ومن خلفها ينبثق المدى، ولو حدث هذا قبل ألفي سنة لحدثت نفس النتيجة، وضج العالم القديم: أوقفوا القتال ولا تهددوا سلامة القوافل، آمنوا طرق التجارة، لا تتسببوا بقطع إمدادات البخور فتخرس الصلوات في كل معابد الشرق القديم ..الخ.
من هنا وعلى أضلاع مثلث مفازة (صيهد) نشأت أرقى وأقوى حواضر اليمن القديم، وكلها مترابطة مع بعضها، فعلى رأس المثلث الشمالي الغربي قامت حاضرة سبأ، ولولاها لتمنعت (تمنع) عاصمة قتبان على ضلعه الجنوبي الغربي عن ممارسة التجارة ولما أنتجت واحد من أرقى تشريعات الشرق القديم التجارية (قانون سوق شمر) الشهير، ولما تغولت حضرموت في التجارة وأفحشت في الثراء ونشأت وازدهرت عاصمتها (شبوة) مدينة أبواب الذهب وأغنى مدن الأرض على ضلع مثلث المفازة الجنوبي الشرقي، فكل هذا النسيج الحضاري البالغ الرقي مترابط أشد الترابط منذ فجر التاريخ، ومأرب دائماً هي المفتاح.
ما بين صدفي سدها العظيم يدمدم سيل العرم مرة أخرى ليجرف الغزاة ويحمل الى (رملة السبعتين) الخير والخصب والنماء ويعيد بعث حواضرها المطمورة تحت الرمال من جديد ثم يعيد للقب الملكي اليمني الطويل والشهير اعتباره وهو الضامن الأكبر لوحدة وعزة وقوة اليمن، وما بين (السد) و(الجوبة) ثمة وعد ينتظر التحقيق ونصر يوشك أن يُزف.
مأرب إذن هي البداية وهي النهاية، هذه العروس البدوية تنتظر أن يخطمها الفرسان، فكل غزوات الغزاة عبر التاريخ على أسوارها تكسرت واندحر الرومان وما أدراك ما الرومان في 24 ق.م، تشتتوا وذابوا في صحاريها ذوبان الملح في الماء، ولمرتزقة العدوان في دليل تلك الحملة الخائن (صالح النبطي) عبرة كبيرة، فلا يكاد يذكره التاريخ الا في أسفار العار، ولحاضرة سبأ مع فتية الأنصار موعد لن يخلفوه بإذن الله، وكما كانت عودتها فاتحة خير على اليمن وانبعاث جديد للحضارة اليمنية وقيام مملكة حميّر الموحدة قرون طويلة وكما عبر إليها الريدانيون سوف يعبر الأنصار.