الأخبارتقارير وتحليلاتمحليات

ثروة مأرب ترسم ملامح اليمن ومستقبله

عمار الأشول – صنعاء

ينبع القتال المستميت في محافظة مأرب اليمنية من رغبة جماعة الحوثيين في السيطرة على هذه المحافظة الغنية بالنفط والغاز. وتربط الجماعة انفراج الأزمة المعيشية التي يعاني منها ثلثي سكان اليمن في المناطق الخاضعة لسيطرتها بموارد محافظة مأرب، وهو ما يتوافق مع ما طرحته الجماعة على طاولة المفاوضات أثناء ما عرف بالإعلان المشترك، إذ تُفاوض الجماعة على مجموعة من المطالب من ضمنها الحصول على حصتها من موارد مأرب وإيداعها في البنك المركزي الذي يقع تحت سيطرتها بصنعاء، مقابل صرف مرتبات الموظفين الحكوميين، يؤكد ذلك مبادرة زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، التي قدمها للوفد العماني، والتي تنص على إعادة تشغيل محطة مأرب الغازية لتوليد الطاقة الكهربائية، وتوجيه عائدات المشتقات النفطية لتغطية المرتبات، والالتزام بحصص المحافظات الأخرى من نفط مأرب وغازها.

تقع محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء وتكتسب أهميتها الاقتصادية، نظراً لاحتياطاتها الوفيرة من النفط والغاز، ووفرة محاصيلها الزراعية، وبها محطة لتوليد الكهرباء، وعدد كبير من المواقع الأثرية، إضافة إلى رمزيتها بوصفها عاصمة سياسية تاريخية، وهو الأمر الذي جعلها تبدو غنيمة كبيرة في نظر جماعة الحوثيين، وكنزاً ثمينا يجب الحفاظ عليه من وجهة نظر الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، التي تعتبر محافظة مأرب آخر معاقلها في شمالي اليمن.

يبلغ إنتاج مأرب، حالياً، من الغاز المسال نحو 90 في المئة من إجمالي الاحتياجات التي تستهلكها السوق المحلية، وهو مصدر أساس للطاقة في الاستخدام المنزلي، وتنتج نحو 8 في المئة من البنزين والديزل وغيرهما من المشتقات النفطية، بينما يستورد اليمن، حالياً، ما يقارب 90 في المئة من احتياجاته من النفط، بحسب معظم الدراسات.

بعدما فرض الحوثيون، مطلع 2015، الإقامة الجبرية على الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومة خالد بحاح في صنعاء، وإحكام سيطرتهم على البنك المركزي اليمني، بدأ يتشكّل في مأرب ما يمكن اعتباره نواة لسلطة محلية شبه مستقلة مالياً وإدارياً عن السلطة المركزية في صنعاء، وقد ساعدها في ذلك توفر الموارد النفطية والغاز، وهو ما يمكن اعتباره أول تحدٍ بين السلطة المحلية في مأرب وسلطة الحوثيين في صنعاء.

وفي مطلع العام نفسه قال زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي إن هناك مؤامرة لإسقاط مأرب بيد من وصفهم بـ”التكفيريين” و”القاعدة”. وهو ما عنى حينها بأنه مقدمة لاجتياحها، الأمر الذي حدث بعد أقل من شهرين، حيث وصل مقاتلو الحوثيين في آذار/مارس من العام نفسه إلى غرب وشمال غرب المحافظة، وبعد مواجهات دامية استمرت ستة أشهر مع قوات عسكرية، وقبلية، وأخرى عقائدية تتبع حزب “الإصلاح” (الإخوان المسلمين)، مسنودةً جميعها بدعم عسكري من “التحالف” بقيادة السعودية، لم ينجح الحوثيون في اقتحام مدينة مأرب، لتعلن السلطة المحلية، على الفور، استقلالها المالي والإداري بشكل رسمي، وبموجب ذلك امتنع فرع البنك المركزي في مأرب، منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عن إرسال الإيرادات إلى البنك المركزي في صنعاء، ليتصاعد القتال تباعاً حول مأرب وتتعدد جولاته.

على مدى ستة أعوام تكررت الهجمات الحوثية والهجمات المضادة لها، آخرها هجوم الحوثيين على مأرب في أيلول/سبتمبر 2020، والذي تراجع تدريجياً بحلول نهاية أكتوبر، وفي مطلع شباط/فبراير الماضي، أعادت الجماعة تصعيد هجماتها على هذه المحافظة، وحققت تقدماً عسكرياً على حساب قوات حكومة “الشرعية” والقوات المتحالفة معها.

وبالرغم من إعلان الرياض في آذار/مارس الماضي عن مبادرة للسلام، وإجراء المباحثات في مسقط بين الحوثيين والسعودية، إلا إن معركة مأرب لا تزال مشتعلة بين الطرفين المحليين، بينما لوحظ تراجع التراشق في الخطاب الإعلامي، وفي الغارات الجوية بين الحوثيين والسعوديين، عقب بدء الوساطة العمانية.

كشفت مصادر لبنانية قريبة من حزب الله، في 23 آذار/مارس الماضي، تفاصيل المباحثات الأولى التي جمعت كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبدالسلام، والمبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، في مسقط، وذكرت المصادر أن “نقطة البداية التي انطلق منها الجانب الأمريكي في المباحثات كانت معركة مأرب، باعتبار أن ما يجري فيها تصعيداً من قبل الحوثيين”، في الوقت الذي أكد فيه عبدالسلام أن “قرار استعادتها لا رجعة عنه”.

تعتقد جماعة الحوثيين أنها تكاد تستوفي جميع عناصر الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، من سكان، وإقليم، وحكومة. وبغض النظر عن الاعتراف بها من عدمه، إلا أنها تفرض سلطتها في جغرافيتها، وجميع قراراتها مُلزمة بفعل سلطة الأمر الواقع، لكنها تفتقر للموارد التي تمكّنها من الإشراف على الأنشطة الاقتصادية وإداراتها، وذلك نتيجة للحصار المفروض من قبل التحالف السعودي – الإماراتي على الموانئ البرية والبحرية والجوية، والتحكم بمصادر الطاقة، لذلك ترى في مأرب الحل الممكن لتغطية هذا العجز، بعد أن واجهت المستحيل في محافظات نفطية أخرى، ووصولها إلى نفق مسدود في محافظة الحديدة الساحلية.

احتمالات تحدد مستقبل اليمن
يطرح السيناريو الأول سقوط مأرب، وهو ما يعني بالنسبة للحوثيين، رسم ملامح دولة، باعتبار أنها ستدر عليهم ثروات تمكنهم من تجاوز المعضلة الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. بينما ستفقد “الشرعية”، في حال سقوط مأرب، آخر أوراقها النقدية، الأمر الذي سينعكس على الغائها من المعادلة السياسية، سيّما مع سطوع نجم المجلس الانتقالي المنافس لها في الجنوب، وسيطرته على مناطق حيوية ذات موارد مهمة.

بينما يتمثل السيناريو الثاني في نجاح المباحثات بين الحوثيين والسعودية برعاية أمريكية وأممية في مسقط، لأن ما كُشف عنه حتى الآن من هذه المباحثات، يشير إلى أن الأمور تذهب نحو إيقاف تبادل الغارات الجوية، ووقف الحصار، ورفع الحظر عن مطار صنعاء، وفك القيود عن الواردات التجارية إلى ميناء الحديدة، ما يعني ترسيخ سلطة الحوثيين واكتفائهم مالياً في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

حشد الحوثيون كل طاقاتهم ومواردهم، وجعلوا مخزونهم الاستراتيجي (سواء كان بشريا، أم ماليا، أو أسلحة ومعدات) ذخيرة لهذه المعركة، لكنهم بعد قتال دام أشهر، أدركوا صعوبة إسقاط مأرب، على الأقل في الوقت الراهن، كما أن الالتفاف جنوب – شرق نحو مصفاة صافر ذو كلفة باهظة. في مقابل ذلك، بذلت حكومة “الشرعية” والقوات المتحالفة معها، الكثير من الجهد وتكبدت العديد من الخسائر، دون أن تتمكن من قلب المعادلة بالتحوّل من الدفاع إلى الهجوم.

وفي حين تمكنت السعودية عبر غاراتها الجوية المكثفة من عرقلة مسار الحوثيين، فإن هؤلاء نجحوا عبر صواريخهم وطائراتهم المسيّرة في ازعاجها وتهديد أهم مصالحها الاقتصادية، وهو ما يشبه تكافؤ القوى، لذلك من المرجح تفوّق هذا السيناريو، ما يفضي إلى تقاسم الحصص. وإن كان لا يزال صدى القذائف مستمراً، فالهدف هو رفع سقف المطالب في هذه المحادثات.

يعزز نجاح هذا السيناريو توافقه مع ما ذهب اليه نص الإعلان المشترك للأمم المتحدة لحل الازمة اليمنية، حيث ورد فيه: “يشكل الطرفان لجنة مشتركة لمعالجة الجوانب الفنية والمالية اللازمة لإصلاح أنبوب مأرب وإعادة تفعيل ميناء رأس عيسى بهدف استئناف ضخ النفط، والعمل المشترك لعودة محطة مأرب الغازية، كذلك فتح حساب خاص، بإدارة مشتركة من الطرفين، في البنك المركزي بصنعاء وفروعه لإيداع الإيرادات المركزية والسيادية، بما في ذلك إيرادات النفط والغاز، لصرف رواتب جميع موظفي الخدمة المدنية في كافة انحاء اليمن وفقا لقوائم عام 2014”.

في حال سقوط مأرب أو في حال نجاح الوساطة العمانية، فإن الحوثيين هم أكبر الرابحين، باعتبار أنهم سيستفيدون من موارد هذه المحافظة، بينما ستخسر حكومة الشرعية هذه الموارد أو تقل حصتها فيها. بات من الواضح أن معركة مأرب هي عصب الحرب في اليمن، وأن نتائجها ستنعكس على مستقبل الصراع أو السلام في هذا البلد، لكن ما ليس واضحاً حتى الآن، هو كيف سيبدو شكل اليمن بعد هذه المعركة، التي تذهب به إلى تعدد الأبطال، وتقوده إلى تقاسم السلطة في إطار تقاسم الثروة، وأيضا تقاسم اليمن نفسه تحت مبررات متعددة.

*نقلاً عن مركز كارنيغي للشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى