اليمن في ظل الحرب و”كورونا”: وباء معلوماتي واستقطاب سياسي
صنعاء – عبدالله علي وأشجان بجاش
اليمنيون يواجهون صعوبة في معرفة الأحداث الجارية في البلاد.
ففي خضم الأحداث التي يعيشها اليمن على خلفية الصراع المسلح وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، والانقسامات السياسية والطائفية، يواجه اليمنيون في مختلف المحافظات صعوبات كبيرة في العثور على معلومات دقيقة وموثوقة، في ما يتعلق بالحرب وغيرها من القضايا المحلية المهمة.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن، سعت أطراف النزاع المسلح إلى إنشاء منصات إعلامية واستقطاب وسائل إعلام مستقلة، ما انعكس سلباً على مخرجات وسائل الإعلام المحلية، وساهم في نشر معلومات مضللة، وترويج شائعات وتطويق اليمنيين بمئات التقارير المسيسة والمتناقضة، حول الأحداث في البلاد، منذ اندلاع الحرب أي منذ نحو سبع سنوات.
معلومات مضللة
خلال السنوات الماضية، حوصر اليمنيون بالكثير من الأخبار المضللة على مواقع ومنصات إعلامية تابعة للأطراف المتصارعة في البلاد، خصوصاً في ما يتعلق بتغطية أحداث ومستجدات المعارك العسكرية في جبهات القتال، إضافة إلى انتشار الأخبار المضللة وترويج الشائعات عن “كورونا”.
في استطلاع خاص شارك فيه حوالى 100 شخص من محافظات يمنية مختلفة بينها صنعاء وعدن وتعز وإب والحديدة، أكد نحو 57 في المئة من المشاركين أن وسائل الإعلام المحلية تنشر أخباراً مضللة حول الحرب وجائحة “كورونا”.
وقال المشاركون إن الأخبار المضللة التي يصادفونها بشكل مستمر هي تلك التي تغطي التطورات العسكرية، والخسائر البشرية، والسيطرة على الأراضي، وخلال تفشي وباء “كورونا”، ظهرت أخبار ومعلومات مضللة وكانت لها انعكاسات سلبية على حياة اليمنيين، خصوصاً مع تدهور القطاع الصحي بفعل استمرار الحرب.
أكد حوالى 52 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أنهم يعانون من صعوبة في الحصول على الأخبار الصحيحة، بسبب التضليل الذي تمارسه وسائل إعلام أطراف النزاع لتحقيق أهداف ومكاسب سياسة. وكان لتفشي “كورونا” في اليمن مطلع العام الماضي، النصيب الأكبر من ممارسة التضليل الإعلامي ونشر الأخبار المغلوطة، في مختلف المنصات والمواقع الإعلامية التي كانت تغطي أخبار الوباء بطريقة مسيسة، ما انعكس سلباً على حياة المواطنين وفاقم معاناتهم اليومية في بلد تعصف به الحرب.
مع بداية تفشي “كورونا” في العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، تناقلت مواقع إخبارية يمنية موالية للحكومة المعترف بها دولياً، أخباراً مضللة، أثّرت في حياة أهالي صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
في أيار/ مايو 2020، تناقلت وسائل إعلام موالية للحكومة المعترف بها أخباراً مضللة، تتهم سلطات الحوثيين في صنعاء بتصفية المصابين بفايروس “كورونا” في المستشفيات، وتصفية المشتبه بإصابتهم داخل مراكز الحجر الصحي عبر حقنة قاتلة (إبرة الرحمة).
انعكس ذلك سلباً على حياة المواطنين، فالمرضى الذين كانوا يحتاجون إلى رعاية دورية في المستشفيات، فضلوا تحمل مرارة المرض في منازلهم خوفاً على حياتهم، بعد سماعهم هذه الأخبار.
يقول إبراهيم قاسم (30 سنة) مواطن من محافظة إب وسط اليمن، إن والده أصيب بحمى وألم شديد، لكنه ظل يتحمل مرارة المرض في المنزل في قرية الخرف القريبة من مستشفى جبلة الحكومي.
“رفض والدي الذهاب إلى المستشفى، واكتفى بتلقي العلاج في البيت، بعدما تابع أخباراً عن تصفية المصابين بكورونا في المستشفيات الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين”، يضيف إبراهيم.
ويشير إلى أن “عشرات المرضى فضلوا مقاومة المرض داخل منازلهم، رافضين الذهاب إلى المستشفيات، ومنهم من فارق الحياة”.
وزارة الصحة التابعة للحوثيين في صنعاء، نفت الأخبار التي كانت تتحدث عن تصفية المصابين بـ”كورونا”. وقالت في بيان لها أن ما يتم تداوله غير صحيح، واعتبرت أنه تزوير من قبل أدوات العدوان، في إشارة إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.
منذ بدء تفشي “كورونا” في اليمن في آذار/ مارس 2020، تناقلت وسائل الإعلام المحلية بمختلف أنواعها معلومات مضللة من دون التأكد من مدى صحتها.
في كانون الأول/ ديسمبر 2020، تناقلت وسائل إعلام موالية للحوثيين أبرزها موقع “المسيرة نت”، معلومات مضللة نقلاً عن مواقع أجنبية، حاول الموقع من خلالها تضليل الرأي العام بأن اليمن تغلب على الوباء بسبب “مناعة القطيع”، ما يمنع ظهور موجات أخرى للفايروس.
خلق ذلك موجة ثقة بين المواطنين بأن “كورونا” ذهب إلى غير رجعة، وتحوّل في أذهانهم إلى كذبة خلقتها أجندات سياسية، ما تُرجم بتراجع التزام المواطنين بإجراءات الوقاية من “كورونا” وتفاقم التفشي الوبائي.
صعوبة الوقاية من “كورونا”
يقول أحمد قائد (25 سنة) طالب جامعي، “فيما كانت وسائل الإعلام في مختلف بلدان العالم تتسابق لكسب قلوب المشاهدين والمتابعين، عبر القيام بدورها في إرشاد المواطنين، من خطورة الإصابة بكورونا، وتحثهم على الالتزام بالإجراءات الاحترازية، كان اليمنيون يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المعلومات، خصوصاً في المناطق التي كانت تحكمها سياسة التعتيم على تفشي الوباء، كما فعل الحوثيون في صنعاء ومناطق سيطرتهم”.
يستغرب أحمد استهتار إحدى وسائل الإعلام بأرواح المواطنين، إبان تفشي “كورونا” في صنعاء: “بدلاً من حث المواطنين على منع التجمعات، والتباعد الإجتماعي، تبث إعلانات عن تخفيضات في الملابس في أحد المولات، ما جعل كثيرين يتسابقون لاقتناء الملابس من دون أي وقاية”.
ويضيف، “معظم المواطنين كانوا يعتمدون على وسائل إعلام أجنبية لفهم طرائق الوقاية، نظراً إلى انشغال وسائل إعلام محلية في تضليل المجتمع وترويج الشائعات وتبادل الاتهامات في ظل الاستقطاب السياسي للوسائل الإعلامية”.
أدى تقاعس وسائل الإعلام عن القيام بواجبها في تحذير المواطنين من مخاطر “كورونا” وإرشادهم، إلى الاستهتار وعدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية وعدم التعامل بجدية مع الوباء، ما سبب كارثة إنسانية في ظل تدهور القطاع الصحي بفعل الحرب المستمرة منذ أكثر من 6 سنوات.
ويقول الصحافي الاستقصائي فاروق مقبل، “معظم وسائل الإعلام المحلية تنشر أخباراً مضللة لخدمة موجهي سياستها”، مشيراً إلى أنها فقدت صدقيتها، وهو ما لا يمكن ترميمه بسهولة.
وأضاف مقبل: “نواجه صعوبة في الحصول على الأخبار في بلد منقسم ويعيش حالة حرب ووضعاً غير دستوري وتكاد وسائل الإعلام المحلية تكون خالية من الأخبار الموثوقة، لحساب أخبار موجهة لخدمة أطراف الصراع”.
رئيس “دائرة التدريب والتأهيل في نقابة الصحافيين اليمنيين” الصحافي نبيل الأسدي أوضح أنه “في ما يخص الحصول على الأخبار والمعلومات هناك قانون في اليمن هو من أفضل القوانين العربية، ولكن للأسف على مستوى التنفيذ، اليمن من أسوأ البلدان في الحصول على الأخبار والمعلومات”.
وأشار الأسدي إلى أن الحرب انعكست على كل سبل الحياة فأصبحت المعلومة، معلومة حربية وبالتالي يتم إخفاؤها أحياناً كثيرة والحرص على عدم إظهار الحقائق، لافتاً إلى أنه “في الحرب تكثر الشائعات لخدمة أطرافها فتختلط الأمور، ونفتقد مصدراً موثوقاً للمعلومة”.
استقطاب سياسي
خلال السنوات الست الماضية ظهرت منصات ومواقع إلكترونية، إضافة إلى قنوات الفضائية، وإذاعات في مختلف المحافظات اليمنية، بشكل لافت، لكن معظم تلك المنصات الإعلامية قائمة على أجندات خاصة وفقاً للسياسة التي يتبناها الطرف الممول.
وانعكس الاستقطاب السياسي الذي تمارسه الأطراف المتصارعة في البلاد على مخرجات المنصات والمواقع الإعلامية الرسمية والحزبية والمستقلة، وساهم في نشر المعلومات المضللة وترويج الشائعات.
وفي حين يعد تزويد اليمنيين بإمكانية الوصول إلى الأخبار المحايدة وزيادة فرص الصحافيين المحليين لتطوير مهاراتهم، عنصراً أساسياً في بناء السلام في اليمن، يؤدي الاستقطاب السياسي لوسائل الإعلام إلى تفاقم الصراع والتحديات التي يواجهها اليمنيون في حياتهم اليومية.
يقول وهيب السامعي (25 سنة) طالب في كلية الإعلام في جامعة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، إنه يعاني من صعوبة كبيرة في الحصول على الأخبار الصحيحة التي تغطي الأحداث الجارية وتسلط الضوء على القضايا الاجتماعية بطريقة محايدة.
وأضاف السامعي: “معظم المواقع الإخبارية في اليمن متحيزة في نشر الأخبار بما يناسب التوجه السياسي الذي تنتهجه”.
تماماً مثل السامعي، يشكو أمين ناجي (40 سنة) موظف حكومي في محافظة إب الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، من عدم قدرته على معرفة أحداث الحرب التي تعصف في البلاد.
ويرى ناجي أن وسائل الإعلام المحلية كلها منقسمة بين من يؤيد العدوان أي التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ومن يقف ضد العدوان، وبالتالي لا شفافية ولا موضوعية.
واتهم ناجي أطراف النزاع باستخدام المنصات الإعلامية لخدمة أجندتها، “ووصل الأمر إلى إغلاق بعض القنوات والمواقع الالكترونية التي لا تنشر محتواها الإعلامي بما يناسب توجهها السياسي والديني”.
رئيس قسم الأخبار في صحيفة “الثورة” التابعة للحوثيين في صنعاء الصحافي حمدي دوبلة، يقول إن السياسة التحريرية لكل وسيلة إعلام تتبع بطبيعة الحال لتوجهات القائمين عليها. ويضيف: “في ظل الانقسام الحاد الذي تعيشه البلاد، عملت كل وسيلة إعلامية وكل موقع ومنصة، على توظيف الأخبار والمعلومات وفقاً لما يحقق أهداف أصحابها ولو على حساب الحقيقة، ما انعكس بشكل عميق على المواطن الذي فقد الثقة في كل ما يسمعه من أنباء”.
يصف دوبلة مستقبل الصحافة في اليمن بأنه قاتم وضبابي إلى أبعد الحدود لافتاً إلى أنه لا يمكن أن توجد صحافة مستقلة ومهنية في ظل الصراع والانقسام السياسي المستمر.
ويقول رئيس رئيس دائرة التدريب والتأهيل في نقابة الصحافيين اليمنيين الصحافي نبيل الأسدي، “اليمن يعيش حالة حرب والصحافة منهارة والإعلام تحول من إعلام حر إلى حربي، يبث الكراهية والتحريض، ولا صحافة أو وسائل إعلام مستقلة في اليمن، وبالتالي يصعب الحديث عن أداء إعلامي سليم أو هيئة رسمية أو ميثاق شرف للصحافيين”.
ويؤكد الأسدي أنه “في ظل الحرب لا يتم الالتزام بأخلاقيات المهنة، وحتى لو كانت هناك هيئة ما، فهي ستتبع طرفاً من الأطراف. المناخ السياسي غير مناسب وينعكس على الأداء الصحافي والمهني”. ويضيف “حين تنتهي الحرب وتعود الدولة، بالإمكان التفكير بإنشاء وسائل إعلام متخصصة ومحايدة وخاصة، أما الآن فيصعب إيجاد صحف محايدة، نظراً إلى حاجة وسائل الإعلام إلى تمويل سياسي وعدم قدرتها على تأمين المال الذي تحتاجه بمفردها حتى تكون مستقلة ومحايدة، ولا جهات محايدة تمول وسائل إعلام مستقلة في البلاد”، لافتاً إلى أن سوق الصحافة والإعلام والنشر في اليمن ضعيف، وبالتالي دائماً ما تمول الصحف الأحزاب أو الدولة أو رجال الأعمال أو السياسيون، فتخضع لأهدافهم السياسية وتوجهاتهم”.
*دعم هذا التحقيق “صندوق دعم التحقيقات في شمال أفريقيا وغرب آسيا” (NAWA -lF)