العقل الأميركي يفكّر بصفقة جديدة في سوريا على خلفية كورونا..
الأحد, 19 أبريل 2020 - 1:54 م
0 6
كتب / نوار ملحم
من المسلّم به الدّور المهم الذي تؤديه مراكز الدراسات الأميركية عموماً في توجيه السياسة الخارجية لواشنطن، ودورها المؤثر في آلية صنع القرار في تلك البلاد، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط. ولا تكاد أي إدارة من الإدارات الأميركية المتعاقبة تخلو من هذا التأثير، ومنها إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب بطبيعة الحال.
في هذا الإطار يتم الترويج لبعض الأفكار السّياسية الجديدة المتعلقة بحيثيات الأزمة السورية على خلفية أزمة فيروس كورونا، التي ربما يرى فيها الباحثون الأميركيون فرصةً لطرح تلك الأفكار التي تتمحور في النهاية حول تحقيق المصالح الحيوية لكلّ من واشنطن وتل أبيب، بعيداً من أي اعتبار آخر.
وكمثال على تلك الأفكار، مقال تمّ نشره بتاريخ 5 نيسان/أبريل في موقع مجلة “National Interest” ذات الميول المحافظة، كتبه كل من الباحثين ديفيد و. ليش وكمال علم.
الفكرة الرئيسية للمقال تتمحور حول التّرويج لصفقة بعيدة عن التوازن بين كل من دمشق وواشنطن، تقوم من حيث المبدأ على تقديم دمشق تنازلاتٍ استراتيجية لواشنطن مقابل حصولها على مكتسبات تكتيكية منها.
وكتوضيح للفكرة، يمكن عرض الصّفقة كالآتي:
– المطلوب من دمشق: الإفراج عن الصّحافي الأميركي أوستن تايس، كبادرة لحسن النية وبناء الثّقة، وصولاً إلى الهدف الكبير والأساسي، ألا وهو الابتعاد عن حلفائها في محور المقاومة، عبر خفض الوجود الإيراني في سوريا كمدخل لهذا الهدف (وهو طلب ذو أهداف استراتيجية)، مقابل:
– ما ستقدّمه واشنطن: مساعدات إنسانية وطبية لمكافحة كورونا، رفع العقوبات بشكل تدريجي عن الشعب السّوري، غض النّظر عن عودة علاقات بعض الدّول العربية مع دمشق، والمساعدة في موضوع إدلب عبر الضّغط على أنقرة (كلها قضايا تكتيكية)، لأن الدولة السورية بإمكانها أن تتجاوز كل المشاكل السابقة من دون تقديم تنازلات جوهرية لواشنطن، وخصوصاً أن العديد منها مشاكل مؤقتة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، كفيروس كورونا، أو مشكلة إدلب على سبيل المثال، حتى آثار العقوبات، فيمكن لدمشق أن تتجاوزها ببعض الحزم والجدية وترتيب الأولويات بشكلٍ صحيح.
في الحقيقة، تحاول الولايات المتحدة استغلال حالة الضّعف المؤقتة التي تمر بها سوريا والوضع الإنساني السيئ لعموم الشعب السوري، لتحقيق الأهداف ذاتها التي كانت تسعى إلى تحقيقها منذ بداية الحرب، والمتعلقة أساساً بتغيير التموضع الاستراتيجي لدمشق، مع العلم أن الكاتبين يعترفان بأثر العقوبات الأميركية المدمر على صعيد الوضع المعيشي للشعب السوري، إذ يقولان:
“وصل العديد من القنوات الإخبارية الأميركية إلى سوريا منذ أن انتهت المرحلة الحادة من الحرب فيها. أجمعت تقارير هذه القنوات على أن العقوبات، إلى جانب الاقتصاد المتدهور واقتصاد الحرب، خلقت ظروفاً معيشية أكثر صعوبة بالنسبة إلى السوريين العاديين من مراحل الحرب نفسها”.
ولكن ما هي الأسباب الجوهرية التي تجعل الصفقة الأميركية تنطوي على جانب من الخداع، إضافة إلى موضوع عدم التوازن الواضح في بنودها؟
أولاً – في البداية، ما الضّمان في حال خرجت سوريا من محور المقاومة، وغيّرت تحالفاتها الاستراتيجية في هذه المرحلة الحساسة، أن الولايات المتحدة لن تقوم بالاستمرار بالعمل لإسقاط نظام الحكم في سوريا، وخصوصاً أنّ هناك العديد من المؤشرات والدلائل التي تشير إلى انعدام الثقة بتعهدات الإدارات الأميركية ووعودها عموماً! يُذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– الانقلاب على نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ومحاصرة الشعب العراقي لعقود، مع إدخاله في أتون الحروب الأهلية التي لا تزال آثارها مستمرةً حتى الآن، على الرغم من أن صدام حسين كان قد نفّذ كامل الطلبات الأميركية، ولا سيما لجهة شن الحرب على إيران في بداية انتصار الثورة فيها.
– الإطاحة بنظام الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، رغم أنه نفذ أيضاً كامل الطلبات الأميركية المتعلقة ببرنامج الأسلحة التي كان يمتلكها.
– انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات عليها، رغم أنّ طهران وفت بكامل التزاماتها الواردة في بنود ذلك الاتفاق.
– الإخلال بوعودها لبعض القوى والتّنظيمات الكردية المتعلقة بمساعدتهم على إقامة فيدرالية مستقلة، بعد أن قرّرت واشنطن الانسحاب من سوريا عاجلاً أم آجلاً.
من خلال تلك الأمثلة، والتي يوجد الكثير مثلها من الشواهد حول السلوك الأميركي نفسه في العديد من دول العالم، يمكن الاستنتاج أن الحكومة الأميركية ستعمد غالباً إلى تكرار السيناريوهات نفسها، حتى لو نفّذت سوريا كامل المطالب الأميركية.
ثانياً – إنّ المسؤول الأول عن المتغيرات الجيوستراتيجية التي حدثت في سوريا بعد وقوع الأزمة فيها، سواء تلك المتعلقة بالوجودين الإيراني والروسي فيها، أو تلك المتعلقة بالضعف البنيوي الحالي في أسس الدولة السورية، هو سوء تقدير الولايات المتحدة وحلفائها، الذين كانوا يتوقعون، عبر دعمهم للجماعات الراديكالية المتطرفة في البلاد، أن الدولة السورية ستنهار خلال عدة أشهر على أبعد تقدير.
والغريب في هذا الموضوع أن واشنطن دائماً ما ترتكب الأخطاء، ثم تطلب من الآخرين تحمُّل نتيجتها، أو تحاول أن تعالج الخطأ بالخطأ في أحسن الأحوال.
ثالثاً – تتناسى واشنطن ومن معها من الحلفاء أن الخط الاستراتيجي المقاوم لسوريا ليس متعلقاً بالمصالح الإيرانية أو غيرها، إذ إن سوريا كانت تتبنّى هذا الخط حتى قبل انتصار الثورة الإسلامية بعقود، وكانت تتحالف مع أي طرف عربي أو إقليمي أو دولي يساعدها في هذا المجال، كالتحالف مع مصر على سبيل المثال، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى3، ففلسطين والجولان وجنوب لبنان وغيرها ليست أراضي إيرانية في نهاية المطاف، وتحريرها هو واجب ومصلحة استراتيجية للشعوب والحكومات العربية بشكلٍ أساسي.
رابعاً – لا توجد حكومة عاقلة تقوم بتغيير تحالفاتها الاستراتيجية بينما لا تزال الحرب فيها مستمرة، كما أن التهديدات الإرهابية لا زالت نشطة، ولا يوجد أفق واضح لنهاية تلك التهديدات، فمن الناحية الرمزية لم تغيّر الولايات المتحدة رئيسها أثناء الحرب العالمية الثانية في سابقة تاريخية، ولكن كانت المصلحة العليا للبلاد لا تتحمّل مثل هذا التغيير في ظروف الحرب، كما أنّ الجزر البريطانية، رغم أنها كانت محاصرة ومعزولة من قبل قوات هتلر أثناء تلك الحرب، وكان وضعها أسوأ من سوريا حالياً، استمرّت في تحالفاتها ضمن محور “الحلفاء”، ولكن ببعض الإرادة والحزم ورفع معنويات الشعب وتقوية الذات، استطاعت ألّا ترفع راية الاستسلام، وأن تحقق النصر في نهاية الطريق.
ولا شكَّ في أنّ سوريا قادرة أيضاً على تحقيق ذلك لو استمرّت في اتباع سياسة واقعية وهادئة تستطيع الموازنة بين المصالح العليا ومتطلبات المرحلة الحالية.