تقارير وتحليلات

القضية الجنوبية و حرب الخمس سنوات ( 5 – 5 )

بقلم د/ حسن زيد بن عقيل

الحراك الجنوبي و رحلة في ملف الانفصال

بعد  ثورة  فبراير 2011 التي اطاحت  بالرئيس صالح و حل محله نائبه عبدربه منصور هادي ، بموجب اتفاقية مع مجلس التعاون الخليجي و القوى العالمية الاخرى التي لها مصلحة في اليمن . لا تعتبر الحركات الانفصالية الجنوبية هادي الذي نزح الى صنعاء بعد احداث يناير 1986  حليفا .

من هنا نفتح ملف الإنفصال لمعرفة جذور الإنقسامات السياسية في الجنوب و التناحر الذي نعيشه منذ عام 2015 الى اليوم . لذا علينا طرح المشاكل المتنوعة و المعقدة التي تواجه منطقتنا ، جنوب اليمن على الطاولة و بشكل واضح ، إذا اردنا إيجاد حل مستدام للصراع . بعدها نقدم برنامج عمل لتحقيق الإصلاحات و حل الصراع الجنوبي الجنوبي أولاً ثم الجنوبي الشمالي . هذا من شأنه أن يعزز التعاون و التعايش ، و يشجعنا على بناء و تطوير هياكل و هيئات دولة الوحدة التي تضمن حقوق المواطنة للجميع .

اصول الحركات الجنوبية

قبل تأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية شهدت عدن معارضة سياسية نشطة ضد المشروع الاستعماري البريطاني منذ خمسينيات القرن الماضي . فقد ظهرت في عدن عام 1953 الحلقة الاولى للأتجاه الماركسي ، الذي تأسس على يد فقيد الأمة الاستاذ عبدالله عبد الرزاق باذيب ، و شكلت لاحقا حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي في اليمن الجنوبي . في عام 1959 تكوّن في الشطر الجنوبي فرع لحركة القوميين العرب ، التي كان مركزها الرئيسي في بيروت ، وكذا تأسس فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في عدن 1956 . هذه الاحزاب المذكورة تحالفت فيما بعد مع الجبهة القومية و شكلوا ما عرف بالحزب الاشتراكي اليمني . و هناك احزاب كثيرة ظهرت في عدن منها حزب رابطة الجنوب العربي 1951 للاستاذ السيد محمد على الجفري و في 1962 تأسس الحزب الاشتراكي الشعبي الناصري للاستاذ عبدالله عبد المجيد الاصنج ، و في 1965 نشأت جبهة تحرير جنوب اليمن للاستاذ عبد القوي مكاوي و غيرهم من الاحزاب . كانت عدن ايضا موطنا للحركة النقابية 1939 التي لها صلات مع نظرائهم في المملكة المتحدة . في عام 1967 استحوذت الجبهة القومية على السلطة بعد خروج المستعمر ، و فرضت الأفكار اليسارية الماركسية محل الأفكار القومية ، و أنشأت الدولة الماركسية الوحيدة في الوطن العربي . نفذ الحزب و الدولة سياسات اجتماعية و اقتصادية ذات التوجه الاشتراكي مع اعطاء دور قوي للقطاعين العام و التعاوني من أجل رفاهية المواطن اليمني . رغم  كل  هذا النظام  فشل  في منع  ظهور الصراعات الداخلية المريرة . ما عدا فترة الرئيس على ناصر محمد ، و هي قصيرة الا انها كانت العصر الذهبي الوحيد للجنوب بعد الاستقلال . انتهى عصر الرئيس علي ناصر محمد  بمأساة يناير 1986 . على أثرها نزحت قيادات كثيرة الى الشمال اليمني و منهم أغلب قيادات ” الشرعية ” الحالية و من ضمنهم الرئيس عبدربه منصور هادي .

لهذا السبب ترتبط أغلب الصراعات بين فصائل العمل السياسي اليوم ( 2015 ــ 2020 ) ارتباطا إلى حد كبير بنفس الفصائل التي تقاتلت في يناير 1986 . ان المجلس الإنتقالي الجنوبي اليوم هو خليفة المجموعة التي كانت تسمى ( الطغمة ) و التي استمرت في حكم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية للسنوات الاربع المتبقية من وجودها ( منهم على سالم البيض و أغلب قيادة الحراك الجنوبي ) معظمهم من محافظتي لحج و الضالع . على الجانب الآخر الرئيس هادي و العديد من وزرائه ( من الزمرة و حاليا الشرعية ) الذين لهم جذور من محافظتي أبين و شبوة ، و الذين لجأوا إلى صنعاء 1986 .

على الرغم من ان شعار ” الوحدة اليمنية ” كان الأكثر شعبية من بين جميع الشعارات السياسية الرسمية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية . بالفعل أبناء الجنوب كانوا آملين أن تسود العناصر الايجابية  دولة الوحدة . لكن الجنوبيين أصيبوا بخيبة أمل مريرة . فقد تميزت الفترة الإنتقالية الرسمية التي استمرت لثلاث سنوات بانخفاض سريع  في مستويات المعيشة في الجنوب . منها انتهاء الدعم للسلع الغذائية الأساسية و إرتفاع الأسعار ، أضف الى ذلك تجاهل المسؤولين للخدمات في مدينة عدن . عانت كل المناطق الريفية النائية و الفقيرة في الجنوب بعد تغيير السياسة الزراعية للدولة البؤس و الجوع و فقدت أكثر من 20000 أسرة من أصحاب الحيازات الصغيرة حقوقهم في الانتفاع ، مع سطو النخبة الشمالية المقربة من نظام الرئيس صالح على نهب الأراضي و أملاك الدولة الأخرى .

اضف إلى ذلك تدهورت العلاقات بين نظام صالح و الحزب الاشتراكي اليمني ، بسبب عملية الإغتيالات أو محاولة الإغتيال لأكثر من 150 من قادة الحزب . ثم قامت الانتخابات البرلمانية عام 1993 و تم تهميش الحزب الاشتراكي اليمني . من هنا بدأ العدد التنازلي إلى ان تدهورت العلاقات بين القيادة الجنوبية و القيادة الشمالية بشكل أكبر . هذا اوصل القيادتين إلى الحرب الأهلية 1994 . قبل ان نتحدث عن الانتصارات التي حققها الرئيس صالح ، يجب ان نعرف حقيقة هامة ان الرئيس صالح أعدى العدة لهذه الحرب من اول يوم للوحدة ، و بعلم القيادة السياسية الجنوبية . لا نحمل المسؤولية الرئيس صالح على أحداث 1994 لوحده . لهذا نسأل قيادتنا الجنوبية لماذا تم تأخير دمج القوات العسكرية و الأمنية الشمالية و الجنوبية ، أين أنت نائب الرئيس السيد البيض أو أين أنت رئيس الوزراء السيد العطاس أو أين أنت وزير الدفاع السيد هيثم قاسم من هذا التأخير في الدمج و أين دوركم في القيادة . نأخذ سؤال آخر للبيض و العطاس و هيثم قاسم كيف كان موقفكم من القوة الجنوبية التي نزحت إلى الشمال بعد يناير 1986 . أضف إلى ذلك أين كان موقفكم ايها القادة الجنوبيين من تهميش الكادر الجنوبي اليس هذا بعلمكم ، و اخيرا اين دور السادة النواب في البرلمان . انتصر الرئيس صالح في هذه الحرب بفضل ضعف القيادة الجنوبية و لفقدانها الأهلية في القيادة ، و بدعم القوة التي نزحت إلى الشمال بعد احداث يناير 1986 .

ان الصراع الحالي بين الشرعية و الإنتقالي هو امتداد لتلك الصراعات السابقة ، القيادة الجنوبية ( 1990 ــ 1994 ) هي التي تتحمل المسؤولية لكل ما يحصل الآن و عليها ان تعتزل العمل السياسي . فهي فاشلة و قدمت انتصار باهر للرئيس صالح و سمحت له نهب مدينة عدن و المدن الاخرى مع عصابته من الأصوليين الإسلاميين ، و المقاتلين الذين عادوا من الجهاد في افغانستان ، و النخبة الشمالية الذين اعتبروا الجنوب مرتعا للإلحاد و الشيوعية و استباحوا الجنوب .

تطور الحركة الانفصالية الجنوبية 2007 ــ 2017

بعد عام 1994 بدأ العسكريون و الأمنيون الجنوبيون الذين أجبروا على التقاعد و أغلبهم من لحج و الضالع بتشكيل حركة تطالب الحكومة في البداية بدفع معاشاتهم التقاعدية . لكن الحكومة واجهة تلك الحركة السلمية المطلبية بالقمع الوحشي و هذا أدى إلى توسع الحركة السلمية إلى ما وراء لحج و الضالع . حيث امتدت إلى مدينة عدن و مناطق اخرى مثل محافظة حضرموت الشرقية . بعد عام 1907 تحولت المطالب الحقوقية للعسكريين و الموظفين الجنوبيين الذين تم إقصاؤهم بعد حرب 1994 إلى مطالب سياسية ، و عُوفوا وقتها بالحراك الجنوبي . بعد  ذلك رفع الحراك الجنوبي شعار ” القضية الجنوبية ” و خاصة في عام 2009 يوم خرج على سالم البيض لأول مرة بخطاب أعلن فيه العمل على ” استعادة دولة الجنوب ” . بعد ذلك اندلعت انتفاضة فبراير 2011 ، التي بدأت بشعارات  مطلبية . بإصلاحات سياسية و اجتماعية و اقتصادية و بتحسين الظروف المعيشية للناس و المساواة في حقوق المواطنة . انظم الجنوبيون إلى جانب اخوتهم اليمنيين الاخرين لفترة قصيرة . لكن بعد توقيع اتفاقية مجلس التعاون الخليجي و انتخاب هادي رئيسا 2012 و بعد ظهور فشل هادي في قيادة الدولة ، هذا ساعد تحالف الحوثي / صالح على السيطرة على العاصمة صنعاء 2014 . بعد ذلك هرب هادي إلى عدن ، لكن رفضه الجنوبيون أولا لشخصيته الضعيفة ، ثانيا لكثرة عدد الشماليين في حكومته ، في الاخير هرب هادي إلى الرياض 2015 .

ترك هروب هادي فراغ في السلطة و هذا بدوره انعكس سلبا على الاخوة الشماليين في الجنوب حيث عانوا الكثير من سوء المعاملة ثم طردهم الجنوبيون من عدن و المحافظات الجنوبية الاخرى . في فجر 26 مارس 2015 بدأت ” عاصفة الحزم ” . من نتائجها  ظهرت ميليشيات و كيانات موازية للحكومة اليمنية ، مدعومة من التحالف نفسه ، و على وجه التحديد من الامارات . شكّلت الإمارات العربية الأحزمة الأمنية الإنفصالية في عدن و المحافظات الجنوبية الاخرى . و درّبت عشرات الآلاف من أبناء المناطق الجنوبية ، و سلحتهم و وظفتهم و دفعت لهم مرتبات شهرية ( أي مرتزقة محترفين ) . لاجل استخدامهم فيما بعد لتصفية من يعارض  وجودها في المناطق المحررة و المواني و الجزر اليمنية ، نتيجة لذلك نشهد الآن الإغتيالات المتكررة في عدن .

منذ عام 2010 تعرض الحراك الجنوبي للتفتت ، يقود بعضها قادة كانوا متنافسين من قبل الوحدة و بعضهم  كانت له نزعة  مناطقية  مثل على  سالم  البيض و حسن باعوم ، كلاهما من حضرموت و يستمدان معظم دعمهما من تلك المحافظة ، لكنهما يدعيان يمثلان كامل الجنوب . هناك حركات اخرى ، مثل تلك التي يقودها عيدروس الزبيدي فأغلب قادته من الضالع و لحج ، وايضا عائلة الجفري و محمد على احمد .. الخ و كلهم يدعون انهم ضمن إطار المجلس الأعلى للنضال السلمي لتحرير و استعادة الجنوب .

حاولت الدول الاوروبية و القوى الاجنبية الأخرى إلى لم شمل هذه الحركات الجنوبية المختلفة و دعتهم إلى الاجتماع في أبوظبي و عمان و بيروت و القاهرة و عواصم أوروبية مختلفة لمساعدتهم في تحديد اهدافهم بوضوح . نعم التزم بعض القادة بحضور هذه الإجتماعات ، لكنهم كانوا غير قادرين كالعادة على الاتفاق حتى على البرنامج أو الأهداف القصيرة المدى . فمنهم من يدعون إلى الحكم الذاتي للجنوب ضمن اليمن الموحد و منهم من يدعون إلى العودة الكاملة إلى دولة الجنوب المستقلة على حدود ما قبل 1990 . هذه الفوضى تدل فقط على انتهازيتهم و افتقارهم إلى المصداقية . لم يقدم أي منهم برنامج اجتماعي أو اقتصادي أو أي برنامج آخر يتجاوز الدعوة المشروخة ” الانفصال ” . نأخذ على سبيل المثال المجلس الإنتقالي أو الشرعية هما الكيانين السياسيين الكبيرين في الجنوب ، نسألهم أين برنامجكم السياسي لدولة الإنفصال في الجنوب أو أنتم يا شرعية ” هادي ” أين تصوركم لدولة الوحدة ، الاولى قد فشلت في 1994 ، قدموا برامجكم للإستفتاء لابناء شعب الجنوب ، لا نريد تكرار اخطاء ( الرئيس صالح و نائبه البيض 1990 ) ، أو تلبية متطلبات الرياض أو أبوظبي مثل مايريدها هادي أو الزبيدي و نخدم مصالح تلك الدول التي تتجاهل احتياجات أبناء الجنوب ، بما في ذلك انصارهم ، جميعهم يعانون من عدم الاستقرار و مشاكل اقتصادية عميقة .

كاتب و محلل سياسي يمني   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى