تقارير وتحليلات

الصعود المقلق لأقصى اليمين المتطرّف في ألمانيا !!

كتبت / زينب الصفار

لعلّ ألمانيا شهدت في السنوات الأخيرة، مثل العديد من الدول الأوروبية الأخرى، مشكلتين من أقصى اليمين المتطرف. الأولى تزايد العنف الذي بات ممثّلاً في الشارع، والذي طبع الخطاب المعادي للمهاجرين إلى حدٍّ ما في الخطاب السياسيّ للبلاد، والأخرى الصعود السياسيّ السريع لحزب اليمين المتطرّف “البديل لألمانيا” أو ظاهرة المتطرّفين ضدّ الأقليات والمهاجرين.

إنّ الشعبية المتزايدة لـ AFDالذي ظهر بالفعل في جميع البرلمانات الإقليمية في البلاد، هي ما يجعل ألمانيا أكثر عرضة للتهديدات اليمينية المتطرّفة مقارنة مع الدول الأخرى في القارّة العجوز.

مساء 19 شباط/ فبراير الماضي، قتل 9 أشخاصٍ بالرصاص في مقهيين منفصلين في مدينة هاناو. بعد التحقيقات، أعلنت السلطات الألمانية أنّها ستتعامل مع الجريمة على أنها هجومٌ إرهابيٌّ يمينيٌّ متطرف.

عقب هجوم هاناو والمأساة الناجمة عن ذلك، أدان السيد شتاينماير، الرئيس الاتحادي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، هذا الاعتداء، وعبّر عن حزنه العميق قائلاً: “إن الغالبية الساحقة للشعب في ألمانيا تدين هذا الهجوم وكل أشكال التمييز العرقي والكراهية والعنف. لن نكفّ عن الدفاع عن التعايش السلمي في بلادنا”.

يرى المراقبون أنَّ هذا التصريح يدخل ضمن حملة دعائية سياسية، فالرئيس شتاينماير يحاول ربط هجوم هاناو الإرهابي بانتقاد سياسة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المتعلقة بالهجرة. وما يحاول فعله هو جعل أي شخص ينتقد سياسة ميركل الخاصة بالهجرة، أو حتى سياسة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة، يشعر بالذنب نوعاً ما حيال ما حصل في هاناو.

وكان الهجوم أحدث علامةٍ على الصعود المقلق لأقصى اليمين المتطرّف في ألمانيا، بحسب المطّلعين. إضافة الى ذلك، أظهر ردّ المؤسّسة السياسية الهزيل على عمليات القتل تلك، عدم قدرة ألمانيا مرة أخرى على التعامل مع التهديد المتزايد الذي يواجه مواطنيها وسكانها.

فما مدى خطورة مشكلة اليمين المتطرّف وعمقها في ألمانيا اليوم؟

الصحافيّ الألمانيّ مانويل أوكزنرايتر، مدير المركز الألماني للدراسات الأوراسية، لا يسمي ذلك بالضرورة، وعلى الدوام، “اليمين المتطرف” أو “الحزب اليميني الأقصى”، بل قد يطلق على ذلك تسمية “تشكيلات السيادة”.

وفي رأيه، هذه الأحزاب أشبه بالفسيفساء، فنجد “مجموعة قمع الجهاديين” و”رهاب الإسلام” مجموعات متطرفة بكلّ بساطة، ونجد رهاب الأجانب، ولكن نجد أيضاً أشخاصاً فقدوا ثقتهم بالأحزاب القديمة القائمة، ويريدون بلاداً مستقلة حرة من أي احتلال أميركي، ويسعون خلف بلد حر من قوانين الاتحاد الأوروبي المفرطة.

 لذا، في كل الأحزاب اليمينية في أوروبا نجد هذه النزعة إلى “الحزب البديل”، إضافة إلى مزيج من الأشخاص. ويصح القول إن هذه الأحزاب تجذب دوماً الأشخاص الذين لا يجدون أي انتماء سياسي، فنجد فيها ذلك التفكير البدائي للغاية، مثل رهاب الإسلام وكرهه.

 لماذا تعتبر الشعبية المتزايدة للصعود السياسيّ لحزب “البديل لألمانيا” أوAfD ، مع التركيز على اللاجئين، مدعاة للقلق؟

أوكزنرايتر يعلل ذلك بأننا نجد اليوم في المجتمع الفئات التي ترحب بكل أنواع الهجرة من دون أي نقد. ومن جهة أخرى، هناك الفئات التي تنتقد ذلك، في حين يتكلم الجميع عن اليمين المتطرف فحسب، وعن تعصّبه، ولكننا نرى هذا التطرف من الجهتين.

لذا، تتعاظم الثغرة بين هاتين الجهتين أكثر فأكثر في أوروبا كلها، ونحن الآن في زمن يعجز فيه الطرفان حتى عن تبادل أي كلام، ويريد كل طرف أن يستبعد الآخر من أي نوع من أنواع الجدل.

 ما نراه الآن أن هذه الثغرة تتعاظم منذ العام 2014 و2015 أكثر فأكثر. وهذه القوى ليست فقط اليمين المتطرف، ولكن أيضاً أحزاب الوسط واليسار، وهي قوى تزداد نفوذاً، وتتنافس على من يتمتع بنيات وقرارات متطرفة حيال الموضوع. إنه خطر جداً على أوروبا، وقد يشكل خطراً أيضاً على جيراننا.

“الإسلام ليس مكانه في ألمانيا”

هذا التصريح الخاص بحزب “البديل الألماني” في العام 2017، نصَّ على ما يلي: “الإسلام ليس مكانه في ألمانيا. وقد أفاد بأن المسلمين يشكلون خطراً كبيراً على دولتنا ومجتمعنا ونظام قيمنا”، فهل هذه مجرد تصاريح متطرّفة لتتبيل الحملات الانتخابية، وهي تعبّر فحسب عن آراء تساعد حزب “البديل الألماني” AfD على تحقيق تقدم في الانتخابات والفوز بالمقاعد أم أنها تصاريح ثابتة وأساسية ويسعى إلى تحقيقها؟

يرى أوكزينرايتر أن هذا الكلام مصدره بالفعل اليمين المتطرف، وخصوصاً المجموعات التي ترفض الهجرة قطعاً، لأنها تمزج دوماً بين موضوع الهجرة وموضوع “الأسلمة”، لكن الكلام كله الذي استشهد به هو أقدم بكثير من حزب “البديل الألماني” الذي أسس في العام 2013، فهذه تصاريح قديمة، ولا سيما الكلام عن أن “الإسلام لا مكان له في مجتمعنا”، و”الإسلام لا يتناسب والقيم الديموقراطية”، و”الإسلام يتجاهل حق مثليي الجنس بالعيش معاً…”.

هذه تصاريح مصدرها الوسط الليبيرالي، وخصوصاً الوسط الليبيرالي في ألمانيا منذ 30 أو 40 سنة، حتى إن نظرنا فحسب إلى صور غلاف مجلة “دير شبيغل”، وهي بعيدة كل البعد عن اليمين المتطرف، لكنها كانت تشعل نار هذا التطرف، وهذا نموذج كلاسيكي من ليبيراليين يقفون ضد أي دين.

 وما يثير الاهتمام أن اليمين المتطرق في أوروبا في تسعينيات وثمانينيات القرن العشرين كان إيجابياً، وتحديداً مع الإسلام، إذ إن هناك تشاركاً في مواضيع الإجهاض والقيم العائلية، وتشاركاً في التعاضد وفي الإيمان بالله، وفي جعل المجتمع أفضل، من خلال عبادة الله في الكنيسة أو المسجد.

هذا الأمر تغيّر كلياً بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، مع سيطرة المجموعات الليبيرالية لمحاربة الجهاديين. وبالمناسبة، الأشخاص الذين يستشهد بكلامهم لن يسموا أنفسهم “اليمين المتطرف” أو “اليمين الأقصى”، بل قد يقولون إنهم ليبيراليون بكل فخر! لذا، نحن نعيش أيضاً في تشويش كامل من الإيديولوجيات، إضافة إلى تشويش في مواقفنا.

انكشاف أوروبا في زمن فيروس كورونا 

لعل عقوداً من النيوليبرالية قوّضت أنظمة الصحة العامة في كل البلاد الأوروبية. وقد انكشف الأمر الآن بسبب تفشي فيروس كورونا، فيما تناضل الأنظمة لمواجهة الفيروس وصدّه، ويجري كلام عن إنقاذ المرضى الصغار في السن، مقابل مسنين قد يخسرون حياتهم. هذا قطعاً تصرف عارٍ من الإنسانية. وهناك أيضاً توحش وقساوة شديدة ظاهرة في التعامل بين بلدان الاتحاد الأوروبي، إذ تخلَّت بعض تلك الدول عن بلدان أخرى، ولا سيما ما حصل في إيطاليا وبعض البلدان الأوروبية الشرقية.

هل يظن الصحافي الألماني مانويل أوكزنرايتر أن التحالفات ما بعد كورونا لن تكون التحالفات نفسها التي كانت قبل هذه الأزمة الصحية؟ 

“هذا بالضبط وجه النظام الليبيرالي، لكنه ليس وجه أوروبا، لأنها كانت تتمتع بمجتمع متضامن جداً في الماضي، وما نراه هو تطورات العقود الماضية، أي التوفير وسياسة التقشف في الميادين كلها، وهذه هي النتيجة في النهاية، وينبغي أن نتعلم شيئاً من ذلك. ويمكن لكل أوروبي أن يتعلم من ذلك كله، فالبلدان التي تتعرض للانتقاد من وسائل الإعلام الأساسية والسياسة الرئيسية، لكونها بلداناً متسلطة وديكتاتورية وقاسية جداً، مثل جمهورية الصين الشعبية وروسيا، هي البلدان التي تواجه الأزمة، وترسل حتى المساعدات إلى أوروبا. بالأمس، وصلت المساعدة من الصين إلى إيطاليا، وإيطاليا مثل ألمانيا، “بلد يحتله الأميركيون بوجود عدد كبير من الجنود الأميركيين، والحلفاء الأميركيون المزعومون. هم فعلاً لا يفعلون أي شيء لمساعدة الإيطاليين، لا شيء! في حين يقدم الروس المساعدة”.

النتيجة قد تكون، ويأمل أن تكون، والكلام لأوكزنرايتر، بأن نتعلّم أمرين في أوروبا: أولاً أن نتعلم من هم أصدقاء أوروبا، ومن أظهر تضامنه معنا، وثانياً أن نتعلم أن بروكسل لا تفعل أي شيء حيال ذلك الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى