سيكولوجيا الدردشة الصوتية: لماذا نحبّ “ClubHouse”؟! بقلم| علي شهاب
بقلم| علي شهاب
ماذا لو كان ارتداء الرداء السحري يسمح لكم بالهمس والتحدّث بحميمية مع الأشخاص الآخرين من دون أن يروكم أو يعرفوا عنكم إلا ما قررتم أن تبوحوا به؟ وماذا لو كان الرداء يوفّر لكم شعوراً بالأمان، نتيجة اختياركم التواجد في غرف مغلقة تسمعون فيها صدى أوهام ووساوس تحسبونها أفكاراً، ولكنها لا تمتّ إلى التفكير بصلة؟
هذا الرداء موجود بالفعل تحت أسماء تجارية عديدة، مثل “كلوب هاوس” (Clubhouse) و”سبايسز” (Spaces) و”ديسكورد” (Discord)، وغيرها من التطبيقات والمنصات المخصّصة للدردشة الصوتية، التي أراحتنا من إجهاد “زووم” واجتماعات الفيديو عن بُعد، كما أراحت أناملنا من الكتابة، ليصبح الصوت هو السلاح الجديد للتميز، وأي إغراء أشدّ من ذلك؟
وكما يحثّك “فيسبوك” يومياً على إخبارنا بما يجول في ذهنك “What’s in your mind?”، صار لديك منصّة تدعوك إلى إتحافنا بأفكارك النيّرة ونظرياتك العميقة، بعيداً من أي حسيب أو رقيب، وبغض النظر عن أية معايير أخلاقية أو علمية.
“الفرادة” أو “التفرّد” هي كلمة السرّ مرّة أخرى لاقتحام أيِّ نفس بشرية ودغدغة مشاعر أيّ مستخدم للإنترنت. يوفّر “كلوب هاوس” ومثيلاته مساحة لأيٍّ كان كي يتشبّع بما شاء من رنين عاطفيّ لأصوات من أنحاء شتّى، وإن كانت النتيجة الفعلية في معظم الأحيان صفرَ تأثير أو فائدة، ومنسوباً عالياً من الكراهية والعدوانية اللفظية عند اختلاف الآراء.
وخلف كلّ هذا المشهد، هناك خوارزميات رياضية مرة أخرى تقودنا إلى عالم نتشابه فيه بأفكارنا وسلوكياتنا وهوياتنا تحت مسمّى “المواطن العالمي” (Global citizen)، ماسخين كل تفرّد وتميّز، بدعوى التقدم التكنولوجي والانفتاح على العالم.
لا فرق في تطبيقات الدردشة الصوتية بين “انطوائي” “Introvert” و”انبساطي” (Extrovert)؛ فالجميع سواسية في غرف الصدى الطرشاء! وبما أن النفس البشرية فضولية بطبيعتها، فمن السهل تكرار اختبار كلب “بافلوف” في كل مرة يصادفنا عنوان غرفة دردشة مثير، فنسارع إلى الانضمام إليها والإدلاء بدلونا. المحفّز لسلوكنا هنا هو النتيجة المتوقعة من المشاركة، سواء كنا نتوقَّع تقديراً أو مديحاً أو اكتساب معجبين، ثم إن وجود هذا العدد من مديري الغرف (Moderators) يعطينا فعلاً شعوراً بالأهمية. الكلمة لنا الآن. لقد قرر ذلك مدير الحوار، بغض النظر عن مستوى معرفته وموضوعية أسئلته. لقد قرر شخص يمتلك سلطة الإدارة أنَّ الكلمة لنا وعلى الجميع الاستماع.
وبعد ذلك كلّه، يشبه “كلوب هاوس” آلات القمار في مداعبته غرائز المكافأة لدينا. من منا لا يسعد بربح أو مكسب في كل مرة يدخل فيها إلى التطبيق، فيُفاجأ بالمواضيع والشخصيات المشاركة والنتائج. أيّ إغراء أشدّ من مكافأة غير متوقّعة؟ إيلون ماسك بنفسه قد يكون حاضراً في إحدى الغرف!
وكي يكتمل سحر المشهد، فإنّك تستطيع أن تمارس فضولك بلا انقطاع، من دون أن تقلق بشأن ما ترتديه ومكان تواجدك. أعطِنا أذنين ولساناً فقط، ولا داعيَ لعقلك. نحن لا نحتاجه أبداً لإشباع حاجتك إلى التفرّد!