تصحيح مفاهيم “35″: الانسحاب الإماراتي وتأثيره على الساحة الجنوبية.. محاولة لفهم ما يدور؟ بقلم| أ. أزال الجاوي
بقلم| أ. أزال الجاوي
رصد المواطنون وبعض الجهات الإعلامية الأسبوع الماضي سحب الإمارات لبعض المعدات الثقيلة والأفراد من الساحل الغربي وعدن ومأرب وجزيرة ميون، إلا أن كل تلك الانسحابات لم تؤدي حتى الساعة الى انسحاب كامل وشامل، ويعتقد بعض المقربين من تلك القوات أن عملية الانسحاب تلك روتينية وتأتي لتبديل القوات بين الفترة والأخرى، وهذا ليس بجديد بل حصل من قبل.
إنه لمن السابق لأوانه الحديث عن انسحاب نهائي، فدخول الإمارات في حرب اليمن كان له أبعاد استراتيجية كبيرة لا يمكن إدارة الظهر عنها بسهولة، لما يترتب على ذلك من آثار مهولة ليس على الإمارات فحسب بل على عموم المنطقة، إلا أننا نشك بأن عملية الانسحاب تلك تمهد لشيء ما يتم إعداده في المستقبل ضمن إعادة الترتيبات في عموم المنطقة، وربما مرتبط أيضاً بما يسمى بـ”صفقة القرن”، ولعل أهم الشواهد على ذلك هو تصريح وزير خارجية الكيان الصهيوني “إسرائيل”، إسرائيل كاتس، يوم الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحفي، حيث قال إن “إسرائيل تستعد لتدخل عسكري محتمل في منطقة الخليج”، مضيفاً أن “أحد عوامل التهديد التي تستدعي التدخل هي الحوثيين في اليمن”.
وتأتي تلك التصريحات بعد يومين فقط من إعلان انسحاب القوات الإماراتية من جزيرة ميون الاستراتيجية المتحكمة بباب المندب وممر الملاحة الدولي، وتسليمه لخفر السواحل اليمني الذي لا يمتلك التجهيزات والقدرات اللازمة لحماية الممر والملاحة الدولية، وهو ما أوجد مخاوف عند المراقبين المحليين بأن ذلك الانسحاب ربما يأتي ضمن خطة لتسليم الجزيرة في حال اندلاع حرب أمريكية – إيرانية لإسرائيل، وأن تلك الخطوة تأتي لرفع العتب أو الحرج فقط، مع العلم أن تلك الجزيرة لعبت دور استراتيجي في حروب العرب مع إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى أوردت صحيفة “الاكونمست” البريطانية الأسبوع الماضي خبراً يقول إن “الإمارات ترغب في تركيز جهودها في اليمن على محاربة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية وغيرهما من الجماعات المتطرفة”، وهنا تكشف الصحيفة عن نوايا إماراتية لتغيير جوهر ذريعة الحرب وأهدافها من حرب اقليمية من أجل إعادة “الشرعية” إلى حرب دولية من أجل مكافحة الإرهاب.
ويأتي ذلك ليعطي مبرراً للوجود الإماراتي حتى دون موافقة أو تفويض من “الشرعية”، خاصة بعد استفحال الخلافات بينهم مؤخراً، وكذا بعد تصاعد الرفض الشعبي للوجود الإماراتي، وأيضاً التململ الدولي من الممارسات التي لا تلتزم وتنتهك المعايير الإنسانية، فضلاً عن الاخفاقات المتكررة التي لازمت “التحالف العربي” خلال أعوام الحرب الاربعة المنصرمة، ولتعطي بصبغة جديدة شرعية “الضرورة” لبقاء قواتها لحماية أمن العالم ككل من “الإرهاب” حتى دون الحاجة للرجوع للحكومة “الشرعية”، وربما أيضاً لتحسين صورتها من خلال الإيحاء أنها ليست طرفاً في الحرب الأهلية الداخلية بين الفرقاء، في محاولة منها لامتصاص الرفض والغضب الرسمي والشعبي اليمني والعربي والدولي.
التحالف ومستقبل الجنوب
رغم تصاعد الرفض الشعبي في عموم ما يسمى بالمناطق المحررة للوجود الإماراتي السعودي، إلا أن ذلك الرفض محدود التأثير مهما بلغ، بسبب الانقسامات وتأجيج الحروب والمشاكل الداخلية، غير أنه لا يستبعد أن يتحول ذلك الرفض إلى أعمال عنف مسلحة لكنها ستكرس حالة الحروب الداخلية دون حسم، وهذا ما يجعل بعض القوى المناهضة تتجنب أو تؤجل ذلك الخيار حتى يصبح حتمية لا مفر منها ولا خيارات سواها، إلا أن حالة الهشاشة تلك تساعد أيضاً على دخول قوى اقليمية أخرى مناهضة للتحالف العربي في خط الصراع لقلب الطاولة رأساً على عقب، خاصة أن كل الظروف مهيئة لذلك ولا تصب في مصلحة التحالف العربي بعد أن استنفد كل فرص التأييد والتعاطف الشعبي المحلي وكذلك الإقليمي والدولي خلال الأربع السنوات المنصرمة منذ سيطرته على ما يسمى بالأراضي “المحررة” في الجنوب، إلا أن تلك القوى الاقليمية والتي لها أذرعها في الساحة حتى الآن هي أيضاً على ما يبدو لم تقرر الدخول والمواجهة بقوة وبشكل مباشر وعلني كما هو حاصل في ليبيا على سبيل المثال، أو كما حصل في سوريا والحديث هنا عن الجنوب فقط. كما نحب أن نشير إلى أن الواقع اليوم في الجنوب يسير برتابة لا تحمل مفاجأة جوهرية بحكم توازن القوى المتضادة الداخلية، وهو مؤشر مهم على بقاء الحالة كما هي عليه واستمرار الحرب والفوضى ربما لزمن طويل.
*من حساب أ. أزال الجاوي، على “فيسبوك” 9 يوليو 2019