ثقافة وفن

ماذا تعرف عن “الأمير” أحمد بن فضل العبدلي ..(القمندان)!!

أَحْمَد فَضْل العَبْدَلِي (1881 – 1943)

الملقب بالقُمِنْدان هو شاعر وملحِّن وعسكري يمني، ينتسب إلى أسرة «العبدلي» التي حكمت سلطنة لحج زمن الاحتلال البريطاني للجنوب اليمني. وهو أيضاً مؤرخ وباني نهضة زراعية في لحج، وهناك من يطلق عليه صفة الفقيه. شارك في تأسيس نادي الأدب العربي في عدن في 1925 وكان مضطلعاً بنشاطاته، وتولى رئاسته في فترة من الفترات.

والقمندان يعد من أشهر شعراء العامية في اليمن أجمع، ولأشعاره شعبية هائلة في لحج والمناطق المحيطة بها. وكملحن فهو يُعد مؤسس الغناء اللحجي الحديث، أحد الأساليب والأنواع الغنائية الرئيسية في اليمن إلى جانب الغناء الصنعاني والحضرمي. ومن أسباب شهرة الشاعر دخول الفونوجراف إلى عدن، فمهد له هذا الطريق إلى قلوب العاشقين للموسيقى والأغاني، غير أنَّ فنّه لقي الكثير من المنافسة من الأغاني الهندية والمصرية التي انتشرت في تلك الفترة، ولم يكن هذا العائق الوحيد أمام انتشار أغانيه فقد أصدر عدد من فقهاء عدن ولحج فتاوى يحرمون فيها الغناء والموسيقى ويذمون أصحابه، ومن هؤلاء من خصَّ أغاني القمندان بالتحريم، وإن لم يكن لها ضرر كبير على انتشار أغانيه.

ويُنظر حالياً إلى القمندان كجزء من النهضة الثقافية والأدبية التي شهدتها عدن مع بدايات القرن العشرين، وساهم فيها فقد أخذ على عاتقه بناء العديد من المدارس والمنتديات الأدبية، وكان صديقاً للأديب اليمني العدني محمد علي لقمان المحامي. وأحياناً يوصف القمندان بأنه مغن، إلا أن هذا الرأي غير منتشر ويلقى معارضة شديدة.

وللقمندان ديوان واحد فقط، وهو “ المصدر المفيد في غناء لحج الجديد“، ويضمُّ تقريباً جميع القصائد التي قام بتأليفها حيث يحتوي على 90 قصيدة من أصل 95 منسوبة إليه. ويشتهر القمندان كشاعر شعبي، إلّا أن لديه بعض من الأعمال والقطع النثرية، ولعلّ أهم ما كتبه في النثر هو كتابه الذي يؤرخ فيه عدن ولحج تحت الاستعمار البريطاني “هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن

وكتب في النثر أيضاً كُتَيِّباً صغيراً أسماه “فصل الخطاب في إباحة العود والرباب” وفيه يدافع عن الغناء بحجج وبراهين فقهية ويقتبس من فقهاء مشهورين دافعوا عن الموسيقى باعتبارها مشروعة في الشرع الإسلامي. وإلى جانب هذا فله عدد من المقالات نشرت في مقدمة ديوانه المطبوع في 1938، ومقالات أخرى نشرها في صحيفة فتاة الجزيرة التي كانت تصدر في عدن.

عن والده :

والده هو السلطان فضل بن علي محسن الذي حكم السلطنة في فترتين، الأولى عندما تولى الحكم في 1862 وبعدها بعام واحد في 1863 تنازل عن الحكم لعمه فضل بن محسن فضل بسبب نزاع في العائلة حول الحكم، والفترة الثانية حكم فيها 11 سنة من 1874 وحتى وفاته في 1898، وفي خلال فترة حكمه هذه لم ينازعه أحد في الحكم مثلما حدث في المرة الأولى، وكان هو الذي باع مدينة “الشيخ عثمان” للحكومة البريطانية في عدن، وفي عهده ضُمَّت بلاد الصبيحة إلى السلطنة ولكنها انفصلت عنها لاحقاً، وساد جو من التوتر بين العبادل وقبيلة العقارب, في كنف والده ترعرع أحمد فضل القمندان، وذلك حتى وفاة والده عندما كان يبلغ عمر القمندان حينها تقريباً 14 عاماً، ويتحدث الشاعر عن والده فيقول: «كان يحب العلم والعلماء، ويكثر من مجالستهم، وكان في بادئ الأمر يحضر إلى جامع الحوطة ويقعد في حلقة الطلبة كطالب علم، وبنى مدرسة للعلامة الشيخ أحمد بن علي السالمي من الأسلوم بلحج، وكان عادلاً طيب القلب. فعندما بيعت منطقة الشيخ عثمان للحكومة البريطانية، حول السلطان فضل بن علي قيمتها إلى خزينة السلطنة، ولم يوزعها على أفراد العائلة الحاكمة…».

حياته :

ولد الشاعر والأمير أحمد فضل بن علي بن محسن العبدلي في مدينة الحوطة عاصمة سلطنة لحج في ذلك الوقت وترعرع وعاش معظم حياته ودفن فيها، وكانت تربطه بها علاقة حميمة، وتؤرخ ولادته إلى عام 1302 في التقويم الهجري أي ما يوافق 1884 أو 1885 في التقويم الميلادي , وتذكر مصادر أخرى أن ولادته كانت في عام 1303 هـ، بينما يتحدث الشاعر عن نفسه ويقول أنه ولد في صباح يوم 15 شعبان من العام 1299 أي ما يوافق الأول من يوليو 1882. وتنحدر أصوله إلى عائلة العبدلي التي حكمت سلطنة لحج لمدة تفوق على 200 عام، حيث بدأ ظهورها في خضم الأزمات السياسية التي تلت انهيار الدولة العثمانية الأولى في اليمن، وبرزت للسلطة في لحج وعدن كمشيخة في ثلاثينيات القرن الثامن عشر، وكانت سلطنة العبدلي إحدى المتحالفين مع الاستعمار البريطاني في الجنوب اليمني وأصبحت مع بداية القرن التاسع عشر جزءاً من محمية عدن.

أمّا عن الأصول القبلية لعائلته، فبينما ينسب شرف الدين حسين بن حسين الرسي عائلة العبدلي في كتابه “السيرة المنصورة” إلى قبائل لحج وما جاورها، فإن القاضي حسين العرشي يرجعهم إلى أرحب شمال صنعاء، وكذلك الإمام يحيى حميد الدين عندما نسب العبادل إلى بكيل في رسالة أرسلها إلى سلطان عبدلي. وفي كتابه “هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن” يرفض الأمير أحمد فضل القمندان هذه الإدعاءات بعنف، ويعرض صوراً لوثائق ترجع العبادل إلى قبيلة كَلد وهي إحدى قبائل يافع، وعلى أية حال فإن العبادل قد انقطعت علاقتهم بأصولهم القبلية منذ فترة وأصبحت تعرف لحج بأرض العبادل وأصبح العبادل ينسبون إليها.

الاصلاح الزراعي :

منذ صغره كان القمندان مولعاً بالزراعة وكل ما يتعلق بشئون البستنة، وفي شبابه كان مسؤلاً عن بستان عائلته ودائماً ما كان يقضي أوقاته بين الحقول والبساتين. واستطاع بعد ذلك أن يملك بستان خاص به يعرف ببستان “الحسيني” كثيراً ما كان يتغنى به في أشعاره. وبعد أن ترك القمندان العسكرة وهجر الإمارة نشط في تطوير الزراعة في منطقة لحج والبحث عن السبل والوسائل التي تمكنّه من مضاعفة الإنتاج الزراعي، فكان يقرأ كل ما يقع بين يديه من كتب ومجلات ونشرات عربية أو إنجليزية متعلقة بالزراعة وخاصة ما يتعلّق منها بتحديد التربة الملائمة للزارعة وبمكافحة الآفات التي تُصيب المحاصيل الزراعية بالمبيدات السائلة تدريجياً وأحياناً نهائياً، وحاول كذلك أن يتعمق في القراءة حول تأثير الطقس والمناخ في نمو المزروعات.وفي محاربة الآفات التي تصيب المحاصيل خصص المزارع القمندان جزء من بستانه “الحسيني” من أجل التحقق من مفعولية المبيدات في القضاء على الآفات الزراعية وذلك قبل نقلها إلى البساتين المجاورة وعرضها على المزارعين المحليين، وكان يدوّن في سجلّ خاص نتائج التجارب التي يختبر فيها المبيدات.

وكانت عائلة القمندان تمتلك أراض زراعية واسعة منها ما ملكته بالإرث وأخرى عن طريق شرائها من مالكيها، وباعتبارها الأسرة الحاكمة في السلطنة فقد كان لها نفوذاً واسعاً لا تنازعه أحد من الأسر الأخرى استخدمته في الاستيلاء على أراضي زراعية بوسائل غير قانونية من ضمنها التهديد. هذا ما أمنَّ له العيش حياة رغدة ميسور الحال فيها، وفتح له أبواب المعرفة والثقافة، على الرغم من ذلك لم يرض القمندان بالاضطهاد أو التمميز الإجتماعي ليس فقط في منطقته وإنما في البلاد العربية بشكل عام، ويظهر ذلك جليّاً في مقال له كتبه لاحقاً بعنوان “أمير عربي يصف الجزيرة العربية“.

التعليم :

تلقى أحمد فضل العبدلي مبادئ القراءة والكتابة في منزل والده السلطان، وتقريباً في عام 1891 عندما كان يبلغ من العمر سبع سنين أدخله أبيه إلى “دار العلم” وكان يتعلم هناك على فترتين الأولى في الصباح حيث كان يدرس فيها القراءة والكتابة والأخرى في العصر يتعلم فيها التجويد وعلوم القرآن،  وتلقى تعليمه الأولي هناك، وعلى يد بعض من فقهاء الحوطة وأغلبهم نزحوا من الشطر الشمالي، حيث نال قسطاً من التعليم في المساجد والكتاتيب في مدينته في وقت لم يكن فيه التعليم متاحاً للجميع. وفي هذه الفترة درس هو وأبناء عمومه قواعد اللغة العربية والفقه الإسلامي والحديث على يد “أحمد بن علي السالمي” وهو مفتي لحج في تلك الفترة وكان يحمل معه شهادة من معهد زبيد الديني في النحو والصرف والبلاغة والعلوم الدينية، وتعمق أكثر في الدراسة على يد “علي الأهدل” قاضي لحج ، وتتلمذ أيضاً على يد اللحجي “قاسم بن عبد الله السالمي” والحضرمي “علوي بن علي الحداد” وأيضاً “طاهر بن شيخان الحبشي” من حضرموت. وفي هذه السبع السنين التي درس فيها حفظ القرآن ودرس علومه وتلقى دروس كذلك في الحديث والعلوم الإسلامية والنحو والصرف والمنطق والبلاغة والبيان والإعجاز والحساب والموسيقى والتاريخ والجغرافيا. ولم يلتحق القمندان بأي من الجامعات في الخارج، ولم تكن بعد قد أُنشئت أيّ من الجامعات اليمنية في زمنه، وكذا فلم يلتحق بأي من المعاهد العالية أو غيرها من المؤسسات التعليمية الأكاديمية. ولكنّه استطاع إمتلاك نوع من الثقافة الأدبية والموسيقية وإطّلاع على الأوضاع السياسية في المنطقة العربية وذلك بمطالعة أنواع الصحف والمجلات التي تصدر في البلدان العربية. وكان القمندان شديد الاهتمام بمؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الأديب المصري الذي عاصره، وأيضاً عدد من الشعراء العرب الجاهليين وبعد الإسلام. وقرأ مقدمة ابن خلدون وديوان المتنبي وديوان الشريف الرضي وكان معجباً بأشعار أحمد شوقي وأبو نواس ورباعيات إلياس فرحات وقرأ كذلك لطه حسين.

التلحين والموسيقى:

تدرب القمندان على الآلات الموسيقية وتلقى مبادئ وأصول الموسيقى على يد أربعة من المدرسين نزحوا من مدينة “تعز” في شمال اليمن واستقروا في الحوطة وتعود أصولهم إلى “الشام”، وهم الأخوين عبد الحميد ورافع رضا رياض من مدينة حلب وإلى جانبهما “سعيد تقي الدين الأجاصي” و”صدام الفياض”. ويقول القمندان أن لهؤلاء الفضل عليه في إرساء قواعد وأصول الموسيقى اللحجية على الطريقة الحديثة. وأجاد القمندان العزف على الساكسفون والبجل والفنيون والأينو ورغم أنه وجد صعوبة في إتقان العزف على القانون إلا أنه تمكن منه بعد ذلك، وفي وقت لاحق أجاد العزف على آلة القنبوس. ولم يدون القمندان ألحانه بالطريقة المعتادة باستخدام النوتات الموسيقية، ولكن كانت له طريقة أخرى في تدوين الألحان بأن يضعها في صيغ لفظية على كلمة “دان” من دندنة، مثل «دانه على الدانه يا دان يا دانه».

العسكريه:

تعود علاقة القمندان بالعسكرة إلى عهد عمه سلطان لحج “أحمد بن فضل محسن العبدلي” عندما قلده قيادة الجيش النظامي في عام 1904م تقريباً، وكان يبلغ حينها تسعة عشر عاماً، ومن الأسباب التي دفعت عمه إلى ذلك إجادة القمندان للغة الإنجليزية مما سيسهل عليه التعامل مع القوات البريطانية الحليفة في عدن، والتي تربطها بالسلطنة الكثير من المعاهدات والمواثيق. ومع وفاة “عمّه” السلطان في 10 مارس من العام 1914 بعد معاناته من مرض السُّكري، انتهى عهد تميز بالهدوء نسبياً عدا بعض المناوشات الخفيفة مع قبائل الصبيحة المحيطة وكذلك مع الأتراك في شمال اليمن، ولكن ذلك الهدوء كان بمثابة الهدوء قبل العاصفة التي تمثلت في قيام الحرب العالمية الأولى وتقدم القوات العثمانية بقيادة الجنرال “علي سعيد باشا” نحو الحوطة بعد سيطرتها على الضالع بهدف الوصول إلى عدن قاعدة البريطانيون في اليمن. وتقدم جيش السلطنة بقيادة القمندان إلى قرية الدكيم على مقربة من القوات العثمانية، حيث دارت المعركة هناك وهُزِمَ فيها جيش السلطنة، ولكنه سرعان ما تراجع إلى العاصمة بعد أن أدرك حجم المقاتلين العثمانيين الذين لم يتوانوا في التقدم نحو الحوطة عاصمة السلطنة العبدلية. واجهت القوات العثمانية مقاومة صغيرة في طريقها إلى الحوطة من القرى المجاورة، ولكن ذلك لم يمنعها من السيطرة على العاصمة. وحدث ذلك في فترة حكم السلطان “علي بن أحمد بن علي محسن” الذي لم يدم حكمه غير عام واحد وثلاثة أشهر، حيث دخل الأتراك لحج وسيطروا عليها في غضون أيام من شهر يوليو 1915، وبذلك سقطت سلطنة لحج في أيدي العثمانيين ولجأ العبادل ومنهم الشاعر القمندان إلى حلفائهم البريطانيون في عدن.

وفاته :

في آواخر حياته أُصيب القمندان بالإكتئاب، وخاصة في السنتين الأخيرتين قبل عام وفاته إذ توالت عليه في هذه الفترة الأمراض النفسية والجسمانية، وبعد أن فشل في محاربة الإكتئاب لجأ إلى المشعوذين الذين حاربهم طيلة حياته في مقالاته ومؤلفاته ليخلّصوه بما ألمّ به، وانتهت معاناته بالوفاة بعد إصابته بمرض عجز الأطباء عن شفائه منه. فتوفي في بداية شهر أغسطس من العام 1943م ما يوافق بداية شهر شعبان من عام 1362 في التقويم الهجري، وكانت وفاته في الساعة السادسة مساء في مستشفى في مدينة التواهي بعد أن ظل هناك لفترة طويلة تحت العلاج،  ونقل في صباح اليوم التالي إلى الحوطة ليدفن في مسجد الدولة هناك، وشُيِّع جثمانه تشييعاً عسكرياً، وحضر جنازته جمع غفير من المواطنين والصحفيين إضافة إلى ساسة وقادة عسكريين من مدينة عدن إلى جانب أفراد أسرته وأبناء عمومه. وكان من ضمن من نعوه بعد وفاته رئيس وزراء مصر في تلك الفترة “مصطفى النحاس باشا”.

حيروت – ثقافة وفن \عن ويكيبيديا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى