مأرب: ما سرّ الانزعاج الأميركيّ؟ بقلم| علي ظافر
بقلم| علي ظافر
التطورات جاءت بعكس تمنيات واشنطن وتقديراتها، وهو ما يفسّر انزعاجها، ولا سيَّما مع وصول الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود، نتيجة إصرار واشنطن والرياض على رؤيتهما للحلّ وتمسّكهما بمنطق المساومات.
بخلاف الدعوات الأميركية والسعودية المضلّلة بزعم الحرص على “وقف إطلاق النار”، وخصوصاً في مأرب، سجَّلت المعلومات أنَّ تحالف العدوان شنَّ أكثرَ من 450 غارةً على محافظة مأرب خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، إلى جانب حشد كلّ عوامل التصعيد عسكرةً وتجييشاً، إذ أنشأ قبل أسبوعين معسكراً جديداً في منطقة الوديعة على الحدود مع السعودية. كلّ هذا التّحشيد والتّجييش يهدف بطبيعة الحال إلى تحسين الوضع الميداني المنهار لجماعات هادي – الإصلاح، وبالتالي إدامة الحرب، وليس إنهاؤها.
في المقابل، لم تكن صنعاء غافلة عن كل هذه الأنشطة، وأثبتت من خلال العمليات العسكرية الاستباقية على “معسكر صحن الجن” و”المنطقة العسكرية الثالثة” و”معسكر الوديعة” تفوّقها الاستخباراتي، إلى جانب قدراتها العسكرية النوعية، لكون هذه العمليات أطاحت عشرات المقاتلين، بينهم ضباط سعوديون، وأربكت خططاً ميدانية كان يجري التحضير لها باتجاه الجوف ومأرب، بينما استمرت طلائع قوات صنعاء بالتقدم إلى المواقع الاستراتيجية المطلة على المدينة من الجهة الغربية، وفق ما تؤكده مصادر قبلية.
هذه العمليّات العسكرية والتقدم المستمر لقوات صنعاء، مثّلت جميعها مصدر ازعاج للولايات المتحدة الأميركية. بدا ذلك واضحاً في تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الذي قال حرفياً: “سئمنا من الهجمات المتكررة للحوثيين، ونحن منزعجون من الهجمات في مأرب”.
تعبّر هذه التصريحات عن خيبة أمل وقناعة باستحالة تغيير الواقع الميداني الذي رسمته معارك الأشهر الماضية في مأرب، لكن واشنطن تحاول تصوير هذه المعارك بأنها السبب في تفاقم “حدة الأزمة الإنسانية” في البلاد، وهو اختزال غير منطقي وقفز على الواقع.
ولأنَّ مفتاح الحلّ بيد واشنطن، باعتبارها صاحبة القرار الأول في السّلم، كما كانت صاحبة القرار الأول والضوء الأخضر في إعلان الحرب، ردَّ عليها عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي بالقول إنَّ سأم واشنطن سينتهي بمجرد أن “توقف عدوانها، وتفكّ حصارها، وتنهي احتلال اليمن”.
يبدو أنَّ واشنطن، وهي تراقب الأمور والتطورات في مأرب، تدرك أن تقديرات مبعوثها الخاص إلى اليمن، تيم ليندر كينغ، الذي استبعد خلال شهر حزيران/يونيو الماضي “إمكانية حسم صنعاء لمعركة مأرب” في غير محلّها، كما تبيّن لها ربما أنَّ سياسة الضغوط التي انتهجتها ضد صنعاء عديمة الجدوى والتأثير، فالعقوبات التي فرضتها مؤخراً على القائدين العسكرين محمد عبد الكريم الغماري رئيس هيئة الأركان، ويوسف الميداني قائد المنطقة العسكرية الخامسة، لم تغير من الواقع شيئاً، حتى لو ذهبت إلى مزيدٍ من العقوبات – وهو أمر غير مستبعد – ومارست كل أدوات الضغط، ذلك أنَّ صنعاء تعتبر معركة مأرب سيادية، ولن تتراجع عن المبادئ التي حددتها سابقاً بإنهاء العدوان والحصار والاحتلال.
المعطيات الميدانيّة تعزّز ذلك. وفي جديدها، رغم شحّ المعلومات، تأكيد مصادر قبليَّة أنَّ طلائع القوات المسلَّحة واللجان الشعبية سيطرت خلال الأيام القليلة الماضية على مواقع مهمة في محيط جبل البلق القبلي (الشمالي)، وهو جبل استراتيجي مطلّ على سدّ مأرب والأحياء الغربية للمدينة، بعد أن تمكّنت قوات صنعاء في الفترة الماضية من السيطرة على جبهة المشجح والكسارة والطلعة الحمراء.
تلك التطورات جاءت بعكس تمنيات واشنطن وتقديراتها، وهو ما يفسّر انزعاجها، ولا سيَّما مع وصول الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود، نتيجة إصرار واشنطن والرياض على رؤيتهما للحلّ وتمسّكهما بمنطق المساومات.
إلى جانب هذا الإنجاز الميداني للعمليات البرية، سجَّلت صنعاء 3 أهداف إضافية في شباك تحالف العدوان الأميركي السعودي، بعمليات استباقية لا يمكن فصلها عن العمليات البريَّة. أول تلك العمليات، استهداف معسكري “صحن الجن” و”المنطقة العسكرية الثالثة”، وثانيها إسقاط طائرتي “درونز” أميركية من نوع “سكان إيجل” أثناء تنفيذها مهامّ عدائية في أجواء محافظة مأرب، إضافةً إلى عملية الوديعة التي شكَّلت إضافة نوعية على المستويين العسكري والاستخباراتي. وهنا، لا بد من أن نتوقف بالتحليل عند العملية الأخيرة، لكونها جاءت ضمن استراتيجية “الضربات الاستباقية لتحركات العدو” وضرب عديده البشري قبل وصوله إلى أرض المعركة.
وهنا، تؤكّد مصادر عسكرية أنّ صنعاء كانت ترصد الحركة داخل معسكر الوديعة وتتابعها عن كثب. وقد عزَّزت المشاهد التي وزَّعها المتحدّث باسم القوات المسلَّحة، العميد يحيى سريع، قدرة الاستخبارات العسكرية على تحقيق اختراقات مهمَّة في صفوف التحالف وداخل معسكراته.
في الخلاصات، يمكننا إجمال عدد من النقاط التي وصلت إليها صنعاء من خلال عملياتها الأخيرة على النحو التالي:
– إنَّ معظم معسكرات التحالف مخترق أمنيّاً. وقد أوحى بذلك التصوير من داخل المعسكر قبل العملية وأثناءها وبعدها.
– إنَّ صنعاء باتت تملك بنك معلومات عن العدو وجغرافية تمركزه، بما يمكّنها من انتخاب الأهداف وفق الأولويات التي يفرضها واقع المعركة.
– إنَّ معظم المعسكرات مكشوف عسكريّاً، بمعنى أن صنعاء تملك سلاحاً قادراً على تجاوز منظومات الاعتراض، وهو ما لم يعد جديداً.
– توزيع مشاهد إقلاع الطائرات المسيّرة لأول مرة يوحي بقدرة صنعاء على إطلاق هذا النوع من السلاح، من أيِّ مكان كان، وباتجاه أيِّ مكان تريده.
– إنَّ صنعاء ماضية ربما نحو تكثيف العمليات الاستباقية من هذا النوع.
وبالتالي، إنَّ التصريحات الأميركيّة الأخيرة تعبِّر عن إحباط، وتمثِّل خلاصة لفشل خيارات التحالف العسكرية، والضغوط الاقتصادية، والعقوبات السياسية، والمساعي الدبلوماسية، والتي تهدف كلّها إلى تجميد عمليات التحرير في مأرب.