شباب اليوم.. هل هم جيل الغد؟ بقلم| حاتـم عثمان الشَّعبي
بقلم| حاتـم عثمان الشَّعبي
لكل زمن دولة ورجال، هذه المقولة التي تعرف من خلالها حضارات وتقدم وازدهار الدول والأمم وكذلك في حال عدم تحقيق ذلك فإن المقولة واضحة وتعبر عن واقع تعيشه كل أمة بذاتها فهناك من صنع التاريخ، وهناك من أساء لنفسه ودَوَّنهُ التاريخ وبين هذا وذاك معاني كثيرة وكبيرة ولن يستطيع تحليلها وفهمها سوى من عاشها وعرف الفرق بين ما كان وما أصبح، فإن كانت النتيجة حِلّوٌ بطعم العسل فهنا نقول أنه صنع التاريخ وسجل إسمه بأحرف من ذهب وإن كانت النتيجة علقماً فقد أساء لنفسه ولم يجد ما يسجل به إسمه ولكن التاريخ سجل هذا الفشل فالتاريخ لا يرحم.
كلنا قرأ التاريخ الإسلامي والعالم وتاريخ الثورات خلال القرن الماضي وبداية هذا القرن، وبرزت فيهم أسماء تلألأت كالنجوم في سماء التميز والنجاح، وبناء الدول وصنع الحضارات واختراع واكتشاف العديد من الوسائل التي نستخدمها ولولاها لما كنا نستطيع أن نتواصل مع بعضنا البعض في أقل من جزء من الثانية، وكانت لبلدنا من هذه الأسماء التي تلألأت كالنجوم حظٌ لعدد من القيادات والعلماء والأدباء والحكماء ليس بقليل.
حيث كان هؤلاء وهم كثيرون قد حفروا أسمائهم من نور وسطرت قصصهم وحكاياتهم بكتب التاريخ وكانوا يتسابقون لنيل المعرفة والعلوم رغم صعوبة الوصول إليها لأن الظروف التي كانوا يعيشون بها متعبة ومرهقة، إلا أن الإصرار للوصول إلى مبتغاهم كان هو هدفهم الأسمى فاستطاعوا من التغلب على هذه الظروف وعبَّدوا طريقهم وزرعوا جوانبه بالزهور والأشجار وفتحوا له فروع حتى يصل كل واحد منهم إلى هدفه الذي وجد به نفسه ولم ييأس من الصعاب التي كانت تواجهه فصنعوا الدول وبنوا الحضارات.
نحن اليوم بالقرن الواحد والعشرون وخلال الست العقود الماضية لم نجد ضالتنا ولم يبرز فرد من مجتمعنا ويعيش بيننا ليتميز بهذا أو ذاك من العلوم أو تلك المهارات سوى من هاجر للغرب وتوفرت له الإمكانيات واستطاع من تفجير طاقاته ليحقق أهدافه ويبني ذاته ويعلن للجميع وبكل فخر بأنه من الوطن الذي لم يعطه شيء بل جعله يهرب للغرب ليقف اليوم على منصات التفوق والنجاح ويؤكد حبه لوطن لم يحبه بسبب قيادات لم تهتم بهذه الطاقات وترعاها.
وكما نلاحظ جميعاً بشوارع وأزقة مجتمعنا شباب يتنقل هنا وهناك ويجلس بالركن هذا أو ذاك منهم من يمضغ القات ومنهم من يمسك هاتفه يبحث عن شبكة إنترنت غير مهتمين بمظهرهم الذي ما أن تأتي عين أي شخص يعبر من جانبهم لتجده يقول بداخل قلبه “اللّهم احفظهم واهديهم واجعلهم من الصالحين لأهلهم ووطنهم”، وكذلك عندما تسير بالأسواق ترى شباب ذو شعر كبير ومنكوش وجوانب خفيفة ويلبس ملابس لم تعرف الماء لفترة من الزمن ويسير حافي القدمين، وكذلك عندما تركب الباص، تتفاجأ بعدة تصرفات تعتبر دخيله على مجتمعنا وهي مضغ ما تسمى “الشمة” من قبل الشباب والعجيب منهم تجده يمضغ القات ويأتي بالشمة إلى جانبه ويؤكد عليهم أيضاً بإشعال سيجارته لينفخ دخانها وكأنه حقق حلمه الذي كان يحلم لتحقيقه منذ طفولته “لاحول ولا قوة إلا بالله”، وعندما تتحدث مع الشباب عن أمنيته فإن جوابه وهمه الأول والأخير أن يكون لديه “باص” لأنه من خلاله سيستطيع بناء مستقبله وتكوين أسرة وقبل ذلك رعاية والديه وإخوته.
هل هذا هو ما أرادوه لنا ولشبابنا والذين لم يكن هذا سلوكهم، أو تكون هكذا تصرفاتهم فدائماً عندما تريد أن تنتصر على قوم فعليك بتدمير شبابه وتفريغ عقله من العلوم بكافة أسمائها وإلهائه عن مستقبله واشغله بقوت يومه وعذبه بالحصول عليه، هنا ستكون قد انتصرت على هذا القوم الذي نسى التربية والتعليم والصحة واهتم كيف يستطيع أن يبقى على قيد الحياة بالبحث عن لقمة تكفيه هو وأسرته.
وعندما تفرغ عقول الشباب من التعليم والتفكير الإيجابي بالتأكيد لن نجد مستقبل مشرق لمجتمعنا الذي ضاع بسبب ضياع شباب اليوم، والذي للأسف شارك بتدميره من لهم مصالح ذاتية وبيدهم إتخاذ القرار ليفوزوا هم بتعليم أولادهم وتطوير مهاراتهم، والذين لن يعودوا لبناء وطنهم لأنهم سيحصلون على الجنسيات الغربية وإن عادوا سيكونون كخبراء ويحصلوا على مرتبات بالدولار الأمريكي.
وهنا رسالة لكل أم وأب أرجو منكم جميعاً الإهتمام بأولادكم ومهما اشتدت الظروف فثقوا أن الفرج قريب والمهم هو الحفاظ على سلوك وأخلاق أبنائكم ومتابعتهم، حتى لا يدخلوا في دائرة يصعب خروجهم منها بالمستقبل لأن التربية والأخلاق الطيبة هي من ستوجههم للطريق الصحيح واختيار الأصدقاء الصالحين والطيبين، ونتمنى من أئمة المساجد أن يوجهوا خطبة كل يوم جمعة بنصائحهم حتى الدروس بين صلاة المغرب والعشاء ترفع الميكروفونات ليسمع الجميع ممن هم خارج الجامع للكلمة الطيبة لأن الشباب بحاجة مستمرة للتوعية والوعظ والإرشاد والتوجيه والتدخل إن لزم الأمر لا لأن نتركهم بهذه السلوكيات أو تلك التصرفات ونتخلى عن مسؤوليتنا التي نبهنا عليها نبينا الكريم ﷺ وقال بحديثه كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
وعلى المجالس المحلية بالمحافظات عمل دورات للشباب وندوات تثقيفية وتوعوية وحصر الشباب وإمكانياتهم وتخصصاتهم لمعرفة ما هي قدراتهم، وما هي النواقص لديهم ليتم توفيرها لهم من هذه الندوات والدورات والتي يمكن أن تتكفل بها وزارة التخطيط والتنمية عبر المنظمات العاملة بالوطن.
أما رسالتي للشباب فأنتم أعمدة الوطن الذي نبني عليه آمالنا وطموحاتنا، لأن تكون بلدنا في مصاف الدول المتطورة والمتقدمة فاعتبروا من آباءكم و ممن سبقوكم واغتنموا وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية في التطوير من قدراتكم وتفجير طاقاتكم والتعلم من الشباب أمثالكم في العالم أجمع، ممن أصبح لهم مكانة بأوطانهم وبين مجتمعاتهم فأنتم شباب اليوم وجيل الغد وصناع المستقبل الزاهر و الراقي والمتطور الذي سنفخر به لأنكم أنتم من صنعه.