مقالات

ما الذي يتذكره الصحفيون اليمنيون من يومهم الوطني؟ بقلم| عبدالباري طاهر

بقلم| عبدالباري طاهر

لا أقول احتفل الصحفيون اليمنيون بيوم الصحافة اليمني؛ لأن اليمن تعيش كارثة الحرب منذ ستة أعوام. الحرب التي قُتل فيها العشرات من الصحفيين، وتعرض العشرات للاعتقال والاختفاء القسري، وجرى إغلاق عشرات الوسائل الإعلامية: المقروءة، والمسموعة والمرئية، وجرى ويجري التضييق على الهامش الديمقراطي الضيق أصلًا؛ فقد كسرت ونهبت كاميرات الصحفيين، وجرى الاعتداء عليهم، ومنعهم من مزاولة المهنة أو تغطية الأحداث، أو رصد الوقائع، أو الحديث عن جرائم الحرب الكاثرة، وهناك ١١ صحفيًّا معتقلًا كبيان نقابة الصحفيين اليمنيين بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين ليوم الصحافة اليمني.

أحد عشر صحفيًّا؛ منهم عشرة تعتقلهم جماعة الحوثي (أنصار الله)، وصحفي مختطف من قبل جماعة القاعدة بحضرموت، وهناك أربعة صحفيين اختُطفوا في مثل هذا اليوم قبل ستة أعوام من قبل جماعة الحوثي (أنصار الله) بصنعاء، وصدرت بحقهم أحكام جائرة بالإعدام في محكمة خاصة بالإرهاب، وقد تعرضوا للتنكيل والتعذيب.

الصحفي يحيى عبدالرقيب الجبيحي اعتقل، وحكم عليه بالإعدام في ظل غياب محاميه أو سلامة إجراءات تقاضٍ عادلة وقانونية، ولا يزال ابنه حمزة رهن الاعتقال. الصحفيون الأربعة المحكومون بالإعدام تعسفًا وظلمًا، هم: عبدالخالق عمران، وتوفيق المنصوري، وأكرم الوليدي، وحارث حميد، والمأساة أن أنصار الله (الحوثيين) يتعاملون مع الصحفيين كمقاتلين، وفي أحسن الأحوال كأسرى حرب.

الصحافة في اليمن الضحية الأولى للحرب الكارثية. يتنافس أطراف الحرب على التنكيل بالصحافة والصحفيين؛ فمصادرة حرية الرأي والتعبير قاسم أعظم ومشترك بين كل هذه الأطراف؛ “الشرعية” تمتنع عن صرف مرتبات الصحفيين والإعلاميين على مدى الأعوام الستة، وهي طرف أساس في كل الانتهاكات ضد الصحف والصحفيين ومصادرة الحريات الصحفية.

المجلس الانتقالي الجنوبي يفرض السيطرة على وسائل الإعلام في مدينة عدن، ويمنع العاملين في وكالة الأنباء “سبأ” ومكتب صحيفة الثورة من القيام بأعمالهم، وقد قام “الانتقالي” بإغلاق صحيفة الـ١٤ من أكتوبر، الصحيفة اليومية المركزية الرسمية في الجنوب.

ترصد النقابة الصحفية ١٤٠٠ انتهاكًا منذ بدء الحرب قبل ستة أعوام في مدينة تعز المحكومة بمليشيات الإصلاح و”الشرعية”-[الحكومة المعترف بها دوليًّا]، حيث تختفي فيها صحيفة الجمهورية، وتصادَر حرية الرأي والتعبير، ويمارَس القمع ضد الناشطين ووسائل الإعلام.

الصحفيون شهود الحقيقة، وقضيتهم الأساس الحرية والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، والحق في الحصول على المعلومة، وكل هذه القيم معدومة بالحرب؛ فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. الصحفي في صنعاء مخوّن في مأرب، ومتّهم في تعز، ومُدان في عدن، أما لدى “الشرعية” خارج اليمن، فهو عدوّ لليمن، ومع ذلك فهو محكوم بالإعدام في صنعاء، ومعتقل كأسير حرب لأنه عميل للعدو، ويوزع إحداثيات، والحال في مأرب أو تعز وعدن أو حضرموت، لا يختلف عنه في صنعاء؛ فالبلاء يعمّ، والخير يخص.

الصحفيون لا يدافعون عن قضاياهم فقط، وإنما مهمّتهم الدفاع عن الحريات، وقضايا شعبهم وأمتهم. إنهم الشهود على جرائم الحرب، وعلى الانتهاكات وتدمير الكيان اليمني، وتمزيق النسيج المجتمعي، ونهب الجزر اليمنية، واحتلال الموانئ، واقتطاع الأرض، وتجويع الناس وتشريدهم.

وظيفة الصحفي في أزمنة الحرب فضح دعاة وتجار الحروب، وناشري خطاب الكراهية والعنف.

عندما نعود بالذاكرة إلى يوم التاسع من يونيو عام ١٩٩٠، يوم توحّد الصحفيون، وأصدروا قرارهم باعتبار يوم توحّدهم “يوم الصحافة اليمني”. فعقب الوحدة اليمنية في الـ٢٢ من مايو 1990، أُقر دستور دولة الوحدة الذي ينص في المادة (٢٦) على أن “لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون”.

كما قدم مشروع قانون الصحافة رقم (٢٥) لسنة ١٩٩٠، الذي أقر في المادة الثالثة: “حرية المعرفة والفكر والصحافة والتعبير والاتصال، والحصول على المعلومات، حقّ من حقوق المواطنين لضمان الإعراب عن فكرهم بالقول والكتابة أو التصوير أو الرسم، أو بأية وسيلة أخرى من وسائل التعبير، وهي مكفولة لجميع المواطنين وفق أحكام الدستور، وما تنص عليه أحكام هذا القانون”.

معروف أن النظامين الشموليين لم يكونا يعترفان بالتعددية السياسية والحزبية، وكانت الحريات الصحفية محظورة ومحجوبة، وكان دستور دولة الوحدة وقانون الصحافة خطوتين ديمقراطيتين مهمّتين بالقياس إلى أوضاع الشطرين والحريات المحظورة فيهما. ومع ذلك كان طموح الصحفيين أكبر من أفق المشرّعين المحكومين بالنظامين الشموليين؛ فقد قدّم الزملاء الصحفيون في عدن عبر الزميلين: هشام باشراحيل- رئيس تحرير صحيفة الأيام، والزميل محمد قاسم نعمان- رئيس تحرير صحيفة العمال، ملاحظات قيّمة ومهمّة على مشروع القانون رقم (٢٥)، وتشكلت في المؤتمر لجنة تنسيق مع رئاسة مجلس النواب لإشراك ممثلين للنقابة من أعضائها مع اللجنة المختصة بالمجلس في مناقشة مشروع قانون الصحافة، قبل عرضه على مجلس النواب؛ ليتمكن من خلاله المشاركة في طرح الصحفيين للملاحظات والمآخذ التي يرونها ليأخذ بها المجلس عند مناقشته وإقراره للمشروع. سجّلت النقابة أكثر من 40 ملاحظة على المشروع الذي أعطى بطاقة العضوية لوزارة الإعلام. طبعنا كمية من الملاحظات، وكنت والزملاء: نعمان المسعودي- الأمين العام للنقابة، والصحفي نعمان قايد سيف، نداوم على حضور اجتماع النواب لإقناعهم بتبني ملاحظات النقابة. قليلون هم الذين اهتموا وتبنّوا موقف النقابة: علي لطف الثور، ونعمان المسعودي، ومحمد الفسيل، والدكتور حسين العمري، وعلي مقبل غثيم، في حين وقف مسؤولو الإعلام وبعض النواب الصحفيين، ضد النقابة، وكان الموقف النبيل والمائز موقف وزير الإعلام الدكتور محمد جرهوم، وبفضل موقفه توصّلنا إلى حلّ وسط في قضية بطاقة النقابة.

فالإعلام يمنح بطاقة الامتيازات، بينما تختص النقابة ببطاقة العضوية. كنا نطالب بتعديلات في القانون إلى الأفضل، والاكتفاء بالإبلاغ عن تأسيس الحزب أو النقابة أو الصحيفة، كما كان عليه الحال إبان الاستعمار البغيض في عدن، وعندما نتذكر تلكم الأيام ونقارنها بالست السنوات العجاف، لكأنما نقارن بين الوجود و العدم، أو بين الحياة والموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى