مقالات

في ذكراها الـ57 .. ماذا حققت لنا ثورة 14 أكتوبر ؟!

بقلم / نصر صالح
يتساءل «كُثُر»، وغالبا بخبث، وأكثرهم إمّا أنصار أو من أقارب سلاطين وإمراء ومشائخ زمن الإحتلال البريطاني للجنوب، فضلا عن مواطنين عاديين:
– «ماذا حققت لنا ثورة 14 أكتوبر غير الفقر والتعسف وإخلاء الجنوب من الكفاءات العلمية، فضلا عن دموية عهد ما بعد الإستقلال ودورات الدم حتى بين رفاق تنظيم الجبهة القومية/ الحزب الإشتراكي أنفسهم؟».
وواقع الحال، فإن ما جرى بعد الإستقلال الوطني للجنوب في 30 نوفمبر 1967 لا علاقة لثورة 14 أكتوبر به.
صحيح، أن قادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل هم من حكم الجنوب بعد نجاح ثورة 14 أكتوبر في التحرر من الإستعمار البريطاني وإقامة النظام الجمهوري.. لكن علينا أن نتذكر أن قادة الجبهة القومية قد جاءوا إلى السلطة باختيار بريطاني، (فكما هو معروف، فقد اشترطت بريطانيا على الحبهة القومية عدم إشراك جبهة التحرير في قيادة البلد بعد أن تسلمهم حكم الجنوب من بعدها، وذلك نكاية بالرئيس جمال عبد الناصر الذي كان يدعم بقوة جبهة التحرير، وكان غالبية أعضائها ناصريين)..
فلماذا يتم تحميل ثورة 14 أكتوبر 1963 وزر ما ارتكبه الرفاق بعد الجلاء والإستقلال؟ لماذا اتهام ثورة 14 أكتوبر بالتسبب في استفرادهم بالسلطة، وبالتالي تحميلها مسئولية ما جرى منهم بعد نيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967؟.
علينا أن نعي جيدا أن ثورة 14 أكتوبر 1963 قامت لتحرير عدن من الإستعمار البريطاني وتحرير المناطق الأخرى من حكم السلاطين والأمراء وإقامت النظام الجمهوري الموحد لقرابة 24 سلطنة وإمارة ومشيخة مع مستعمرة عدن. (كانت نية الثوار توحيد هذا الكيان الجنوب يمني مع شماله اليمني لاحقا، ويكون ذلك من مهام القيادة السياسية فيما بعد، نظرا للظروف التي رافقت مباحثات بريطانيا مع وفد الجبهة القومية، فضلا عن الفيتو البريطاني بوجه أي مشاركة من قبل حكومة الشمال التي كانت غارقة في حرب السبعين دفاعا عن الثورة والجمهورية).
وقد حققت الثورة أغراضها في التحرير والاستقلال وتوحيد السلطنات في كيان جمهوري واحد، باستثناء توحيد الشطرين مبكرا (وهذا موضوع آخر).
لكن للإنصاف، فلم تكن تجربة حكم الجبهةالقومية التي تطورت إلى الحزب الاشتراكي سيئة بالمطلق.. فثمة إنجازات وطنية وقومية ضخمة حققتها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، سواء على مستوى تسهيل معيشة المواطن أو مجانية تعليمه وكذا مجانية تطبيبه ومجانية سكنه، وضمان شيخوخته بعد توفير فرص العمل له، وحتى زواجه، فضلا عن توفير مستوى من الأمن والأمان (دورات الدم التي كانت تقام، كانت تقتصر على عناصر الحزب الحاكم لحسن حظ المواطن العادي!).
لكن، كان يمكن لقيادة الحزب الحاكم أن لا ترتكب ما ارتكبت، لو أنها تحلت بشيء من العقلانية وبقليل من الديمقراطية وحرية الصحافة وتعدد الأحزاب، ولو أن أصحاب الرؤوس الحامية فيهم تحرروا من نزعة الطمع والأنانية المناطقية والإستفراد بالسلطة بالقوة الغاشمة.. ولعل ذلك ما دفعهم بداية إلى خصومة حمقاء مع أصحاب المؤهلات العليا، وبخاصة ما كان منهم متعاطفا مع جبهة التحرير، حيث اعتبروهم منافسين محتملين لهم على السلطة، فشنوا حملات شيطنة وتنكيل بتلك العقول ما حدى بها إلى الهجرة.
ثم، وبعد أن ارغموا تلك العقول على ترك عدن، ولما لم يجدوا منافسا آخرا محتملا أمامهم «يتعاركون» معه، استداروا نحو بعضهم، واقاموا دورات الدم والتصفيات فيما بينهم، على خلفية النزاع الآيديولوجي الذي كان يحكمه في الواقع نزعة الإستفراد والتكتل المناطقي والخصومات المناطقية (التي ورثناها من بريطانيا: سياسة فرق تسد)..
وإضافة إلى النزعات سالفة الذكر، كان يركب بعض العقول المتهورة نزق نسخ التجارب الثورية من الخارج وطبعها طبق الأصل على مجتمعهم. وأرجح أنها لم تكن بقناعات صادقة من قبلهم، بل ربما كان دافعهم لم يكن سوى إقناع انفسهم أنهم ثوار حقيقيون جديرون بالثورية، لمركب نقص تولد لديهم من تجربة حرب التحرير.. فكما هو معروف، لم يكن فدائيو الجبهة القومية على قدر من الفعالية في عملياتهم ضد القوات البريطانية في عدن، كما لم يكن لهم وجود يُذكر في ردفان منطلق الثورة (كان ثوار ردفان بقيادة المناضل بالليل بن راجح بن غالب لبوزة  يتبعون جبهة التحرير). كما كانوا الأقل جماهيرية وتأييدا على مستوى الساحة الجنوبية والوطن العربي عمونما (تنبهت السلطات البريطانية إلى ذلك فوجهت جيش الليوي (الاتحاد لاحقا) لتعزير قوامهم العددي إلى جانب تقديم الدعم العسكري الوازن لصالح الجبهة القومية في مواجهة المد الجماهيري الواسع لجبهة التحرير، ولتصفية عناصرها)..
إن، من هو في جيلي، يعرف كيف أن سلطة الجبهة القومية كانت تشن حربا غير معلنة على أصحاب الفكر القومي الناصري وكذلك على أصحاب الفكر القومي البعثي.. فقد كانت لهم «قوميتهم» الخاصة بهم والمستمدة من حركة القوميين العرب. (أتذكر أنني شاهدت جنودا مسلحين بالبندقيات «الكندا» جاؤا إلى دكانة أحد البائعين في سوق الشيخ عثمان (الماركيت) للقبض عليه لأنه يفتح إذاعة «صوت العرب» من القاهرة، حدث هذا في نهاية 1968).
ثم أنهم، ربما لما أحسوا أن «حركة القوميين العرب» لا تمنحهم التميز الثوري اللامع، قفزوا إلى اعتناق الإشتراكية العلمية برشفة واحدة ومن المصدر الأساس (خام، من النبع من بلاد لينين). لم تعجبهم إشتراكية عبد الناصر العربية المعتدلة فهي – بنظرهم – ليست «إشتراكية ولايتي» وخاصموها، كما خاصموا وفرضوا حضرا على أصحاب الأفكار الشيوعية الماوية الصينية لأنها محورة (اشتراكية انتهازية، تجمع بين النظريتين الاقتصاديتين: الإشتراكية الشيوعية والرأسمالية). لم يأذنوا لعقولهم ببذل أي مجهود لدراسة لماذا أجرت التجربة الناصرية أو الصينية بعض التعديلات على الصيغة الإشتراكية الأصلية. ولم يكتفوا بأن منعوا حتى مجرد الخوض في مناقشة التجربتين، بل وربما كانت دورة دم 26 يونيو 1978 ضد سالمين وما يمثل هي بهدف منع أي نية للتوجه نحو الصين للاستفادة من تجربتها، كما كانت أيضا لمنع الانفتاح الجدي على الشمال (الرأسمالي) بقيادة الحمدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى