أعين الأطفال في مرمى البنادق!
تعز – رانيا عبدالله
ونحن نستعد لاستقبال مناسبة عيد الأضحى المبارك، وفصل الصيف المزدحم بالأفراح والمناسبات، علينا أن نرجع بذاكرتنا قليلاً إلى مناسبة عيد الفطر الماضي، تلك المناسبة التي فقد العديد من الأطفال أعينهم وسط فرحة العيد.
لم يكن والد الطفل عقلان عبدالله عقلان (10 أعوام) يتوقع أن تنقلب فرحة العيد إلى حزن وتعاسة، بعد أن تعرض طفله لإصابة في شبكية العين، واحتمالية فقدان نظره. يقول عبدالله والد الطفل: “لم أتوقع أن يعود طفلي إلى المنزل بعد دقائق قليلة من خروجه، بإصابة في إحدى عينيه برصاصة “خرز”، رغم أنه لم يكن يلعب بمثل تلك الألعاب”، مصيفا:” بالكاد أوفر المصاريف اليومية من مأكل وملبس وغيرها من الاحتياجات اليومية، من خلال عملي في البناء، وهذه الحادثة أضافت لي عبء تكاليف العلاج والعمليات، لكن أتمنى أن يتعافى ولدي وتعود عينه كما كانت سابقًا”.
جلس عبدالله المثقل بالهم على كرسي الانتظار في المستشفى منتظرًا نتيجة الفحوصات، والخوف يسيطر عليه خشية ألا يعود لابنه النظر. وسيتم تحديد إن كانت ستعود عين الطفل لطبيعتها بعد إجراء عدة عمليات تستغرق فترات، إذ إن العين مصابة بنزيف، والقزحية متهتكة بشكل كبير، بحسب الدكتور عبدالله الأهدل، مدير مستشفى الأهدل للعيون التخصصي بتعز.
وتكمن خطورة بنادق ومسدسات الخرز الخاصة بالأطفال، في احتوائها على كرات صغيرة تطلق من لعبة مسدس أو بندقية، وتنتشر في مواسم الأعياد للاحتفال بالعيد، خالقةً مأساة قد تتسبب في تشوه أو إعاقة العين.
استهداف عيون الأطفال
وصلت إلى مستشفى الأهدل الخاص بمدينة تعز أكثر من 20 حالة مصابة برصاصات الخرز التي أصيب بها الطفل عقلان، وأغلبهم من المارة، في عيد الفطر المبارك لهذا العام. وفي كل عام تصل نحو 15 حالة مصابة، وأغلبها نزيف حاد.
ويوضح الدكتور عبدالله الأهدل أن بعض الإصابات التي استقبلها المستشفى بعد إجازة عيد الفطر المبارك هذا العام، تعاني من نزيف في الغرفة الأمامية، والبعض تهتك في القزحية وإصابة العدسة، وكلها ناجمة عن مسدسات الخرز الخاصة للأطفال.
ويضيف الأهدل: “هذا الموسم معظم الحالات التي استقبلناها من وسط المدينة والمديريات، كانوا من المارة، معظمهم أطفال”، مشددًا على دور الآباء لإنهاء هذه المأساة المتكررة في كل مواسم وإجازات الأعياد، لأن السلطة المحلية لا يعول عليها، ولم تقم الجهات المعنية بدورها بمنع بيع هذه السلع التي تضر بالأطفال نفسيًا وجسديًا.
وأصيب الطفل عمر مختار الحاج ( 8 سنوات) برصاصة خرز أثناء خروجه إلى البقالة، ثالث أيام العيد، إذ استقرت رصاصة خرز في عينه، فما كان من الطفل إلا إخراج الرصاصة بصعوبة من عينه، والعودة إلى المنزل. أسرع والد الطفل بإسعافه إلى المستشفى، ويقول الحاج: “أسعفت ابني، لكن المستشفى كان مغلقًا في إجازة العيد، وعندما كنت أمام بوابة المستشفى المغلقة لمحني صاحب الصيدلية المقابلة للمستشفى، وأعطاني قطرًا للعين، وأخبرني بوصول حالتين لطفلين قبل وصولي أُصيبا بمسدس خرز أيضًا”.
واتجه الحاج لمستشفى آخر لإسعاف ابنه، ودفع رسوم استدعاء طبيب، واستخدم الأدوية التي قررها له الطبيب. وبعد عودة الدوام الرسمي تابع حالته بالمستشفى، كما يقول للمشاهد. ويحمل الحاج الجهات المعنية التي لم تقم بدورها، والتجار الذين يستهترون بحياة الأطفال، ويبيعون ألعابًا مخالفة تلحق الضرر بالأطفال، إضافة إلى استهتار الأهل وعدم انتقائهم الألعاب المناسبة لأبنائهم.
سلوكيات عدوانية
ويرجع أستاذ علم النفس المشارك بجامعة تعز الدكتور جمهور الحميدي، في حديثه أسباب اقتناء الأطفال لهذه الألعاب، إلى الفراغ الذي يعانون منه، وبخاصة في البرنامج الاجتماعي الخالي من وسائل الترفيه المناسبة في الأعياد والمناسبات. ويقول إن الأطفال يلجؤون إلى تقليد السلوكيات المنتشرة في الشوارع، والمتمثلة بحمل السلام وحرب الشوارع التي انتشرت في البلد، والتي تؤثر على نفسية الطفل في المستقبل، وتجعله ينخرط في سلوكيات بعيدة عن طفولته.
ويضيف الحميدي: “أغلب إصابات مسدسات الخرز تتركز في العينين، وتصيب أعين الأطفال الذين يلعبون، وتوصلهم إلى الإعاقة البصرية، مما يؤدي إلى آثار وانعكاسات نفسية ليس على المريض فقط أو المصاب، بل تمتد للأسرة والمجتمع”. موجهًا رسالة لأولياء الأمور لضرورة محاربة مثل هذه الظاهرة، وانتقاء الألعاب المناسبة لأطفالهم.
غياب الرقابة على التجار
ووسط غياب رقابي مستمر وانفلات في المدينة وقلة وعي من قبل الأبوين بخطورة هذه الألعاب، والسماح لأطفالهم باقتناء بنادق الخرز، يذهب العديد من الأطفال ضحايا لهذه الألعاب المنتشرة في الأسواق والبقالات، والتي تقلب بهجتهم وفرحتهم إلى مأساة.
الحاج أحمد سلطان، أحد سكان تعز، يستهجن استمرار بيع هذه البنادق في الأسواق، قائلًا: “لا توجد عقوبات رادعة ومصادرة هذه الألعاب من التجار، فكل عيد على هذا الحال، وكم من الضحايا من الأطفال والمارة بكل موسم عيد”.
ويضيف أحمد: “أصبح ملفتًا جدًا لعب الأطفال بهذه البنادق في السنوات الأخيرة، فهم يلعبون حرب شوارع، مقسمين إلى مجموعات، ويصيبون المارة، ويعرضون أنفسهم للخطر في ظل إهمال الأسر”.
ويوضح مدير مكتب الصناعة والتجارة بتعز، أحمد المجاهد، أن مسؤولية ضبط هذه الألعاب تشترك بها عدة جهات مهمتها منع دخول هذه الألعاب من الموانئ ومداخل المدينة. ويقول المجاهد: “قمنا بعمل تعميم بعدم تداول مسدسات الخرز التي فعلًا تهدد سلامة الأطفال، ومنع دخولها إلى المدينة”، مضيفًا أن “لجنة ميدانية ستقوم بالنزول إلى الأسواق في المدينة، ومن ثم إلى الأرياف، لضبط وإتلاف هذه الألعاب، وإحالة التجار إلى النيابة لاتخاذ الإجراءات”.
ويؤكد على أهمية الجانب الأمني لمنع تداول مثل هذه السلع في الأسواق، واستمرارية نزول اللجان إلى الأسواق لمنع تداول هذه الألعاب. سيّما ونحن نستعد لاستقبال مناسبة عيد الأضحى المبارك، وفصل الصيف المزدحم بالأفراح والمناسبات.