زيارة الوفد العُمانيّ.. أين الإعلام؟! بقلم| عبدالرحمن بجاش
بقلم| عبدالرحمن بجاش
قناة تليفزيونية جديدة على شاشتها “خبر” استكمال الترتيبات لإعادة افتتاح مطار صنعاء، قناة أخرى، قناة ثالثة، موقع رابع وعاشر وعشرين تردد نفس الخبر! وصحف الطرفين تشارك في الزفة، وفي الأخير تكتشف أن كل ما بُثّ ونُشر لا صحة له مطلقًا!
ذلك يكشف بوضوح ركاكة الإعلام اليمني الذي لم يؤسَّس له بمهنية حقيقية، بل تحول إلى مجموعة دكاكين تتبع الأطراف المختلفة منذ 26 مارس 2015، وتلك الأيام إعلام يتبع المعارضة بشخوصها، وآخر يستلم من البوابة الجنوبية للقصر الجمهوري!
كان الأمل في أن مراسلي الإعلام الخارجي سيضيفون للمهنة والمهنية جديدًا، فإذا بهم وقد منحت لهم تلك الصحف والقنوات والمواقع من نفس الجهة التي تدخل إليها من نفس البوابة!
هذا لا يعني أن المهنيين الحقيقيين غير موجودين، بالعكس فهناك متميزين حقيقيين، لكن الانتماءات غلبت المهنية! ومعظمهم يعانون حيث لا يحسبون على أحد، لكن مهنيتهم أصبحت وبالًا على عيشهم !
خلال الأيام الماضية، وحتى مغادرة الوفد العُمانيّ صنعاء تابعت باهتمام. حتى القنوات الكبيرة المعروفة لم تشفِ غليلي، وحتى من تختارهم للمشاركة في البرامج التفاعلية، ولأنهم لا يدرون شيئًا ولا معلومات لديهم فتجدهم يخبطون ويخلطون الأوراق والأقلام بالتهريج والتكرار، والمضحك أن القنوات المعروفة يرشح لها من يسمون بـ”المحللين” من إسطنبول وصنعاء والرياض وعدن، لتكتشف أنهم مجرد “محلحلين” لا أقل ولا أكثر، وهنا تدري سبب ذلك؛ إذ يقوم مراسلو القنوات بترشيح أشخاص لا تعرفهم ولا تدري من أين أتوا! إذ يخاف المراسل من أن يفقد وظيفته لصالح من ظهر! هذا في حال ترشيح أسماء لها وزنها المهني .
عود على بدء
تظهر عورة الإعلام في هذه البلاد عبر مسارين:
غياب المعلومة
الظروف الشخصية لمن هم موظفون في وسائل الإعلام وليسوا إعلاميين ولا صحفيين!
ما كان يطلق عليه إعلامًا رسميًّا فهؤلاء يتبعون الخدمة المدنية.
إعلاميو الصحف الأهلية والخاصة والحزبية، بعضهم رجل هنا ورجل هناك، والبقية على باب الله!
كانت المعلومة تُحتكر في دار الرئاسة، وتُسرب إلى المراسل الموثوق فيه، ومن يكون اسمه في الكشف، ونفس المعلومة تحرم على الإعلام الداخلي قنوات وإذاعة وصحافة ومتعاونين!!! والصحافة الرسمية ملزمة بخبر الوكالة، والويل كل الويل لمن يخرج عن التعليمات! والآن “الجمعة الجمعة”.
طُبع الإعلام اليمني الرسمي بطابع “حاضر يا فندم، طيب يا فندم”، وعندما كانت هناك محاولة جادة للتأسيس لإعلام عصري بمؤسسات مهنية مستقلة، جرى وأد الفكرة سريعًا، وأعيدت مؤسسة سبأ العامة للصحافة والأنباء إلى بيت الطاعة! بعد أن كان الأمل قد كبر في أن يكون الإعلامي والصحفي بالذات صحفيًّا، فقد عدنا إلى الشؤون الإدارية صاغرين، وصارت الخدمة تتحكم فيما ليس لها به علم، تقول: فلان رئيس تحرير، يكون الجواب: مدير إدارة أو مدير عام!
نقابة الصحفيين من يوم أن تأسست لم تغير في المشهد شيئًا، حتى إنها لم تستطع فرض وجودها كطرف عند إصدار بطاقة ممارسة المهنة! وصارت وزارة الإعلام تصدر إليها رؤساء تحرير لا علم لهم بأبجديات الصحافة، وتحول خريجو أقسام الصحافة إلى موظفين !
فنون التحرير الصحفي جرى العبث بها لصالح السائد، لتحول المهنة من أساسها إلى وظيفة إدارية.
جاءت الوحدة واستبشرنا خيرًا، تبيّن فيما بعد أنه جرى الإساءة للمهنة والمهنية بفتح سوق لحراج الصحف، من معه قليل من الفلوس ونية للترزق، ذهب إلى وزارة الإعلام واستخرج تصريحًا بصحيفة، بل بصحف، وإذا سأل أحدٌ عما يحصل؟ يأتي الجواب: من أجل الديمقراطية !!!
كبر حجم كشف “الصحفيين” في نقابة الصحفيين بدون صحافة ولا مهنية، وصار المهنيون الحقيقيون غرباء!
ظل الأمر قائمًا بصورته المشوهة، حتى توالدت المواقع الإلكترونية من كل حدب وصوب وكذا الجرائد، وكله على حساب المهنية، ومعظم من تسربوا من الصحف الحكومية لم يضيفوا جديدًا وصار كل من لا مهنة له صحفيًّا. أما التلفزيون فظل يسبّح، بنفس الوجوه، بحمد دار الرئاسة! والآن إذاعات محلية عبارة عن إذاعات مسابقات وقنوات للتحريض تروج لأخبار الطرف الذي تتبعه! وإعلام “الشرعية”. لم ينجح أحد!
إذاعة صنعاء تميزت طوال سنين بمعنييها الحقيقيين، والآن لا تدري أين هي؟ !
زيارة الوفد العُمانيّ ظلت طوال أيام الزيارة لغزًا محيّرًا، فلم يستطع أي موقع جريدة أو مراسل لقناة أن يخترق من خلال مصادر خاصة، ويقول حتى بقايا معلومة.
وبفضل هكذا إعلام، يتبع كل الأطراف فتح مطار صنعاء، وتدفقت السفن على الشاشات والورق إلى ميناء الحديدة !!!
الشائعات لخبطت المشهد، وصار الناس يقتاتونها لأيام يبشرون أنفسهم انقشاع الغمة بفضل ما أنتجته الدواوين من أخبار! ليتبين أن كل تلك الأخبار لا أساس لها.
خبر واحد هو عبارة عن تصريح للناطق باسم الحوثيين فيه المعلومة وبث من قناة RT، وعلى موقع القناة. غير ذلك لم ينجح أحد.
لكيلا أظهر متحاملًا، هنا وهناك نورٌ من أمل في مهنيين حقيقيين، فيما لو تركت لهم حرية الإدارة لأسسوا إعلامًا آخر نتمناه ويواكب ما نراه في الغرب.
والقادم -إن كان هناك قادم- فلا يبشّر بخير.