مقالات

العاصمة اليمنية الجديدة بقلم| وجدي الأهدل

بقلم| وجدي الأهدل

بعدما تطوي اليمن صفحة الحرب؛ فإنّ المشروع الذي يجبُ أنْ يوضع في رأس قائمة مهام الدولة، هو بناء عاصمة جديدة لليمن من الصفر.

إنها فرصة تاريخية نادرة لاتخاذ قرارٍ مصيري كهذا، وهي فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كلّ بضعة قرون، ولعله قد حان الوقت ليُشيّد اليمنيون المستقبل الذي ينشدونه بسواعدهم.

لا جدال أنّ الملايين من اليمنيين يتطلعون إلى وطنٍ مستقر ومزدهر، يعيشون فيه بكرامة وسعادة. ولتحقيق هذه التطلعات البديهية، يجبُ على الدولة أنْ تضع خططًا طموحة جدًّا، تنعشُ الآمال في ترسيخ سلامٍ طويل المدى، ويدوم لأجيال متعاقبة.

عندما تسكت المدافع، فإنّ أفضل وسيلة للتعافي من آثار الحرب، هي دعوة الشباب للعمل في بناء العاصمة اليمنية الجديدة.

يجبُ أنْ يخلق مشروع بناء العاصمة الجديدة، فرص عمل لمليون شاب يمني على الأقل، بحيث يتم استيعاب المقاتلين العائدين من الجبهات – الذين سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل بسبب إحلال السلام – وتحويلهم إلى قوة عاملة نشيطة وماهرة تُثير إعجاب العالم.

هذه معادلة لا مفر منها: الطاقة الهائلة للمحاربين الشباب، يجبُ أنْ تُوجه في عصر السلام نحو البناء والتعمير. وخير مشروع يمكنه اجتذاب القوة العاملة الفائضة هو مشروع بناء العاصمة الجديدة.

الخطوة الأولى هي البحث عن الموقع المناسب للعاصمة الجديدة، وهناك عدة شروط يجبُ توفرها في الموقع المطلوب، لعلّ أهمها على الإطلاق هو توفر مصدر لا محدود للمياه. وكما نعلم تُعاني اليمن من استنزاف مياهها الجوفية، فحَوْض صنعاء المائي سوف ينضب بحلول عام 2034، بحسب تقديرات الخبراء، وجميع المدن اليمنية في المناطق الجبلية ستُواجه المصير ذاته بعد سنين.. لذلك من الخطأ الجسيم اختيار موقع العاصمة في منطقة جبلية. وكذلك الحال بالنسبة للمناطق الصحراوية التي لن تتحمل آبارها الجوفية الاستهلاك المتعاظم على المياه، وستجفُّ في نهاية المطاف. والحل هو اختيار موقعٍ على الشريط الساحلي، بحيث يمكن مواجهة العجز في المياه العذبة عن طريق تحلية مياه البحر.

الشرط الثاني هو أنْ تكون في موقع جغرافي استراتيجي.. ولعل الموقع الجغرافي المناسب لبناء العاصمة الجديدة يقعُ في محافظة حضرموت، في مكانٍ ما شرق مدينة المكلا.. بحيث تُطل العاصمة الجديدة على المحيط الهندي، وتكتسب أهميتها الاستراتيجية من توسطها بين قارتي آسيا وأفريقيا، ومن ثم يمكنها أنْ تُضاهي مدينة مومباي الهندية في نشاطها الملاحي والتجاري.

في ذلك النطاق الجغرافي ينبغي البحث عن مرسى مستور طبيعيًّا عن أمواج البحر، يُمكن تجهيزه كمرفأ قادر على استقبال السفن بمختلف أحجامها. يُضافُ إلى ذلك دراسة تربة الموقع، ومدى تحمّلها لتشييد المباني العمودية.

يُفترض أنْ يضع المهندسون في اعتبارهم، عند رسم مخططات العاصمة الجديدة، أنْ تمتلك القدرة على استيعاب عشرة ملايين نسمة كحدٍّ أدنى، وأنْ يضعوا إمكانيات توسُّع احتياطية تكفي لضعف العدد، أيّ عشرين مليونًا.. لأنّ ناقوس الخطر يدق من عدة اتجاهات: اليمن فيها أعلى معدل مواليد في العالم، والتجمعات الحضرية في المناطق الجبلية ستُعاني بصورة حتمية من انعدام المياه العذبة، ولذلك ليس أمام قادة الدولة سوى الاستعداد مسبقًا لمواجهة هاتين المشكلتين، وذلك عن طريق توفير منطقة حضرية لديها بنية تحتية متطورة، واقتصاد قوي متعطش للقوة العاملة.

من الناحية القانونية، يجبُ فصل مساحة العاصمة الجديدة من محافظة حضرموت، ليكون لها وضعها القانوني الخاص كعاصمة للبلاد بأسرها.

لقد سبقتنا العديد من الأمم إلى الأخذ بهذا الإجراء، بهدف التغلب على مشاكلها الداخلية: شيَّد الباكستانيون عاصمة بلادهم (إسلام آباد) من الصفر، في ستينيات القرن الماضي، ووضَع مخططات المدينة المهندس اليوناني (كونستانتينوس دوكسياديس) الذي قسّمها إلى أربعة قطاعات مفصولة بالحدائق والأحزمة الخضراء والمساحات المفتوحة. وكذلك فعل البرازيليون، الذين بدأوا بتشييد عاصمتهم الجديدة (برازيليا) في عام 1960، وأُسنِد تخطيط المدينة إلى المهندسين أوسكار نيماير ولوسيو كوستا، وقد صمما المدينة على شكل طائرٍ فاردًا جناحيه.

في منتصف الثمانينيات أنجز المهندس المعماري الأميركي جيمس روسنت مخطط مدينة دودوما، العاصمة الجديدة لتنزانيا، وانتقلَ البرلمان التنزاني إلى دودوما، لكن بقيت السفارات الأجنبية في العاصمة القديمة دار السلام.

دولة ميانمار نقلت عاصمتها في عام 2005 من رانغون إلى نايبييدو التي بنتها من الصفر. وفي عام 1998 نقلت كازاخستان عاصمتها من ألماتي إلى مدينة حديثة وعصرية هي نور سلطان، التي شيدها الرئيس نور سلطان نزارياييف من الصفر.

وأما مصر التي تُواجِه مشكلة ديموغرافية، فقد شرعت فعليًّا في بناء عاصمة جديدة، هي العاصمة الإدارية، التي تبعد مسافة 60 كيلومتر عن القاهرة، بهدف الحد من الاكتظاظ السكاني في العاصمة القديمة، وإعادة توزيع السكان بطريقة متوازنة.

هناك دول توُاجه مشاكل مشابهة، مثل إندونيسيا التي تُعاني تركّز السكان في العاصمة جاكرتا، وتسعى حثيثًا للبحث عن موقعٍ مناسبٍ لتشييد عاصمة جديدة للبلاد. وأما الفلبين التي تُعاني عاصمتها مانيلا من الفيضانات، فقد شرعت في بناء عاصمة احتياطية جديدة، تحملُ مسمى نيوكلارك. وأنجز الكوريون الجنوبيون بناء عاصمتهم الجديدة سيجونغ في عام 2012، وبهذا تكون تقريبًا أحدث عاصمة جرى تدشينها على مستوى العالم.

تاريخيًّا أسس العرب العديد من المدن، مثل بغداد التي أسسها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور. ومدينة القاهرة التي أسسها القائد الفاطمي جوهر الصقلي. ومدينة البصرة التي شيّدها عتبة بن غزوان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. ومدينة الكوفة التي أسسها الصحابي سعد بن أبي وقاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. ومدينة القيروان التي بناها عقبة بن نافع في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان.

من المؤمل أنْ يؤدّي افتتاح العاصمة اليمنية الجديدة إلى صهر اليمنيين في هوية جامعة، وإغلاق ملف الانقسام المجتمعي بشقيه الأفقي والعمودي، المتمثل أفقيًّا في ثنائية الجنوب والشمال، والمتمثل عموديًّا في ثنائية السُّني والشيعي.

كما نراهنُ على أنّ العاصمة الجديدة لليمن ستكون مدينة كوزموبوليتية بامتياز، تستوعبُ مختلف الأعراق البشرية في مجتمعٍ واحد، وتُساهم بحصة متنامية في ازدهار الاقتصاد العالمي وتطور الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى