بوار الحرب على اليمن بقلم| عبدالباري طاهر
بقلم| عبدالباري طاهر
تدخل الحرب في اليمن عامها السابع. الحرب المركبة والمتداخلة بين الأهلي، والإقليمي، والدولي معقدة، وشديدة الخطورة، وأطرافها عديدون في المستويات الثلاثة، وآثارها التدميرية كبيرة، ولكل طرف من أطرافها أهدافه.
الأطراف الأهلية كثيرة، وهي الأساس، وهمّها الكبير إما التفرد، والسيطرة المطلقة، واجتثاث الخصم والمختلف، أو الاسترزاق بالحرب، واستدعاء الإقليمي والدولي، والاحتفاظ بما اقتطعته من البلاد، مستندةً بالأساس على مليشياتٍ انتماؤها للجهة وللطائفة وللقبيلة أكثر من ولائها للوطن، وهي في ذلك معتمدة على الدعم الأجنبي.
أما الصراع الإقليمي، فلإيران مطامعها ومطامحها كقوة إقليمية في المنطقة، وهي تريد فرض أجندتها، والدفاع عن مصالحها في مواجهتها مع الأمريكان وإسرائيل، وبالأخص مواجهة التهديد الإسرائيلي، وحماية برنامجها النووي، ومد نفوذها القومي والعَقَدي، واليمن في كل ذلك ميدان صراع. أما التحالف العربي، فلا يمكن عزله عن مسار “الشرق الأوسط الجديد” كرؤية شمعون بيريز، أو خطة “صفقة القرن” لترامب التي تعني بالأساس تسيُّد إسرائيل، وإماتة القضية الفلسطينية. يرى التحالف أن تنفيذ الإرادة الأمريكية الإسرائيلية هو السبيل للاستيلاء على اليمن، وتفكيكها، وابتلاع جزرها وبعض محافظاتها؛ وهو ما يتناغم مع دوره في الانخراط في الحرب ضد العراق وسوريا ولبنان والسودان.
أما أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فالحرب مكرسة لاستنزاف الثروات النفطية، وتمزيق المنطقة العربية، وكفالة تفوق إسرائيل، واستمرار نهب المنطقة وتفكيكها.
الأدوات المحلية مرتهنة للصراع الإقليمي الخادم لإرادة القوى الكبرى، واليمن ميدان صراع لهذه الأطراف. ما جرى ويجري في اليمن غير معزول عما يجري في المنطقة العربية منذ انبلاج فجر الربيع العربي وقبله. الانتفاضات الشعبية في المنطقة العربية ابتداءً من الانتفاضة الأولى في فلسطين 1987، والانتفاضة الثانية في العام 2000، وحربَي الخليج الأولى والثانية، وتدمير الكيانات القومية في العراق وسوريا وليبيا، وضرب الحصار على اليمن ولبنان– كلها مقدمات لما نشهده اليوم.
خفوت الحرب يعني بداية التعافي في المنطقة العربية، في العراق وسوريا والسودان وليبيا، ومجيء بايدن مؤشر لمناخ مغاير ومختلف، كما أن فشل العدوان الإسرائيلي على غزة، وتصاعد الاحتجاجات الفلسطينية في الضفة والداخل الفلسطيني، وانكشاف طبيعة نظام الفصل العنصري (الأبارتيد)، والتعاطف الدولي ضد العدوان الإسرائيلي على غزة والقمع السافر، ونهج التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، شواهد التغيير والتحول.
التعافي والتبدل في المزاج العربي والدولي يتجلى في تهدئة الأوضاع في ليبيا، وإلى حد ما في سوريا، وهو أيضًا ما يتبدى في النهوض الشعبي في الجزائر والسودان واليمن، وتمثل المظاهرات الأخيرة في تعز بداية هطول أمطار الربيع العربي في اليمن كلها؛ فهبة حضرموت عام 1995، والحراك السلمي الجنوبي 2007، والاحتجاجات المدنية في صنعاء وتعز عام 2011 – كانت البداية لهذا الربيع.
تسقط ورقة التوت عن سوءة الحرب وتُجارها ودُعاتها، في الحرب الأهلية المستمرة منذ ستة أعوام؛ حيث يعجز كل الأطراف عن تحقيق حسم عسكري، وكأوراق الخريف تتساقط دعاوى كل هذه الأطراف، والتدخل الإقليمي، والتحالف العربي (السعودية، والإمارات) حريص على الحرب للاستيلاء على الجزر اليمنية، والموانئ، واقتطاع سقطرى والمهرة وأجزاء من حضرموت، كما أنه حريص على تجزئة اليمن وتفكيكها وتحويلها إلى “كنتونات” متعادية ومتحاربة في الجنوب والشمال.
بيان الحزبين: الاشتراكي، والناصري في تعز، مؤشر مهم إلى امتلاك قواعد هذين الحزبين المهمين رؤية واضحة لرفض الحرب، وإدانة الفساد والاستبداد، وبداية التظاهر في تعز عاصمة الثقافة اليمنية هي البداية لنهوض يمني للخلاص من الحروب.
تعافي الأمة العربية من كوارث الحروب والصراع المدمر، وعجز القوة الإسرائيلية عن القضاء على غزة أو تهويد القدس وأسرلة الداخل الفلسطيني، كلها تدلّل على أن الأمة العربية عصية على المخططات الاستعمارية.
راهن ترامب والصهيونية وإسرائيل وأتباعهم العرب على الحروب كوسيلة لدفن إرادة الأمة وآمالها في التنمية والبناء والتحديث، والخلاص من الاحتلال الاستيطاني في فلسطين.
الأزمة المستفحلة في نظام “الأبارتيد” الإسرائيلي مردُّه إلى العجز عن ابتلاع القضية الفلسطينية؛ فالمقاومة الشعبية الفلسطينية تتصاعد، والانتفاضات المتواصلة، وصمود غزة، والدور المصري المساند لغزة، وإعادة إعمارها، ومساعيه في المصالحة الفلسطينية، تؤشر باتجاه حالة تعافي في المنطقة العربية كلها.
انتفاضة حي الشيخ جراح في القدس مؤذن بسقوط أكذوبة “مكان تحت الشمس”، وهو كتاب نتنياهو المهدد الآن بالسقوط، والمحاكمة بتهمة الفساد؛ فما تعتبره إسرائيل انتصارات منذ 1948، و56، و67، وحروبها ضد لبنان وسوريا وغزة المتكررة، هي دلائل فشل الاحتلال الاستيطاني لفلسطين، وأسرلة فلسطين الداخل، وتهويد القدس، ونهج الاستيطان والفصل العنصري، وممارسة الاضطهاد. فبينما يتوحد الشعب الفلسطيني، تتزايد عزلة الاحتلال، ويتصاعد نفوذ الاتجاهات اليمينية الأكثر فاشية ودموية، ويبقى خطر الاتجاهات الدينية والعلمانية الصهيونية ماثلًا، ولكن خطره اليوم على الدولة الإسرائيلية لا يقل عن خطره على الشعب الفلسطيني، فنتن ياهو لا يختلف عن الزعماء الفاشست والنازيين، وميزته فضح أكذوبة الدولة الديمقراطية في غابة البلدان الدكتاتورية.